الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَتِ الأعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا ولَمّا يَدْخُلِ الإيمانُ في قُلُوبِكُمْ﴾ .
ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ هَؤُلاءِ الأعْرابَ وهم أهْلُ البادِيَةِ مِنَ العَرَبِ (p-٤١٩)قالُوا آمَنّا، وأنَّ اللَّهَ - جَلَّ وعَلا - أمَرَ نَبِيَّهُ أنْ يَقُولَ لَهم: ﴿لَمْ تُؤْمِنُوا ولَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا﴾، وهَذا يَدُلُّ عَلى نَفْيِ الإيمانِ عَنْهم وثُبُوتِ الإسْلامِ لَهم.
وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أنَّ الإيمانَ أخَصُّ مِنَ الإسْلامِ لِأنَّ نَفْيَ الأخَصِّ لا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الأعَمِّ.
وَقَدْ قَدَّمْنا مِرارًا أنَّ مُسَمّى الإيمانِ الشَّرْعِيِّ الصَّحِيحِ والإسْلامِ الشَّرْعِيِّ الصَّحِيحِ - هو اسْتِسْلامُ القَلْبِ بِالِاعْتِقادِ واللِّسانِ بِالإقْرارِ، والجَوارِحِ بِالعَمَلِ، فَمُؤَدّاهُما واحِدٌ كَما يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأخْرَجْنا مَن كانَ فِيها مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ ﴿فَما وجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ [الذاريات: ٣٥ - ٣٦] .
وَإذا كانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإنَّهُ يُحْتاجُ إلى بَيانِ وجْهِ الفِرَقِ بَيْنَ الإيمانِ والإسْلامِ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، لِأنَّ اللَّهَ نَفى عَنْهُمُ الإيمانَ دُونَ الإسْلامِ، ولِذَلِكَ وجْهانِ مَعْرُوفانِ عِنْدَ العُلَماءِ أظْهَرُهُما عِنْدِي أنَّ الإيمانَ المَنفِيَّ عَنْهم في هَذِهِ الآيَةِ هو مُسَمّاهُ الشَّرْعِيُّ الصَّحِيحُ، والإسْلامُ المُثْبَتُ لَهم فِيها هو الإسْلامُ اللُّغَوِيُّ الَّذِي هو الِاسْتِسْلامُ والِانْقِيادُ بِالجَوارِحِ دُونَ القَلْبِ.
وَإنَّما ساغَ إطْلاقُ الحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ هَنا عَلى الإسْلامِ مَعَ أنَّ الحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلى اللُّغَوِيَّةِ عَلى الصَّحِيحِ، لِأنَّ الشَّرْعَ الكَرِيمَ جاءَ بِاعْتِبارِ الظّاهِرِ. وأنْ تُوكَلَ كُلُّ السَّرائِرِ إلى اللَّهِ.
فانْقِيادُ الجَوارِحِ في الظّاهِرِ بِالعَمَلِ واللِّسانِ بِالإقْرارِ يُكْتَفى بِهِ شَرْعًا، وإنْ كانَ القَلْبُ مُنْطَوِيًا عَلى الكُفْرِ.
وَلِهَذا ساغَ إرادَةُ الحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ في قَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا﴾؛ لِأنَّ انْقِيادَ اللِّسانِ والجَوارِحِ في الظّاهِرِ إسْلامٌ لُغَوِيٌّ مُكْتَفًى بِهِ شَرْعًا عَنِ التَّنْقِيبِ عَنِ القَلْبِ.
وَكُلُّ انْقِيادٍ واسْتِسْلامٍ وإذْعانٍ يُسَمّى إسْلامًا لُغَةً. ومِنهُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ العَدَوِيِّ مُسْلِمِ الجاهِلِيَّةِ:
؎وَأسْلَمْتُ وجْهِي لِمَن أسْلَمَتْ لَهُ الأرْضُ تَحْمِلُ صَخْرًا ثِقالًا
؎دَحاها فَلِما اسْتَوَتْ شَدَّها ∗∗∗ جَمِيعًا وأرْسى عَلَيْها الجِبالا
؎وَأسْلَمْتُ وجْهِي لِمَن أسْلَمَتْ ∗∗∗ لَهُ المُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبًا زُلالًا
؎إذا هي سِيقَتْ إلى بَلْدَةٍ ∗∗∗ أطاعَتْ فَصَبَّتْ عَلَيْها سِجالًا
؎(p-٤٢٠)وَأسْلَمْتُ وجْهِي لِمَن أسْلَمَتْ ∗∗∗ لَهُ الرِّيحُ تُصْرَفُ حالًا فَحالا
فالمُرادُ بِالإسْلامِ في هَذِهِ الأبْياتِ: الِاسْتِسْلامُ والِانْقِيادُ، وإذا حُمِلَ الإسْلامُ في قَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا﴾ انْقَدْنا واسْتَسْلَمْنا بِالألْسِنَةِ والجَوارِحِ. فَلا إشْكالَ في الآيَةِ.
وَعَلى هَذا القَوْلِ فالأعْرابُ المَذْكُورُونَ مُنافِقُونَ، لِأنَّهم مُسْلِمُونَ في الظّاهِرِ، وهم كُفّارٌ في الباطِنِ.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ بِنَفْيِ الإيمانِ في قَوْلِهِ: لَمْ تُؤْمِنُوا نَفْيُ كَمالِ الإيمانِ، لا نَفْيُهُ مِن أصْلِهِ.
وَعَلَيْهِ فَلا إشْكالَ أيْضًا، لِأنَّهم مُسْلِمُونَ مَعَ أنَّ إيمانَهم غَيْرُ تامٍّ، وهَذا لا إشْكالَ فِيهِ عِنْدَ أهْلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ القائِلِينَ بِأنَّ الإيمانَ يَزِيدُ ويَنْقُصُ.
وَإنَّما اسْتَظْهَرْنا الوَجْهَ الأوَّلَ، وهو أنَّ المُرادَ بِالإسْلامِ مَعْناهُ اللُّغَوِيُّ دُونَ الشَّرْعِيِّ، وأنَّ الأعْرابَ المَذْكُورِينَ كُفّارٌ في الباطِنِ وإنْ أسْلَمُوا في الظّاهِرِ، لِأنَّ قَوْلَهُ - جَلَّ وعَلا: ﴿وَلَمّا يَدْخُلِ الإيمانُ في قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: ١٤]، يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ دَلالَةً كَما تَرى، لِأنَّ قَوْلَهُ: يَدْخُلِ فِعْلٌ في سِياقِ النَّفْيِ وهو مِن صِيَغِ العُمُومِ كَما أوْضَحْناهُ مِرارًا، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِ صاحِبِ مَراقِي السُّعُودِ:
؎وَنَحْوُ لا شَرِبْتُ أوْ إنْ شَرِبا ∗∗∗ واتَّفَقُوا إنْ مَصْدَرٌ قَدْ جَلَبا
فَقَوْلُهُ: ﴿وَلَمّا يَدْخُلِ الإيمانُ في قُلُوبِكُمْ﴾: في مَعْنى لا دُخُولَ لِلْإيمانِ في قُلُوبِكم.
والَّذِينَ قالُوا بِالثّانِي. قالُوا: إنَّ المُرادَ بِنَفْيِ دُخُولِهِ نَفْيُ كَمالِهِ، والأوَّلُ أظْهَرُ كَما تَرى.
وَقَوْلُهُ تَعالى: في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿قالَتِ الأعْرابُ﴾: المُرادُ بِهِ بَعْضُ الأعْرابِ، وقَدِ اسْتَظْهَرْنا أنَّهم مُنافِقُونَ لِدَلالَةِ القُرْآنِ عَلى ذَلِكَ، وهم مِن جِنْسِ الأعْرابِ الَّذِينَ قالَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿وَمِنَ الأعْرابِ مَن يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَمًا ويَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ﴾ [التوبة: ٩٨]، وإنَّما قُلْنا: إنَّ المُرادَ بَعْضُ الأعْرابِ في هَذِهِ الآيَةِ، لِأنَّ اللَّهَ بَيَّنَ في مَوْضِعٍ آخَرَ أنَّ مِنهم مَن لَيْسَ كَذَلِكَ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: (p-٤٢١)﴿وَمِنَ الأعْرابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ ويَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وصَلَواتِ الرَّسُولِ ألا إنَّها قُرْبَةٌ لَهم سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ في رَحْمَتِهِ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ٩٩] .
{"ayah":"۞ قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُوا۟ وَلَـٰكِن قُولُوۤا۟ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا یَدۡخُلِ ٱلۡإِیمَـٰنُ فِی قُلُوبِكُمۡۖ وَإِن تُطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا یَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَـٰلِكُمۡ شَیۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق