الباحث القرآني
(p-٤١٤)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكم مِن ذَكَرٍ وأُنْثى﴾ .
ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّهُ خَلَقَ النّاسَ مِن ذَكَرٍ وأُنْثى، ولَمْ يُبَيِّنْ هُنا كَيْفِيَّةَ خَلْقِهِ لِلذَّكَرِ والأُنْثى المَذْكُورَيْنِ ولَكِنَّهُ بَيَّنَ ذَلِكَ في مَواضِعَ أُخَرَ مِن كِتابِ اللَّهِ، فَبَيَّنَ أنَّهُ خَلَقَ ذَلِكَ الذَّكَرَ الَّذِي هو آدَمُ مِن تُرابٍ، وقَدْ بَيَّنَ الأطْوارَ الَّتِي مَرَّ بِها ذَلِكَ التُّرابُ، كَصَيْرُورَتِهِ طِينًا لازِبًا وحَمَأً مَسْنُونًا وصَلْصالًا كالفَخّارِ.
وَبَيَّنَ أنَّهُ خَلَقَ تِلْكَ الأُنْثى الَّتِي هي حَوّاءُ مِن ذَلِكَ الذَّكَرِ الَّذِي هو آدَمُ فَقالَ في سُورَةِ النِّساءِ: ﴿ياأيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنها زَوْجَها وبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثِيرًا ونِساءً﴾ [النساء: ١] وقالَ تَعالى في الأعْرافِ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وجَعَلَ مِنها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إلَيْها﴾ [الأعراف: ١٨٩]، وقالَ تَعالى في الزُّمَرِ: ﴿خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنها زَوْجَها﴾ [الزمر: ٦] .
وَقَدْ قَدَّمْنا أنَّهُ خَلَقَ نَوْعَ الإنْسانِ عَلى أرْبَعَةِ أنْواعٍ مُخْتَلِفَةٍ:
الأوَّلُ مِنها: خَلَقَهُ لا مِن أُنْثى ولا مِن ذَكَرٍ وهو آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ.
والثّانِي: خَلَقَهُ مَن ذَكَرٍ بِدُونِ أُنْثى وهو حَوّاءُ.
والثّالِثُ: خَلَقَهُ مِن أُنْثى بِدُونِ ذَكَرٍ وهو عِيسى عَلَيْهِ وعَلى نَبِيِّنا الصَّلاةُ والسَّلامُ.
الرّابِعُ: خَلَقَهُ مِن ذَكَرٍ وأُنْثى وهو سائِرُ الآدَمِيِّينَ، وهَذا يَدُلُّ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ - جَلَّ وعَلا.
* مَسْألَةٌ
قَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الآياتُ القُرْآنِيَّةُ المَذْكُورَةُ عَلى أنَّ المَرْأةَ الأُولى كانَ وُجُودُها الأوَّلُ مُسْتَنِدًا إلى وُجُودِ الرَّجُلِ وفَرْعًا عَنْهُ.
وَهَذا أمْرٌ كَوْنِيٌّ قَدَرِيٌّ مِنَ اللَّهِ، أنْشَأ المَرْأةَ في إيجادِها الأوَّلِ عَلَيْهِ.
وَقَدْ جاءَ الشَّرْعُ الكَرِيمُ المُنَزَّلُ مِنَ اللَّهِ لِيُعْمَلَ بِهِ في أرْضِهِ بِمُراعاةِ هَذا الأمْرِ الكَوْنِيِّ القَدَرِيِّ في حَياةِ المَرْأةِ في جَمِيعِ النَّواحِي.
فَجَعَلَ الرَّجُلَ قائِمًا عَلَيْها وجَعَلَها مُسْتَنِدَةً إلَيْهِ في جَمِيعِ شُئُونِها كَما قالَ تَعالى: (p-٤١٥)﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ﴾ الآيَةَ [النساء: ٣٤] .
فَمُحاوَلَةُ اسْتِواءِ المَرْأةِ مَعَ الرَّجُلِ في جَمِيعِ نَواحِي الحَياةِ لا يُمْكِنُ أنْ تَتَحَقَّقَ؛ لِأنَّ الفَوارِقَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ كَوْنًا وقَدَرًا أوَّلًا، وشَرْعًا مُنَزَّلًا ثانِيًا - تَمْنَعُ مِن ذَلِكَ مَنعًا باتًّا.
وَلِقُوَّةِ الفَوارِقِ الكَوْنِيَّةِ والقَدَرِيَّةِ والشَّرْعِيَّةِ بَيْنَ الذَّكَرِ والأُنْثى، صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ لَعَنَ المُتَشَبِّهَ مِنَ النَّوْعَيْنِ بِالآخَرِ.
وَلا شَكَّ أنَّ سَبَبَ هَذا اللَّعْنِ هو مُحاوَلَةُ مَن أرادَ التَّشَبُّهَ مِنهم بِالآخَرِ، لِتَحْطِيمِ هَذِهِ الفَوارِقِ الَّتِي لا يُمْكِنُ أنْ تَتَحَطَّمَ.
وَقَدْ ثَبَتَ في صَحِيحِ البُخارِيِّ مِن حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجالِ بِالنِّساءِ والمُتَشَبِّهاتِ مِنَ النِّساءِ بِالرِّجالِ» .
وَقَدْ قَدَّمْنا هَذا الحَدِيثَ بِسَنَدِهِ في سُورَةِ بَنِي إسْرائِيلَ، وبَيَّنّا هُناكَ أنَّ مَن لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَهو مَلْعُونٌ في كِتابِ اللَّهِ، فَلَوْ كانَتِ الفَوارِقُ بَيْنَ الذَّكَرِ والأُنْثى يُمْكِنُ تَحْطِيمُها وإزالَتُها لَمْ يَسْتَوْجِبْ مَن أرادَ ذَلِكَ اللَّعْنَ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ.
وَلِأجْلِ تِلْكَ الفَوارِقِ العَظِيمَةِ الكَوْنِيَّةِ القَدَرِيَّةِ بَيْنَ الذَّكَرِ والأُنْثى، فَرَّقَ اللَّهُ - جَلَّ وعَلا - بَيْنَهُما في الطَّلاقِ، فَجَعَلَهُ بِيَدِ الرَّجُلِ دُونَ المَرْأةِ، وفي المِيراثِ، وفي نِسْبَةِ الأوْلادِ إلَيْهِ.
وَفِي تَعَدُّدِ الزَّوْجاتِ دُونَ الأزْواجِ: صَرَّحَ بِأنَّ شَهادَةَ امْرَأتَيْنِ بِمَنزِلَةِ شَهادَةِ رَجُلٍ واحِدٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامْرَأتانِ﴾ الآيَةَ [البقرة: ٢٨٢]، فاللَّهُ الَّذِي خَلَقَهُما لا شَكَّ أنَّهُ أعْلَمُ بِحَقِيقَتِهِما، وقَدْ صَرَّحَ في كِتابِهِ بِقِيامِ الرَّجُلِ مَقامَ امْرَأتَيْنِ في الشَّهادَةِ.
وَقَدْ قالَ تَعالى: ﴿ألَكُمُ الذَّكَرُ ولَهُ الأُنْثى﴾ ﴿تِلْكَ إذًا قِسْمَةٌ ضِيزى﴾ [النجم: ٢١ - ٢٢]، أيْ غَيْرُ عادِلَةٍ لِعَدَمِ اسْتِواءِ النَّصِيبَيْنِ لِفَضْلِ الذَّكَرِ عَلى الأُنْثى.
وَلِذَلِكَ وقَعَتِ امْرَأةُ عِمْرانَ في مُشْكِلَةٍ لَمّا ولَدَتْ مَرْيَمَ، كَما قالَ تَعالى عَنْها: ﴿فَلَمّا وضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إنِّي وضَعْتُها أُنْثى واللَّهُ أعْلَمُ بِما وضَعَتْ ولَيْسَ الذَّكَرُ كالأُنْثى﴾ الآيَةَ [آل عمران: ٣٦] فامْرَأةُ عِمْرانَ تَقُولُ: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كالأُنْثى﴾، وهي صادِقَةٌ في ذَلِكَ بِلا شَكٍّ.
(p-٤١٦)والكَفَرَةُ وأتْباعُهم يَقُولُونَ: إنَّ الذَّكَرَ والأُنْثى سَواءٌ.
وَلا شَكَّ عِنْدَ كُلِّ عاقِلٍ في صِدْقِ هَذِهِ السّالِبَةِ وكَذِبِ هَذِهِ المُوجَبَةِ.
وَقَدْ أوْضَحْنا في سُورَةِ بَنِي إسْرائِيلَ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ هَذا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقْوَمُ﴾ [الإسراء: ٩] وجْهَ الحِكْمَةِ في جَعْلِ الطَّلاقِ بِيَدِ الرَّجُلِ وتَفْضِيلِ الذَّكَرِ عَلى الأُنْثى في المِيراثِ وتَعَدُّدِ الزَّوْجاتِ، وكَوْنِ الوَلَدِ يُنْسَبُ إلى الرَّجُلِ، وذَكَرْنا طَرَفًا مِن ذَلِكَ في سُورَةِ البَقَرَةِ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، وبَيَّنّا أنَّ الفَوارِقَ الطَّبِيعِيَّةَ بَيْنَهُما كَوْنُ الذُّكُورَةِ شَرَفًا وكَمالًا وقُوَّةً طَبِيعِيَّةً خُلُقِيَّةً، وكَوْنُ الأُنُوثَةِ بِعَكْسِ ذَلِكَ.
وَبَيَّنّا أنَّ العُقَلاءَ جَمِيعًا مُطْبِقُونَ عَلى الِاعْتِرافِ بِذَلِكَ، وأنَّ مِن أوْضَحِ الأدِلَّةِ الَّتِي بَيَّنَها القُرْآنُ عَلى ذَلِكَ اتِّفاقُ العُقَلاءِ عَلى أنَّ الأُنْثى مِن حِينِ نَشْأتِها تُحَلّى بِأنْواعِ الزِّينَةِ مِن حُلِيٍّ وحُلَلٍ، وذَلِكَ لِجَبْرِ النَّقْصِ الجِبِلِّيِّ الخَلْقِيِّ الَّذِي هو الأُنُوثَةُ كَما قالَ الشّاعِرُ:
؎وَما الحُلِيُّ إلّا زِينَةٌ مِن نَقِيصَةٍ يُتَمِّمُ مِن حُسْنٍ إذا الحُسْنُ قَصَّرا
وَقَدْ بَيَّنّا أنَّ اللَّهَ تَعالى أوْضَحَ هَذا بِقَوْلِهِ: ﴿أوَمَن يُنَشَّأُ في الحِلْيَةِ وهو في الخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨]، فَأنْكَرَ عَلى الكُفّارِ أنَّهم مَعَ ادِّعاءِ الوَلَدِ لَهُ تَعالى جَعَلُوا لَهُ أنْقَصَ الوَلَدَيْنِ وأضْعَفَهُما خِلْقَةً وجِبِلَّةً وهو الأُنْثى.
وَلِذَلِكَ نَشَأتْ في الحِلْيَةِ مِن صِغَرِها، لِتَغْطِيَةِ النَّقْصِ الَّذِي هو الأُنُوثَةُ وجَبْرِهِ بِالزِّينَةِ، فَهو في الخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ.
لِأنَّ الأُنْثى لِضَعْفِها الخَلْقِيِّ الطَّبِيعِيِّ لا تَقْدِرُ أنْ تُبِينَ في الخِصامِ إبانَةَ الفُحُولِ الذُّكُورِ، إذا اهْتُضِمَتْ وظُلِمَتْ لِضَعْفِها الطَّبِيعِيِّ.
وَإنْكارُ اللَّهِ تَعالى عَلى الكُفّارِ أنَّهم مَعَ ادِّعائِهِمْ لَهُ الوَلَدَ جَعَلُوا لَهُ أنْقَصَ الوَلَدَيْنِ وأضْعَفَهُما - كَثِيرٌ في القُرْآنِ
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أاصْطَفى البَناتِ عَلى البَنِينَ﴾ ﴿ما لَكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [الصافات: ١٥٣ - ١٥٤]،
• وقَوْلِهِ: ﴿أفَأصْفاكم رَبُّكم بِالبَنِينَ واتَّخَذَ مِنَ المَلائِكَةِ إناثًا إنَّكم لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا﴾ [الإسراء: ٤٠]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَوْ أرادَ اللَّهُ أنْ يَتَّخِذَ ولَدًا لاصْطَفى مِمّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ [الزمر: ٤]،
والآياتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
(p-٤١٧)وَأمّا الذَّكَرُ فَإنَّهُ لا يُنَشَّأُ في الحِلْيَةِ، لِأنَّ كَمالَ ذُكُورَتِهِ وشَرَفَها وقُوَّتَها الطَّبِيعِيَّةَ الَّتِي لا تَحْتاجُ مَعَهُ إلى التَّزَيُّنِ بِالحِلْيَةِ الَّتِي تَحْتاجُ إلَيْهِ الأُنْثى، لِكَمالِهِ بِذُكُورَتِهِ ونَقْصِها بِأُنُوثَتِها.
وَمِمّا لا نِزاعَ فِيهِ بَيْنَ العُقَلاءِ أنَّ الذَّكَرَ والأُنْثى إذا تَعاشَرا المُعاشَرَةَ البَشَرِيَّةَ الطَّبِيعِيَّةَ الَّتِي لا بَقاءَ لِلْبَشَرِ دُونَها، فَإنَّ المَرْأةَ تَتَأثَّرُ بِذَلِكَ تَأثُّرًا طَبَعِيًّا كَوْنِيًّا قَدَرِيًّا مانِعًا لَها مِن مُزاوَلَةِ الأعْمالِ كالحَمْلِ والنِّفاسِ وما يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الضَّعْفِ والمَرَضِ والألَمِ.
بِخِلافِ الرَّجُلِ فَإنَّهُ لا يَتَأثَّرُ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ، ومَعَ هَذِهِ الفَوارِقِ لا يَتَجَرَّأُ عَلى القَوْلِ بِمُساواتِهِما في جَمِيعِ المَيادِينِ إلّا مُكابِرٌ في المَحْسُوسِ، فَلا يَدْعُو إلى المُساواةِ بَيْنَهُما إلّا مَن أعْمى اللَّهُ بَصِيرَتَهُ.
وَقَدْ قَدَّمْنا في المَوْضِعَيْنِ اللَّذَيْنِ أشَرْنا لَهُما مِن هَذا الكِتابِ المُبارَكِ ما يَكْفِي المُنْصِفَ، فَأغْنى عَنْ إعادَتِهِ هُنا.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلْناكم شُعُوبًا وقَبائِلَ لِتَعارَفُوا﴾ .
لَمّا كانَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا خَلَقْناكم مِن ذَكَرٍ وأُنْثى﴾ [الحجرات: ١٣]، يَدُلُّ عَلى اسْتِواءِ النّاسِ في الأصْلِ؛ لِأنَّ أباهم واحِدٌ وأُمَّهم واحِدَةٌ وكانَ في ذَلِكَ أكْبَرُ زاجِرٍ عَنِ التَّفاخُرِ بِالأنْسابِ وتَطاوُلِ بَعْضِ النّاسِ عَلى بَعْضٍ، بَيَّنَ تَعالى أنَّهُ جَعَلَهم شُعُوبًا وقَبائِلَ لِأجْلِ أنْ يَتَعارَفُوا أيْ يَعْرِفُ بَعْضُهم بَعْضًا، ويَتَمَيَّزُ بَعْضُهم عَنْ بَعْضٍ لا لِأجْلِ أنْ يَفْتَخِرَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ ويَتَطاوَلَ عَلَيْهِ.
وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ كَوْنَ بَعْضِهِمْ أفْضَلَ مِن بَعْضٍ وأكْرَمَ مِنهُ إنَّما يَكُونُ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الأنْسابِ.
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ ذَلِكَ هُنا بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ أكْرَمَكم عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ١٣]، فاتَّضَحَ مِن هَذا أنَّ الفَضْلَ والكَرَمَ إنَّما هو بِتَقْوى اللَّهِ لا بِغَيْرِهِ مِنَ الِانْتِسابِ إلى القَبائِلِ، ولَقَدْ صَدَقَ مَن قالَ:
؎فَقَدْ رَفَعَ الإسْلامُ سَلْمانَ فارِسٍ وقَدْ وضَعَ الكُفْرُ الشَّرِيفَ أبا لَهَبٍ
وَقَدْ ذَكَرُوا أنَّ سَلْمانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كانَ يَقُولُ:(p-٤١٨)
؎أبِي الإسْلامُ لا أبَ لِي سِواهُ ∗∗∗ إذا افْتَخَرُوا بِقَيْسٍ أوْ تَمِيمٍ
وَهَذِهِ الآياتُ القُرْآنِيَّةُ، تَدُلُّ عَلى أنَّ دِينَ الإسْلامِ سَماوِيٌّ صَحِيحٌ، لا نَظَرَ فِيهِ إلى الألْوانِ ولا إلى العَناصِرِ، ولا إلى الجِهاتِ، وإنَّما المُعْتَبَرُ فِيهِ تَقْوى اللَّهِ - جَلَّ وعَلا - وطاعَتُهُ، فَأكْرَمُ النّاسِ وأفْضَلُهم أتْقاهم لِلَّهِ، ولا كَرَمَ ولا فَضْلَ لِغَيْرِ المُتَّقِي، ولَوْ كانَ رَفِيعَ النَّسَبِ.
والشُّعُوبُ جَمْعُ شَعْبٍ، وهو الطَّبَقَةُ الأُولى مِنَ الطَّبَقاتِ السِّتِّ الَّتِي عَلَيْها العَرَبُ وهي: الشَّعْبُ، والقَبِيلَةُ، والعِمارَةُ، والبَطْنُ، والفَخْذُ، والفَصِيلَةُ.
فالشَّعْبُ يَجْمَعُ القَبائِلَ، والقَبِيلَةُ تَجْمَعُ العَمائِرَ، والعِمارَةُ تَجْمَعُ البُطُونَ، والبَطْنُ يَجْمَعُ الأفْخاذَ، والفَخْذُ يَجْمَعُ الفَصائِلَ.
خُزَيْمَةُ شَعْبٌ، وكِنانَةُ قَبِيلَةٌ، وقُرَيْشٌ عِمارَةٌ، وقُصَيٌّ بَطْنٌ، وهاشِمٌ فَخْذٌ، والعَبّاسُ فَصِيلَةٌ.
وَسُمِّيَتِ الشُّعُوبُ، لِأنَّ القَبائِلَ تَتَشَعَّبُ مِنها. ا هـ.
وَلَمْ يُذْكَرْ مِن هَذِهِ السِّتِّ في القُرْآنِ إلّا ثَلاثٌ: الشُّعُوبُ، والقَبائِلُ كَما في هَذِهِ الآيَةِ، والفَصِيلَةُ في المَعارِجِ في قَوْلِهِ: ﴿وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾ [المعارج: ١٣]، وقَدْ قَدَّمْنا ما دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآياتُ مُوَضَّحًا في سُورَةِ بَنِي إسْرائِيلَ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ هَذا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقْوَمُ﴾ [الإسراء: ٩] .
واعْلَمْ أنَّ العَرَبَ قَدْ تُطْلِقُ بَعْضَ هَذِهِ السِّتِّ عَلى بَعْضٍ كَإطْلاقِ البَطْنِ عَلى القَبِيلَةِ في قَوْلِ الشّاعِرِ:
؎وَإنَّ كِلابًا هَذِهِ عَشْرُ أبْطُنٍ ∗∗∗ وأنْتَ بَرِيءٌ مِن قَبائِلِها العَشْرِ
كَما قَدَّمْناهُ في سُورَةِ البَقَرَةِ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] .
⁕ ⁕ ⁕
* قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب):
(p-٣٩٨)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الحُجُراتِ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكم مِن ذَكَرٍ وأُنْثى﴾ .
هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ خَلْقَ النّاسِ ابْتِداؤُهُ مِن ذَكَرٍ وأُنْثى.
وَقَدْ دَلَّتْ آياتٌ أُخَرُ عَلى خَلْقِهِمْ مِن غَيْرِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم مِن تُرابٍ﴾ [غافر: ٦٧]، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيُّها النّاسُ إنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ فَإنّا خَلَقْناكم مِن تُرابٍ﴾ [الحج: ٥] .
والجَوابُ واضِحٌ، وهو أنَّ التُّرابَ هو الطَّوْرُ الأوَّلُ، وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿وَقَدْ خَلَقَكم أطْوارًا﴾ [نوح: ١٤] .
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ أطْوارَ خَلْقِ الإنْسانِ مِن مَبْدَئِهِ إلى مُنْتَهاهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ﴾ ﴿ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً في قَرارٍ مَكِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢ - ١٣]، إلى آخِرِهِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟ۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق