الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُنادُونَهم ألَمْ نَكُنْ مَعَكم قالُوا بَلى ولَكِنَّكم فَتَنْتُمْ أنْفُسَكم وتَرَبَّصْتُمْ وارْتَبْتُمْ وغَرَّتْكُمُ الأمانِيُّ حَتّى جاءَ أمْرُ اللَّهِ وغَرَّكم بِاللَّهِ الغَرُورُ﴾ .
الضَّمِيرُ المَرْفُوعُ في ”يُنادُونَهم“ راجِعٌ إلى المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ، والضَّمِيرُ المَنصُوبُ راجِعٌ إلى المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ، وقَدْ ذَكَرَ اللَّهَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ إذا رَأوْا نُورَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ القِيامَةِ يَسْعى بَيْنَ أيْدِيهِمْ وبِأيْمانِهِمْ، قالُوا لَهُمُ: انْظُرُوا نَقْتَبِسْ مِن نُورِكم، وقِيلَ لَهم جَوابًا لِذَلِكَ: ارْجِعُوا وراءَكم فالتَمِسُوا (p-٥٤٥)نُورًا، وضُرِبَ بَيْنَهم بِالسُّورِ المَذْكُورِ أنَّهم يُنادُونَ المُؤْمِنِينَ: ألَمْ نَكُنْ مَعَكم، أيْ في دارِ الدُّنْيا، كُنّا نَشْهَدُ مَعَكُمُ الصَّلَواتِ ونَسِيرُ مَعَكم في الغَزَواتِ ونَدِينُ بِدِينِكم ؟ قالُوا: بَلى، أيْ كُنْتُمْ مَعَنا في دارِ الدُّنْيا، ولَكِنَّكم فَتَنْتُمْ أنْفُسَكم.
وَقَدْ قَدَّمْنا مِرارًا مَعانِيَ الفِتْنَةِ وإطْلاقاتِها في القُرْآنِ، وبَيَّنّا أنَّ مِن مَعانِي إطْلاقاتِها في القُرْآنِ الضَّلالَ كالكُفْرِ والمَعاصِي، وهو المُرادُ هُنا أيْ فَتَنْتُمْ أنْفُسَكم: أيْ أضْلَلْتُمُوها بِالنِّفاقِ الَّذِي هو كُفْرٌ باطِنٌ، ومِن هَذا المَعْنى قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقاتِلُوهم حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [الأنفال: ٣٩]، أيْ لا يَبْقى شِرْكٌ كَما تَقَدَّمَ إيضاحُهُ، وقَوْلُهُ: ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾ [الحديد: ١٤]، التَّرَبُّصُ: الِانْتِظارُ، والأظْهَرُ أنَّ المُرادَ بِهِ هُنا تَرَبُّصُ المُنافِقِينَ بِالمُؤْمِنِينَ الدَّوائِرَ أيِ انْتِظارُهم بِهِمْ نَوائِبَ الدَّهْرِ أنْ تُهْلِكَهم، كَقَوْلِهِ تَعالى في مُنافِقِي الأعْرابِ المَذْكُورِينَ في قَوْلِهِ: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكم مِنَ الأعْرابِ مُنافِقُونَ﴾ [التوبة: ١٠١]، ﴿وَمِنَ الأعْرابِ مَن يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَمًا ويَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ﴾ [التوبة: ٩٨] .
وَقَوْلُهُ تَعالى: وارْتَبْتُمْ أيْ شَكَكْتُمْ في دِينِ الإسْلامِ، وشَكُّهُمُ المَذْكُورُ هُنا وكُفْرُهم بِسَبَبِهِ بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعالى في قَوْلِهِ عَنْهم: ﴿إنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ وارْتابَتْ قُلُوبُهم فَهم في رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبة: ٤٥] .
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَغَرَّتْكُمُ الأمانِيُّ حَتّى جاءَ أمْرُ اللَّهِ﴾ [الحديد: ١٤]، الأمانِيُّ جَمْعُ أُمْنِيَّةٍ، وهي ما يُمَنُّونَ بِهِ أنْفُسَهم مِنَ الباطِلِ، كَزَعْمِهِمْ أنَّهم مُصْلِحُونَ في نِفاقِهِمْ، وأنَّ المُؤْمِنِينَ حَقًّا سُفَهاءُ في صِدْقِهِمْ، أيْ في إيمانِهِمْ، كَما بَيَّنَ تَعالى ذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿وَإذا قِيلَ لَهم لا تُفْسِدُوا في الأرْضِ قالُوا إنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ ﴿ألا إنَّهم هُمُ المُفْسِدُونَ﴾ الآيَةَ [البقرة: ١١ - ١٢]، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإذا قِيلَ لَهم آمِنُوا كَما آمَنَ النّاسُ قالُوا أنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ ألا إنَّهم هُمُ السُّفَهاءُ﴾ الآيَةَ [البقرة: ١٣] .
وَما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مِن كَوْنِ الأمانِيِّ المَذْكُورَةِ مِنَ الغُرُورِ الَّذِي اغْتَرُّوا بِهِ - جاءَ مُوَضَّحًا في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَيْسَ بِأمانِيِّكم ولا أمانِيِّ أهْلِ الكِتابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: ١٢٣ - ١٢٤] .
وَقَوْلُهُ: ﴿حَتّى جاءَ أمْرُ اللَّهِ﴾ [الحديد: ١٤]، الأظْهَرُ أنَّهُ المَوْتُ لِأنَّهُ يَنْقَطِعُ بِهِ العَمَلُ.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَغَرَّكم بِاللَّهِ الغَرُورُ﴾ [الحديد: ١٤]، هو (p-٥٤٦)الشَّيْطانُ، وعَبَّرَ عَنْهُ بِصِيغَةِ المُبالَغَةِ الَّتِي هي المَفْعُولُ لِكَثْرَةِ غُرُورِهِ لِبَنِي آدَمَ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إلّا غُرُورًا﴾ [الإسراء: ٦٤] .
وَما ذَكَرَهُ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ مِن أنَّ الشَّيْطانَ الكَثِيرَ الغُرُورِ غَرَّهم بِاللَّهِ - جاءَ مُوَضَّحًا في آياتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ تَعالى في آخِرِ لُقْمانَ: ﴿إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الدُّنْيا ولا يَغُرَّنَّكم بِاللَّهِ الغَرُورُ﴾ [فاطر: ٥]، وقَوْلِهِ في أوَّلِ فاطِرٍ: ﴿ياأيُّها النّاسُ إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الدُّنْيا ولا يَغُرَّنَّكم بِاللَّهِ الغَرُورُ﴾ ﴿إنَّ الشَّيْطانَ لَكم عَدُوٌّ فاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إنَّما يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِن أصْحابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: ٥ - ٦] .
وَقَوْلُهُ تَعالى في آيَةِ لُقْمانَ وآيَةِ فاطِرٍ المَذْكُورَتَيْنِ ﴿إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ [يونس: ٥٥] وتَرْتِيبُهُ عَلى ذَلِكَ النَّهْيِ عَنْ أنْ يَغُرَّهم بِاللَّهِ الغَرُورُ - دَلِيلٌ واضِحٌ عَلى أنَّ مِمّا يَغُرُّهم بِهِ الشَّيْطانُ أنَّ وعْدَ اللَّهِ بِالبَعْثِ لَيْسَ بِحَقٍّ، وأنَّهُ غَيْرُ واقِعٍ. والغُرُورُ بِالضَّمِّ الخَدِيعَةُ.
{"ayah":"یُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِیُّ حَتَّىٰ جَاۤءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











