الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أشْرَكْنا﴾ الآيَةَ، ذَكَرَ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّهم سَيَقُولُونَ: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أشْرَكْنا، وذَكَرَ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ أنَّهم قالُوا ذَلِكَ بِالفِعْلِ، كَقَوْلِهِ في النَّحْلِ: ﴿وَقالَ الَّذِينَ أشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِن دُونِهِ﴾ الآيَةَ [ \ ٣٥ ] وقَوْلِهِ في الزُّخْرُفِ: ﴿وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمَنُ ما عَبَدْناهُمْ﴾ الآيَةَ [ \ ٢٠ ] . وَمُرادُهم: أنَّ اللَّهَ لَمّا كانَ قادِرًا عَلى مَنعِهِمْ مِنَ الإشْراكِ، ولَمْ يَمْنَعْهم مِنهُ، أنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى رِضاهُ بِشِرْكِهِمْ، ولِذَلِكَ كَذَّبَهم هُنا بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكم مِن عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إنْ تَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَّ﴾ [الأنعام: ١٤٨]، وكَذَّبَهم في الزُّخْرُفِ، بِقَوْلِهِ: ﴿ما لَهم بِذَلِكَ مِن عِلْمٍ إنْ هم إلّا يَخْرُصُونَ﴾ [ \ ٢٠ ]، وقالَ في الزُّمَرِ: ﴿وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الكُفْرَ﴾ الآيَةَ [ \ ٧ ] . ⁕ ⁕ ⁕ * قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب): قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أشْرَكْنا ولا آباؤُنا ولا حَرَّمْنا مِن شَيْءٍ﴾ الآيَةَ. هَذا الكَلامُ الَّذِي قالُوهُ بِالنَّظَرِ إلى ذاتِهِ كَلامُ صِدْقٍ لا شَكَّ فِيهِ لِأنَّ اللَّهَ لَوْ شاءَ لَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ولَمْ يُحَرِّمُوا شَيْئًا مِمّا لَمْ يُحَرِّمْهُ كالبَحائِرِ والسَّوائِبِ. وَقَدْ قالَ تَعالى: ﴿وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أشْرَكُوا﴾ [الأنعام: ١٠٧] وقالَ: ﴿وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها﴾ [السجدة: ١٣]، وقالَ: ﴿وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهم عَلى الهُدى﴾ [الأنعام: ٣٥]، وإذا كانَ هَذا الكَلامُ الَّذِي قالَهُ الكُفّارُ حَقًّا فَما وجْهُ تَكْذِيبِهِ تَعالى لَهم بِقَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكم مِن عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إنْ تَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَّ وإنْ أنْتُمْ إلّا تَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٨]، ونَظِيرُ هَذا الإشْكالِ بِعَيْنِهِ في سُورَةِ ”الزُّخْرُفِ“ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمَنُ ما عَبَدْناهم ما لَهم بِذَلِكَ مِن عِلْمٍ إنْ هم إلّا يَخْرُصُونَ﴾ [الزخرف: ٢٠] . والجَوابُ أنَّ هَذا الكَلامَ الَّذِي قالَهُ الكُفّارُ كَلامُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهِ باطِلٌ فَتَكْذِيبُ اللَّهِ لَهم واقِعٌ عَلى باطِلِهِمُ الَّذِي قَصَدُوهُ بِهَذا الكَلامِ الحَقِّ وإيضاحُهُ: أنَّ مُرادَهم أنَّهم لَمّا كانَ كُفْرُهم وعِصْيانُهم بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وأنَّهُ لَوْ شاءَ لَمَنَعَهم مِن ذَلِكَ فَعَدَمُ مَنعِهِ لَهم دَلِيلٌ عَلى رِضاهُ بِفِعْلِهِمْ فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ في ذَلِكَ مُبَيِّنًا أنَّهُ لا يَرْضى بِكُفْرِهِمْ كَما نَصَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الكُفْرَ﴾ (p-٢٨٦)[الزمر: ٧]، فالكُفّارُ زَعَمُوا أنَّ الإرادَةَ الكَوْنِيَّةَ يَلْزَمُها الرِّضا، وهو زَعْمٌ باطِلٌ بَلِ اللَّهُ يُرِيدُ بِإرادَتِهِ الكَوْنِيَّةِ ما لا يَرْضاهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة: ٧]، مَعَ قَوْلِهِ: ﴿وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الكُفْرَ﴾ والَّذِي يُلازِمُ الرِّضى حَقًّا إنَّما هو الإرادَةُ الشَّرْعِيَّةُ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب