الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكم حَتّى نَعْلَمَ المُجاهِدِينَ مِنكم والصّابِرِينَ ونَبْلُوَ أخْبارَكُمْ﴾
اللّامُ في قَوْلِهِ ”لِنَبْلُوَنَّكم“ مُوطِّئَةٌ لِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ.
وَقَرَأ هَذا الحَرْفَ عامَّةُ السَّبْعَةِ غَيْرَ شُعْبَةَ عَنْ عاصِمٍ بِالنُّونِ الدّالَّةِ عَلى العَظَمَةِ في الأفْعالِ الثَّلاثَةِ، أعْنِي لَنَبْلُوَنَّكم، ونَعْلَمَ، ونَبْلُوَ.
وَقَرَأهُ شُعْبَةُ عَنْ عاصِمٍ بِالمُثَنّاةِ التَّحْتِيَّةِ.
وَضَمِيرُ الفاعِلِ يَعُودُ إلى اللَّهِ وما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مِن أنَّ اللَّهَ - جَلَّ وعَلا - يَبْلُو النّاسَ أيْ يَخْتَبِرُهم بِالتَّكالِيفِ، كَبَذْلِ الأنْفُسِ والأمْوالِ في الجِهادِ لِيَتَمَيَّزَ بِذَلِكَ صادِقُهم مِن كاذِبِهِمْ، ومُؤْمِنُهم مِن كافِرِهِمْ - جاءَ مُوَضَّحًا في آياتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمّا يَأْتِكم مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكم مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ والضَّرّاءُ وزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢١٤] .
وَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنكم ويَعْلَمَ الصّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٢] .
وَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تُتْرَكُوا ولَمّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنكم ولَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ ولا رَسُولِهِ ولا المُؤْمِنِينَ ولِيجَةً واللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٤٢] .
وَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الم أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وهم لا يُفْتَنُونَ﴾ ﴿وَلَقَدْ فَتَنّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكاذِبِينَ﴾ [التوبة: ١٦] .
وَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكم عَلى الغَيْبِ﴾ [العنكبوت: ١ - ٣] .
(p-٣٨٥)وَقَوْلِهِ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ ﴿حَتّى نَعْلَمَ المُجاهِدِينَ﴾ [آل عمران: ١٧٩] .
وَقَدْ قَدَّمْنا إزالَةَ الإشْكالِ في نَحْوِهِ في سُورَةِ البَقَرَةِ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما جَعَلْنا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إلّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: ١٤٣] .
فَقُلْنا في ذَلِكَ ما نَصُّهُ: ظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ قَدْ يَتَوَهَّمُ مِنهُ الجاهِلُ أنَّهُ تَعالى يَسْتَفِيدُ بِالِاخْتِبارِ عِلْمًا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ، سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، بَلْ هو تَعالى عالِمٌ بِكُلِّ ما سَيَكُونُ قَبْلَ أنْ يَكُونَ.
وَقَدْ بَيَّنَ أنَّهُ لا يَسْتَفِيدُ بِالِاخْتِبارِ عِلْمًا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ بِقَوْلِهِ - جَلَّ وعَلا: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما في صُدُورِكم ولِيُمَحِّصَ ما في قُلُوبِكم واللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران: ١٥٤] .
فَقَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ: ”لِيَبْتَلِيَ“ - دَلِيلٌ قاطِعٌ عَلى أنَّهُ لَمْ يَسْتَفِدْ بِالِاخْتِبارِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عالِمًا بِهِ، سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا؛ لِأنَّ العَلِيمَ بِذاتِ الصُّدُورِ غَنِيٌّ عَنِ الِاخْتِبارِ.
وَفِي هَذِهِ الآيَةِ بَيانٌ عَظِيمٌ لِجَمِيعِ الآياتِ الَّتِي يَذْكُرُ اللَّهُ فِيها اخْتِبارَهُ لِخَلْقِهِ.
وَمَعْنى إلّا لِنَعْلَمَ أيْ عِلْمًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوابُ والعِقابُ فَلا يُنافِي أنَّهُ كانَ عالِمًا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وفائِدَةُ الِاخْتِبارِ ظُهُورُ الأمْرِ لِلنّاسِ، أمّا عالِمُ السِّرِّ والنَّجْوى، فَهو عالَمٌ بِكُلِّ ما سَيَكُونُ، كَما لا يَخْفى. ا هـ.
قالَ القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ ما نَصُّهُ: (وهَذا العِلْمُ هو العِلْمُ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ بِهِ الجَزاءُ لِأنَّهُ إنَّما يُجازِيهِمْ بِأعْمالِهِمْ لا بِعِلْمِهِ القَدِيمِ عَلَيْهِمْ، فَتَأْوِيلُهُ: حَتّى نَعْلَمَ المُجاهِدِينَ عِلْمَ شَهادَةٍ، لِأنَّهم إذا أُمِرُوا بِالعَمَلِ يَشْهَدُ مِنهم ما عَمِلُوا فالجَزاءُ بِالثَّوابِ والعِقابِ يَقَعُ عَلى عِلْمِ الشَّهادَةِ، ﴿وَنَبْلُوَ أخْبارَكُمْ﴾ نَخْتَبِرُها ونُظْهِرُها) انْتَهى مَحَلُّ الغَرَضِ مِنهُ.
وَقالَ أبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ ما نَصُّهُ: (p-٣٨٦)(ولَنَبْلُوَنَّكم أيُّها المُؤْمِنُونَ بِالقَتْلِ وجِهادِ أعْداءِ اللَّهِ ﴿حَتّى نَعْلَمَ المُجاهِدِينَ مِنكُمْ﴾، يَقُولُ: حَتّى يَعْلَمَ حِزْبِي وأوْلِيائِي أهْلَ الجِهادِ في اللَّهِ مِنكم وأهْلَ الصَّبْرِ عَلى قِتالِ أعْدائِهِ فَيَظْهَرُ ذَلِكَ لَهم ويُعْرَفُ ذَوُو البَصائِرِ مِنكم في دِينِهِ مِن ذَوِي الشَّكِّ والحَيْرَةِ فِيهِ، وأهْلُ الإيمانِ مِن أهْلِ النِّفاقِ، ﴿وَنَبْلُوَ أخْبارَكُمْ﴾ فَنَعْرِفَ الصّادِقَ مِنكم مِنَ الكاذِبِ) انْتَهى مَحَلُّ الغَرَضِ مِنهُ بِلَفْظِهِ.
وَما ذَكَرَهُ مِن أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ ﴿حَتّى نَعْلَمَ المُجاهِدِينَ﴾ الآيَةَ: حَتّى يَعْلَمَ حِزْبُنا وأوْلِياؤُنا المُجاهِدِينَ مِنكم والصّابِرِينَ - لَهُ وجْهٌ، وقَدْ يُرْشِدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَنَبْلُوَ أخْبارَكُمْ﴾ أيْ نُظْهِرَها ونُبْرِزَها لِلنّاسِ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩]؛ لِأنَّ المُرادَ بِمَيْزِ الخَبِيثِ مِنَ الطِّيبِ ظُهُورُ ذَلِكَ لِلنّاسِ.
وَلِذا قالَ: ﴿وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكم عَلى الغَيْبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩]، فَتَعْلَمُوا ما يَنْطَوِي عَلَيْهِ الخَبِيثُ والطَّيِّبُ، ولَكِنَّ اللَّهَ عَرَّفَكم بِذَلِكَ بِالِاخْتِبارِ والِابْتِلاءِ الَّذِي تَظْهَرُ بِسَبَبِهِ طَوايا النّاسِ مِن خُبْثٍ وطِيبٍ.
والقَوْلُ الأوَّلُ وجِيهٌ أيْضًا، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَـٰهِدِینَ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰبِرِینَ وَنَبۡلُوَا۟ أَخۡبَارَكُمۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق