الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَفِي السَّماءِ رِزْقُكم وما تُوعَدُونَ﴾ .
(p-٤٤٠)اخْتَلَفَ العُلَماءُ في المُرادِ بِكَوْنِ رِزْقِ النّاسِ في السَّماءِ، فَذَهَبَتْ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ أنَّ المُرادَ أنَّ جَمِيعَ أرْزاقِهِمْ مَنشَؤُها مِنَ المَطَرِ وهو نازِلٌ مِنَ السَّماءِ، ويَكْثُرُ في القُرْآنِ إطْلاقُ اسْمِ الرِّزْقِ عَلى المَطَرِ لِهَذا المَعْنى، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكم آياتِهِ ويُنَزِّلُ لَكم مِنَ السَّماءِ رِزْقًا﴾ [غافر: ١٣] .
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ وما أنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِن رِزْقٍ﴾ [الجاثية: ٥] .
وَقَدْ قَدَّمْنا الآياتِ المُوَضِّحَةَ لِهَذا في سُورَةِ المُؤْمِنِ.
وَإنْزالُهُ تَعالى الرِّزْقَ مِنَ السَّماءِ بِإنْزالِ المَطَرِ مِن أعْظَمِ آياتِهِ الدّالَّةِ عَلى عَظَمَتِهِ وأنَّهُ المَعْبُودُ وحْدَهُ، ومِن أعْظَمِ نِعَمِهِ عَلى خَلْقِهِ في الدُّنْيا، ولِذَلِكَ كَثُرَ الِامْتِنانُ بِهِ في القُرْآنِ عَلى الخَلْقِ.
وَقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ﴾ أنَّ أرْزاقَكم مُقَدَّرَةٌ مَكْتُوبَةٌ، واللَّهُ - جَلَّ وعَلا - يُدَبِّرُ أمْرَ الأرْضِ مِنَ السَّماءِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّماءِ إلى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْهِ﴾ الآيَةَ [السجدة: ٥]، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما تُوعَدُونَ﴾ ”ما“ في مَحَلِّ رَفْعٍ، عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ: رِزْقُكم، والمُرادُ بِما يُوعَدُونَ، قالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: الجَنَّةُ، لِأنَّ الجَنَّةَ فَوْقَ السَّماواتِ، فَإطْلاقُ كَوْنِها في السَّماءِ إطْلاقٌ عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ، لِأنَّ العَرَبَ تُطْلِقُ السَّماءَ عَلى كُلِّ ما عَلاكَ كَما قِيلَ:
وَقَدْ يُسَمّى سَماءً كُلُّ مُرْتَفِعٍ وإنَّما الفَضْلُ حَيْثُ الشَّمْسُ والقَمَرُ ولَمّا حَكى النّابِغَةُ الجَعْدِيُّ شِعْرَهُ المَشْهُورَ، قالَ فِيهِ: بَلَغْنا السَّماءَ مَجْدُنا وسَناؤُنا وإنّا لِنَرْجُوَ فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرًا قالَ لَهُ - ﷺ: ”إلى أيْنَ يا أبا لَيْلى. قالَ: إلى الجَنَّةِ، قالَ: نَعَمْ إنْ شاءَ اللَّهُ“ .
وَقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: وما تُوعَدُونَ مِنَ الخَيْرِ والشَّرِّ كُلُّهُ مُقَدَّرٌ في السَّماءِ، كَما بَيَّنّاهُ في القَوْلِ الثّانِي في المُرادِ بِالرِّزْقِ في الآيَةِ، وهَذا المَعْنى فِيما يُوعَدُونَ بِهِ أنْسَبُ لِهَذا القَوْلِ الثّانِي في مَعْنى الرِّزْقِ.
وَقَدْ ورَدَتْ قِصَصٌ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ هو الَّذِي يَتَبادَرُ إلى ذِهْنِ السّامِعِ، فَمِن ذَلِكَ ما ذَكَرَهُ غَيْرُ واحِدٍ عَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ أنَّهُ قالَ: قَرَأ واصِلٌ الأحْدَبُ هَذِهِ الآيَةِ ﴿وَفِي السَّماءِ رِزْقُكم وما تُوعَدُونَ﴾ (p-٤٤١)فَقالَ: ألا أرى رِزْقِي في السَّماءِ وأنا أطْلُبُهُ في الأرْضِ، فَدَخَلَ خَرِبَةً يَمْكُثُ ثَلاثًا لا يُصِيبُ شَيْئًا، فَلَمّا أنْ كانَ في اليَوْمِ الثّالِثِ إذا هو بِدَوْخَلَةٍ مِن رُطَبٍ، وكانَ لَهُ أخٌ أحْسَنُ مِنهُ نِيَّةً، فَدَخَلَ مَعَهُ فَصارَتا دَوْخَلَتَيْنِ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُما حَتّى فَرَّقَ بَيْنَهُما المَوْتُ.
وَمِن ذَلِكَ أيْضًا: ما ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ، قالَ: وعَنِ الأصْمَعِيِّ، قالَ: أقْبَلْتُ مِن جامِعِ البَصْرَةِ فَطَلَعَ أعْرابِيٌّ عَلى قَعُودٍ لَهُ، فَقالَ: مِمَّنِ الرَّجُلُ ؟ قُلْت: مِن بَنِي أصْمَعَ، قالَ: مِن أيْنَ أقْبَلْتَ ؟ قُلْتُ: مِن مَوْضِعٍ يُتْلى فِيهِ كَلامُ الرَّحْمَنِ، فَقالَ: اتْلُ عَلَيَّ، فَتَلَوْتُ: ﴿والذّارِياتِ﴾، فَلَمّا بَلَغْتُ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ﴾ قالَ: حَسْبُكَ، فَقامَ إلى ناقَتِهِ فَنَحَرَها ووَزَّعَها عَلى مَن أقْبَلَ وأدْبَرَ، وعَمَدَ إلى سَيْفِهِ وقَوْسِهِ فَكَسَرَهُما ووَلّى، فَلَمّا حَجَجْتُ مَعَ الرَّشِيدِ طَفِقْتُ أطُوفُ فَإذا أنا بِمَن يَهْتِفُ بِي بِصَوْتٍ رَقِيقٍ فالتَفَتُّ، فَإذا أنا بِالأعْرابِيِّ قَدْ نَحِلَ واصْفَرَّ فَسَلَّمَ عَلَيَّ واسْتَقْرَأ السُّورَةَ، فَلَمّا بَلَغْتُ الآيَةَ صاحَ، وقالَ: قَدْ وجَدْنا ما وعَدَنا رَبُّنا حَقًّا، ثُمَّ قالَ: وهَلْ غَيْرُ هَذا ؟ فَقَرَأْتُ ﴿فَوَرَبِّ السَّماءِ والأرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أنَّكم تَنْطِقُونَ﴾ [الذاريات: ٢٣]، فَصاحَ وقالَ: يا سُبْحانَ اللَّهِ مَن ذا الَّذِي أغْضَبَ الجَلِيلَ حَتّى حَلَفَ، لَمْ يُصَدِّقُوهُ بِقَوْلِهِ حَتّى ألْجَئُوهُ إلى اليَمِينِ، قائِلًا ثَلاثًا، وخَرَجَتْ مَعَها نَفْسُهُ. انْتَهى.
{"ayah":"وَفِی ٱلسَّمَاۤءِ رِزۡقُكُمۡ وَمَا تُوعَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











