الباحث القرآني

* قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب): قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ اللَّهُ إنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكم فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكم فَإنِّي أُعَذِّبُهُ عَذابًا لا أُعَذِّبُهُ أحَدًا مِنَ العالَمِينَ﴾ . هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ أشَدَّ النّاسِ عَذابًا يَوْمَ القِيامَةِ مَن كَفَرَ مِن أصْحابِ المائِدَةِ. وَقَدْ جاءَ في بَعْضِ الآياتِ ما يُوهِمُ خِلافَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّ المُنافِقِينَ في الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النّارِ﴾ [النساء: ١٤٥]، وقَوْلِهِ: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أشَدَّ العَذابِ﴾ [غافر: ٤٦] . والجَوابُ: أنَّ آيَةَ: ﴿أدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ وآيَةَ: ﴿إنَّ المُنافِقِينَ﴾ لا مُنافاةَ بَيْنَهُما، لِأنَّ كُلًّا مِن آلِ فِرْعَوْنَ والمُنافِقِينَ في أسْفَلِ دَرَكاتِ النّارِ في أشَدِّ العَذابِ، ولَيْسَ (p-٢٧٦)فِي الآيَتَيْنِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ بَعْضَهم أشَدُّ عَذابًا مِنَ الآخَرِ. وَأمّا قَوْلُهُ: ﴿فَإنِّي أُعَذِّبُهُ﴾ الآيَةَ، فَيُجابُ عَنْهُ مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: وهو ما قالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ: أنَّ المُرادَ بِـ: ﴿العالَمِينَ﴾ عالَمُو زَمانِهِمْ وعَلَيْهِ فَلا إشْكالَ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنِّي فَضَّلْتُكم عَلى العالَمِينَ﴾ [البقرة: ١٤٧]، كَما تَقَدَّمَ. الثّانِي: ما قالَهُ البَعْضُ مِن أنَّ المُرادَ بِهِ العَذابُ الدُّنْيَوِيُّ الَّذِي هو - مَسْخُهم خَنازِيرَ، ولَكِنْ يَدُلُّ لِأنَّهُ عَذابُ الآخِرَةِ ما رَواهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنَّهُ قالَ: ”أشَدُّ النّاسِ عَذابًا يَوْمَ القِيامَةِ ثَلاثَةٌ: المُنافِقُونَ ومَن كَفَرَ مِن أصْحابِ المائِدَةِ وآلُ فِرْعَوْنَ“ . وَهَذا الإشْكالُ في أصْحابِ المائِدَةِ لا يَتَوَجَّهُ إلّا عَلى القَوْلِ بِنُزُولِ المائِدَةِ، وأنَّ بَعْضَهم كَفَرَ بَعْدَ نُزُولِها، أمّا عَلى قَوْلِ الحَسَنِ ومُجاهِدٍ أنَّهم خافُوا مِنَ الوَعِيدِ فَقالُوا: لا حاجَةَ لَنا في نُزُولِها فَلَمْ تَنْزِلْ فَلا إشْكالَ. وَلَكِنَّ ظاهِرَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنِّي مُنَزِّلُها﴾ [المائدة: ١٥] يُخالِفُ ذَلِكَ، وعَلى القَوْلِ بِنُزُولِها لا يَتَوَجَّهُ الإشْكالُ إلّا إذا ثَبَتَ كُفْرُ بَعْضِهِمْ كَما لا يَخْفى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب