الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلْيَحْكم أهْلُ الإنْجِيلِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ﴾، لَمْ يُبَيِّنْ هُنا شَيْئًا مِمّا أنْزَلَ في الإنْجِيلِ الَّذِي أمَرَ أهْلَ الإنْجِيلِ بِالحُكْمِ بِهِ، وبَيَّنَ في مَواضِعَ أُخَرَ أنَّ مِن ذَلِكَ البِشارَةَ بِمَبْعَثِ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ ﷺ ووُجُوبِ اتِّباعِهِ، والإيمانِ بِهِ كَقَوْلِهِ: ﴿وَإذْ قالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ يابَنِي إسْرائِيلَ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكم مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ ومُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أحْمَدُ﴾ [الصف: ٦]، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهم في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ﴾ الآيَةَ [الأعراف: ١٥٧]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
لَطِيفَةٌ لَها مُناسَبَةٌ بِهَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ذَكَرَ بَعْضُ العُلَماءِ أنَّ نَصْرانِيًّا قالَ لِعالِمٍ مِن عُلَماءِ المُسْلِمِينَ: ناظِرْنِي في الإسْلامِ والمَسِيحِيَّةِ أيُّهُما أفْضَلُ ؟ فَقالَ العالِمُ لِلنَّصْرانِيِّ: هَلُمَّ إلى المُناظَرَةِ في ذَلِكَ، فَقالَ النَّصْرانِيُّ: المُتَّفَقُ عَلَيْهِ أحَقُّ بِالِاتِّباعِ أمِ المُخْتَلَفُ فِيهِ ؟ فَقالَ العالِمُ: المُتَّفَقُ عَلَيْهِ أحَقُّ بِالِاتِّباعِ مِنَ المُخْتَلَفِ فِيهِ، فَقالَ النَّصْرانِيُّ: إذَنْ يَلْزَمُكُمُ اتِّباعُ عِيسى مَعَنا، وتَرْكُ اتِّباعِ مُحَمَّدٍ ﷺ لِأنَّنا نَحْنُ وأنْتُمْ نَتَّفِقُ عَلى نُبُوَّةِ عِيسى، ونُخالِفُكم في نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ - فَقالَ المُسْلِمُ: أنْتُمُ الَّذِينَ تَمْتَنِعُونَ مِن (p-٤١١)اتِّباعِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ؛ لِأنَّ المُتَّفَقَ عَلَيْهِ الَّذِي هو عِيسى قالَ لَكم: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أحْمَدُ﴾، فَلَوْ كُنْتُمْ مُتَّبِعِينَ عِيسى حَقًّا لاتَّبَعْتُمْ مُحَمَّدًا ﷺ فَظَهَرَ أنَّكم أنْتُمُ الَّذِينَ لَمْ تَتَّبِعُوا المُتَّفَقَ عَلَيْهِ ولا غَيْرَهُ، فانْقَطَعَ النَّصْرانِيُّ.
وَلا شَكَّ أنَّ النَّصارى لَوْ كانُوا مُتَّبِعِينَ عِيسى، لاتَّبَعُوا مُحَمَّدًا ﷺ .
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ قَدْ قَدَّمْنا أنَّ هَذِهِ الآيَةَ في النَّصارى، والَّتِي قَبْلَها في اليَهُودِ، والَّتِي قَبْلَ تِلْكَ في المُسْلِمِينَ، كَما يَقْتَضِيهِ ظاهِرُ القُرْآنِ.
وَقَدْ قَدَّمْنا أنَّ الكُفْرَ، والظُّلْمَ، والفِسْقَ كُلَّها يُطْلَقُ عَلى المَعْصِيَةِ بِما دُونَ الكُفْرِ، وعَلى الكُفْرِ المُخْرِجِ مِنَ المِلَّةِ نَفْسِهِ، فَمِنَ الكُفْرِ بِمَعْنى المَعْصِيَةِ قَوْلُهُ ﷺ لَمّا سَألَتْهُ المَرْأةُ عَنْ سَبَبِ كَوْنِ النِّساءِ أكْثَرَ أهْلِ النّارِ، ”إنَّ ذَلِكَ واقِعٌ بِسَبَبِ كُفْرِهِنَّ“، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأنَّهُنَّ يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، ومِنَ الكُفْرِ بِمَعْنى المُخْرِجِ عَنِ المِلَّةِ، قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ ياأيُّها الكافِرُونَ﴾ ﴿لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ﴾ الآيَةَ [الكافرون: ١، ٢]، ومِنَ الظُّلْمِ بِمَعْنى الكُفْرِ، قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٥٤]، وقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ ولا يَضُرُّكَ فَإنْ فَعَلْتَ فَإنَّكَ إذًا مِنَ الظّالِمِينَ﴾ [يونس: ١٠٦]، وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]، ومِنهُ بِمَعْنى المَعْصِيَةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمِنهم ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنهم مُقْتَصِدٌ﴾ الآيَةَ [فاطر: ٣٢]، ومِنَ الفِسْقِ بِمَعْنى الكُفْرِ قَوْلُهُ: ﴿وَأمّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النّارُ كُلَّما أرادُوا أنْ يَخْرُجُوا مِنها أُعِيدُوا فِيها﴾ الآيَةَ [السجدة: ٢٠]، ومِنهُ بِمَعْنى المَعْصِيَةِ قَوْلُهُ في الَّذِينَ قَذَفُوا عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها -: ﴿وَلا تَقْبَلُوا لَهم شَهادَةً أبَدًا وأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ [النور: ٤] .
وَمَعْلُومٌ أنَّ القَذْفَ لَيْسَ بِمُخْرِجٍ عَنِ المِلَّةِ، ويَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنكُمْ﴾ [النور: ١١]، ومِنَ الفِسْقِ بِمَعْنى المَعْصِيَةِ أيْضًا قَوْلُهُ في الوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جاءَكم فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ الآيَةَ [الحجرات: ٦] .
وَقَدْ قَدَّمْنا أنَّ العِبْرَةَ بِعُمُومِ الألْفاظِ لا بِخُصُوصِ الأسْبابِ، فَمَن كانَ امْتِناعُهُ مِنَ الحُكْمِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ، لِقَصْدِ مُعارَضَتِهِ ورَدِّهِ، والِامْتِناعِ مِنِ التِزامِهِ فَهو كافِرٌ ظالِمٌ فاسِقٌ كُلُّها بِمَعْناها المُخْرِجِ مِنَ المِلَّةِ، ومَن كانَ امْتِناعُهُ مِنَ الحُكْمِ لِهَوًى وهو يَعْتَقِدُ قُبْحَ فِعْلِهِ، فَكُفْرُهُ وظُلْمُهُ وفِسْقُهُ غَيْرُ المُخْرِجِ مِنَ المِلَّةِ، إلّا إذا كانَ ما امْتَنَعَ مِنَ الحُكْمِ بِهِ (p-٤١٢)شَرْطًا في صِحَّةِ إيمانِهِ، كالِامْتِناعِ مِنِ اعْتِقادِ ما لا بُدَّ مِنِ اعْتِقادِهِ، هَذا هو الظّاهِرُ في الآياتِ المَذْكُورَةِ، كَما قَدَّمْنا والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"وَلۡیَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِیلِ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِیهِۚ وَمَن لَّمۡ یَحۡكُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق