الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ في الأرْضِ ولا في أنْفُسِكم إلّا في كِتابٍ مِن قَبْلِ أنْ نَبْرَأها إنَّ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ . ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ كُلَّ ما أصابَ مِنَ المَصائِبِ في الأرْضِ كالقَحْطِ والجَدَبِ والجَوائِحِ في الزِّراعَةِ والثِّمارِ وفي الأنْفُسِ مِنَ الأمْراضِ والمَوْتِ كُلَّهُ مَكْتُوبٌ في كِتابٍ قَبْلَ خَلْقِ النّاسِ، وقَبْلَ وُجُودِ المَصائِبِ، فَقَوْلُهُ: ﴿مِن قَبْلِ أنْ نَبْرَأها﴾ [الحديد: ٢٢]، الضَّمِيرُ فِيهِ عائِدٌ عَلى الخَلِيقَةِ المَفْهُومَةِ في ضِمْنِ قَوْلِهِ: ﴿وَفِي أنْفُسِكُمْ﴾ [الحديد: ٢٢]، أوْ إلى المُصِيبَةِ، واخْتارَ بَعْضُهم رُجُوعَهُ لِذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد: ٢٢]، أيْ سَهْلٌ هَيِّنٌ لِإحاطَةِ عِلْمِهِ وكَمالِ قُدْرَتِهِ. وَما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مِن أنَّهُ لا يُصِيبُ النّاسَ شَيْءٌ مِنَ المَصائِبِ إلّا وهو (p-٥٤٩)مَكْتُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ قَبْلَ ذَلِكَ - أوْضَحُهُ اللَّهُ تَعالى في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ، • كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إلّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هو مَوْلانا وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: ٥١]، • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ﴾ [التغابن: ١١]، • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكم بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ والجُوعِ ونَقْصٍ مِنَ الأمْوالِ والأنْفُسِ والثَّمَراتِ وبَشِّرِ الصّابِرِينَ﴾ [البقرة: ١٥٥]، لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكم بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ والجُوعِ﴾ [البقرة: ١٥٥] قَبْلَ وُقُوعِ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى أنَّ هَذِهِ المَصائِبَ مَعْلُومَةٌ لَهُ - جَلَّ وعَلا - قَبْلَ وُقُوعِها، ولِذا أخْبَرَهم تَعالى بِأنَّها سَتَقَعُ، لِيَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لَها وقْتَ نُزُولِها بِهِمْ، لِأنَّ ذَلِكَ يُعِينُهم عَلى الصَّبْرِ عَلَيْها. وَنَقْصُ الأمْوالِ والثَّمَراتِ مِمّا أصابَ مِن مُصِيبَةٍ. ونَقْصُ الأنْفُسِ في قَوْلِهِ: والأنْفُسِ مِمّا أصابَ مِن مُصِيبَةٍ في الأنْفُسِ، وقَوْلُهُ في آيَةِ الحَدِيدِ هَذِهِ: ﴿لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكم ولا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣]، أيْ بَيَّنّا لَكم أنَّ الأشْياءَ مُقَدَّرَةٌ مَكْتُوبَةٌ قَبْلَ وُجُودِ الخَلْقِ، وأنَّ ما كَتَبَ واقِعٌ لا مَحالَةَ لِأجْلِ ألّا تَحْزَنُوا عَلى شَيْءٍ فاتَكم، لِأنَّ فَواتَهُ لَكم مُقَدَّرٌ، وما لا طَمَعَ فِيهِ قَلَّ الأسى عَلَيْهِ، ولا تَفْرَحُوا بِما آتاكم، لِأنَّكم إذا عَلِمْتُمْ أنَّ ما كَتَبَ لَكم مِنَ الرِّزْقِ والخَيْرِ لا بُدَّ أنْ يَأْتِيَكم قَلَّ فَرَحُكم بِهِ، وقَوْلُهُ: ”تَأْسَوْا“ مُضارِعُ أسِيَ بِكَسْرِ السِّينِ يَأْسى بِفَتْحِها أسًى بِفَتْحَتَيْنِ عَلى القِياسِ، بِمَعْنى حَزِنَ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا تَأْسَ عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ﴾ [المائدة: ٦٨] . وقَوْلُهُ: ”مِن مُصِيبَةٍ“ مَجْرُورٌ في مَحِلِّ رَفْعٍ؛ لِأنَّهُ فاعِلُ ”أصابَ“ جُرَّ بِـ ”مِنَ“ المَزِيدَةِ لِتَوْكِيدِ النَّفْيِ، و ”ما“ نافِيَةٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب