الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهم بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِن بَيْنِنا ألَيْسَ اللَّهُ بِأعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ﴾، أجْرى اللَّهُ تَعالى الحِكْمَةَ بِأنَّ أكْثَرَ أتْباعِ الرُّسُلِ ضُعَفاءُ النّاسِ، ولِذَلِكَ لَمّا سَألَ هِرَقْلُ مِلْكُ الرُّومِ أبا سُفْيانَ عَنْ نَبِيِّنا - ﷺ: ”أأشْرافُ النّاسِ يَتَّبِعُونَهُ، أمْ ضُعَفاؤُهم ؟ فَقالَ: بَلْ ضُعَفاؤُهم، قالَ: هم أتْباعُ الرُّسُلِ“ . فَإذا عَرَفْتَ ذَلِكَ، فاعْلَمْ أنَّهُ تَعالى أشارَ إلى أنَّ مِن حِكْمَةِ ذَلِكَ فِتْنَةَ بَعْضِ النّاسِ بِبَعْضٍ، فَإنَّ أهْلَ المَكانَةِ والشَّرَفِ والجاهِ يَقُولُونَ: لَوْ كانَ في هَذا الدِّينِ خَيْرٌ لَما سَبَقَنا إلَيْهِ هَؤُلاءِ؛ لِأنّا أحَقُّ مِنهم بِكُلِّ خَيْرٍ كَما قالَ هُنا: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهم بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِن بَيْنِنا﴾ الآيَةَ [الأنعام: ٥٣]، إنْكارًا مِنهم أنْ يُمُنَّ اللَّهُ عَلى هَؤُلاءِ الضُّعَفاءِ دُونَهم، زَعْمًا مِنهم أنَّهم أحَقُّ بِالخَيْرِ مِنهم، وقَدْ رَدَّ اللَّهُ قَوْلَهم هُنا بِقَوْلِهِ: ﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِأعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ﴾ . وَقَدْ أوْضَحَ هَذا المَعْنى في آياتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْرًا ما سَبَقُونا إلَيْهِ﴾ الآيَةَ [الأحقاف: ١١]، وقَوْلِهِ: ﴿وَإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أيُّ الفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقامًا وأحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مريم: ٧٣] . والمَعْنى: أنَّهم لَمّا رَأوْا أنْفُسَهم أحْسَنَ مَنازِلَ ومَتاعًا مِن ضُعَفاءِ المُسْلِمِينَ اعْتَقَدُوا أنَّهم أوْلى مِنهم بِكُلِّ خَيْرٍ، وأنَّ اتِّباعَ الرَّسُولِ ﷺ لَوْ كانَ خَيْرًا ما سَبَقُوهم إلَيْهِ، ورَدَّ اللَّهُ افْتِراءَهم هَذا بِقَوْلِهِ: ﴿وَكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهم مِن قَرْنٍ هم أحْسَنُ أثاثًا ورِئْيًا﴾ (p-٤٨٠)[مريم: ٧٤]، وقَوْلِهِ: ﴿أيَحْسَبُونَ أنَّما نُمِدُّهم بِهِ مِن مالٍ وبَنِينَ نُسارِعُ لَهم في الخَيْراتِ بَل لا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٥، ٥٦]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب