الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ الآيَةَ، يَعْنِي لِيَزْعُمُوا أنَّ النَّبِيَّ ﷺ إنَّما تَعَلَّمَ هَذا القُرْآنَ بِالدَّرْسِ والتَّعْلِيمِ مِن غَيْرِهِ مِن أهْلِ الكِتابِ، كَما زَعَمَ كُفّارُ مَكَّةَ أنَّهُ ﷺ تَعَلَّمَ هَذا القُرْآنَ مِن جَبْرٍ ويَسارٍ، وكانا غُلامَيْنِ نَصْرانِيَّيْنِ بِمَكَّةَ، وقَدْ أوْضَحَ اللَّهُ تَعالى بُطْلانَ افْتِرائِهِمْ هَذا في آياتٍ كَثِيرَةٍ، • كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنَّهم يَقُولُونَ إنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أعْجَمِيٌّ وهَذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل: ١٠٣]، • وقَوْلِهِ: ﴿فَقالَ إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ ﴿إنْ هَذا إلّا قَوْلُ البَشَرِ﴾ ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ [المدثر: ٢٤، ٢٥، ٢٦]، ومَعْنى يُؤْثَرُ: يَرْوِيهِ مُحَمَّدٌ ﷺ عَنْ غَيْرِهِ في زَعْمِهِمُ الباطِلِ، • وقَوْلِهِ: (p-٤٩٠)﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذا إلّا إفْكٌ افْتَراهُ وأعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاءُوا ظُلْمًا وزُورًا﴾ ﴿وَقالُوا أساطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهي تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وأصِيلًا﴾ ﴿قُلْ أنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ في السَّماواتِ والأرْضِ﴾ الآيَةَ [الفرقان: ٤، ٥، ٦]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وَفِي قَوْلِهِ: دَرَسْتَ [الأنعام: ١٠٥]، ثَلاثُ قِراءاتٍ سَبْعِيّاتٍ: قَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عُمَرَ دارَسْتَ بِألِفٍ بَعْدِ الدّالِ مَعَ إسْكانِ السِّينِ وفَتْحِ التّاءِ مِنَ المُفاعَلَةِ بِمَعْنى: دارَسْتَ أهْلَ الكِتابِ ودارَسُوكَ حَتّى حَصَّلْتَ هَذا العِلْمَ. وَقَرَأهُ بَقِيَّةُ السَّبْعَةِ غَيْرَ ابْنِ عامِرٍ: دَرَسْتَ بِإسْقاطِ الألِفِ، مَعَ إسْكانِ السِّينِ وفَتْحِ التّاءِ أيْضًا، بِمَعْنى دَرَسْتَ هَذا عَلى أهْلِ الكِتابِ حَتّى تَعَلَّمْتَهُ مِنهم. وَقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ: دَرَسْتَ بِفَتْحِ الدّالِ والرّاءِ والسِّينِ وإسْكانِ التّاءِ عَلى أنَّها تاءُ التَّأْنِيثِ، والفاعِلُ ضَمِيرٌ عائِدٌ إلى الآياتِ المَذْكُورَةِ في قَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآياتِ﴾ [الأنعام: ١٠٥] . قالَ القُرْطُبِيُّ: وأحْسَنُ ما قِيلَ في قِراءَةِ ابْنِ عامِرٍ أنَّ المَعْنى: ولِئَلّا يَقُولُوا انْقَطَعَتْ وانْمَحَتْ، ولَيْسَ يَأْتِي مُحَمَّدٌ ﷺ بِغَيْرِها. اهـ. وَقالَ القُرْطُبِيُّ: ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾، الواوُ لِلْعَطْفِ عَلى مُضْمَرٍ، أيْ: نُصَرِّفُ الآياتِ لِتَقُومَ الحُجَّةُ ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾، وقِيلَ: ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ صَرَفْناها. قالَ مُقَيِّدُهُ - عَفا اللَّهُ عَنْهُ: ومَعْناهُما آيِلٌ إلى شَيْءٍ واحِدٍ، ويَشْهَدُ لَهُ القُرْآنُ في آياتٍ كَثِيرَةٍ دالَّةٍ عَلى أنَّهُ يُبَيِّنُ الحَقَّ واضِحًا في هَذِهِ الكِتابِ، لِيَهْدِيَ بِهِ قَوْمًا، ويَجْعَلَهُ حُجَّةً عَلى آخَرِينَ، • كَقَوْلِهِ: ﴿لِتُبَشِّرَ بِهِ المُتَّقِينَ وتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ [مريم: ٩٧]، • وقَوْلِهِ: ﴿قُلْ هو لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وشِفاءٌ والَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ في آذانِهِمْ وقْرٌ وهو عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ [فصلت: ٤٤]، • وقَوْلِهِ: ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ ويَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمانًا ولا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ والمُؤْمِنُونَ ولِيَقُولَ الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والكافِرُونَ ماذا أرادَ اللَّهُ بِهَذا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشاءُ ويَهْدِي مَن يَشاءُ﴾ [المدثر: ٣١]، كَما قالَ هُنا: ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ ولِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾، فالأشْقِياءُ يَقُولُونَ: تَعَلَّمْتَهُ مِنَ البَشَرِ بِالدِّراسَةِ، وأهْلُ العِلْمِ والسُّعَداءُ يَعْلَمُونَ أنَّهُ الحَقُّ الَّذِي لا شَكَّ فِيهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب