الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَوَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ إحْسانًا﴾ .
قَرَأ هَذا الحَرْفَ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وابْنُ عامِرٍ وأبُو عَمْرٍو: حُسْنًا بِضَمِّ الحاءِ وسُكُونِ السِّينِ، وكَذَلِكَ هو في مَصاحِفِهِمْ.
وَقَرَأهُ عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ: إحْسانًا بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ وإسْكانِ الحاءِ، وألْفٍ بَعْدِ السِّينِ.
وَقَدْ قَدَّمَنا الآياتِ المُوَضِّحَةَ لِهَذِهِ الآيَةِ في سُورَةِ ”بَنِي إسْرائِيلَ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقَضى رَبُّكَ ألّا تَعْبُدُوا إلّا إيّاهُ وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ [الإسراء: ٢٣] . وقالَ أبُو حَيّانَ في البَحْرِ: قِيلَ: ضَمَّنَ ووَصَّيْنا مَعْنى ألْزَمْنا، فَيَتَعَدّى لِاثْنَيْنِ، فانْتَصَبَ حُسْنًا وإحْسانًا عَلى المَفْعُولِ الثّانِي لِوَصَّيْنا.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ إيصاءً ذا حُسْنٍ أوْ ذا إحْسانٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ حُسْنًا بِمَعْنى إحْسانٍ، فَيَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ، أيْ ووَصَّيْناهُ بِها لِإحْسانِنا إلَيْهِما، فَيَكُونُ الإحْسانُ مِنَ اللَّهِ تَعالى .
وَقِيلَ: النَّصْبُ عَلى المَصْدَرِ عَلى تَضْمِينِ مَعْنى أحْسَنّا بِالوَصِيَّةِ لِلْإنْسانِ بِوالِدَيْهِ إحْسانًا. ا هـ مِنهُ، وكُلُّها لَهُ وجْهٌ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ووَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ .
قَرَأ هَذا الحَرْفَ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وهِشامٌ عَنِ ابْنِ عامِرٍ: كَرْهًا بِفَتْحِ الكافِ في المَوْضِعَيْنِ.
وَقَرَأهُ عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ وابْنُ ذَكْوانَ عَنِ ابْنِ عامِرٍ: كُرْهًا بِضَمِّ الكافِ في المَوْضِعَيْنِ.
وَهُما لُغَتانِ كالضُّعْفِ والضَّعْفِ.
وَمَعْنى حَمَلَتْهُ كُرْهًا أنَّها في حالِ حَمْلِها بِهِ تُلاقِي مَشَقَّةً شَدِيدَةً.
(p-٢٢٣)وَمِنَ المَعْلُومِ ما تُلاقِيهِ الحامِلُ مِنَ المَشَقَّةِ والضَّعْفِ، إذا أثْقَلَتْ وكَبَرَ الجَنِينُ في بَطْنِها.
وَمَعْنى وضَعَتْهُ كُرْهًا: أنَّها في حالَةِ وضْعِ الوَلَدِ تُلاقِي مِن ألَمِ الطَّلْقِ وكَرْبِهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً، كَما هو مَعْلُومٌ.
وَهَذِهِ المَشاقُّ العَظِيمَةُ الَّتِي تُلاقِيها الأُمُّ في حَمْلِ الوَلَدِ ووَضْعِهِ، لا شَكَّ أنَّها يَعْظُمُ حَقُّها بِها، ويَتَحَتَّمُ بِرُّها والإحْسانُ إلَيْها، كَما لا يَخْفى.
وَما دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مِنَ المَشَقَّةِ الَّتِي تُعانِيها الحامِلُ، ودَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةٌ أُخْرى، وهي قَوْلُهُ تَعالى في ”لُقْمانَ“: ﴿وَوَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وهْنًا عَلى وهْنٍ﴾ [لقمان: ١٤] أيْ تَهِنُ بِهِ وهْنًا عَلى وهْنٍ، أيْ ضَعْفًا عَلى ضَعْفٍ؛ لِأنَّ الحَمْلَ كُلَّما تَزايَدَ وعَظُمَ في بَطْنِها، ازْدادَتْ ضَعْفًا عَلى ضَعْفٍ.
وَقَوْلُهُ في آيَةِ ”الأحْقافِ“ هَذِهِ كُرْهًا في المَوْضِعَيْنِ - مَصْدَرٌ مُنْكَّرٌ، وهو حالٌ، أيْ حَمَلَتْهُ ذاتَ كُرْهٍ ووَضَعَتْهُ ذاتَ كُرْهٍ، وإتْيانُ المَصْدَرِ المُنْكَّرِ حالًا كَثِيرٌ، كَما أشارَ لَهُ في الخُلاصَةِ بِقَوْلِهِ:
؎وَمَصْدَرٌ مُنْكَّرٌ حالًا يَقَعْ بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةً زَيْدٌ طَلَعْ
وَقالَ بَعْضُهم: كُرْهًا في المَوْضِعَيْنِ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ، أيْ حَمَلَتْهُ حَمْلًا ذا كُرْهٍ، ووَضَعَتْهُ وضْعًا ذا كُرْهٍ. والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى .
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ .
هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ لَيْسَ فِيها بِانْفِرادِها تَعَرُّضٌ لِبَيانِ أقَلِّ مُدَّةِ الحَمْلِ، ولَكِنَّها بِضَمِيمَةِ بَعْضِ الآياتِ الأُخْرى إلَيْها يُعْلَمُ أقَلُّ أمَدِ الحَمْلِ؛ لِأنَّ هَذِهِ الآيَةَ الكَرِيمَةَ مِن سُورَةِ ”الأحْقافِ“ صَرَّحَتْ بِأنَّ أمَدَ الحَمْلِ والفِصالِ مَعًا - ثَلاثُونَ شَهْرًا.
وَقَوْلُهُ تَعالى في ”لُقْمانَ“: ﴿وَفِصالُهُ في عامَيْنِ﴾ . وقَوْلُهُ في ”البَقَرَةِ“: ﴿والوالِداتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] - يُبَيِّنُ أنَّ أمَدَ الفِصالِ عامانِ، وهُما أرْبَعَةٌ وعِشْرُونَ شَهْرًا، فَإذا طَرَحْتَها مِنَ الثَّلاثِينَ بَقِيَتْ سِتَّةُ أشْهُرٍ، فَتَعَيَّنَ كَوْنُها أمَدًا لِلْحَمْلِ، وهي أقَلُّهُ، ولا خِلافَ في ذَلِكَ بَيْنَ العُلَماءِ.
(p-٢٢٤)وَدَلالَةُ هَذِهِ الآياتِ عَلى أنَّ سِتَّةَ أشْهُرٍ أمَدُ الحَمْلِ - هي المَعْرُوفَةُ عِنْدَ عُلَماءِ الأُصُولِ بِدَلالَةِ الإشارَةِ.
وَقَدْ أوْضَحْنا الكَلامَ عَلَيْها في مَباحِثِ الحَجِّ، في سُورَةِ ”الحَجِّ“ في مَبْحَثِ أقْوالِ أهْلِ العِلْمِ في حُكْمِ المَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وأشَرْنا لِهَذا النَّوْعِ مِنَ البَيانِ في تَرْجَمَةِ هَذا الكِتابِ المُبارَكِ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَتّى إذا بَلَغَ أشُدَّهُ وبَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً﴾ .
قَدْ قَدَّمَنا الكَلامَ عَلَيْهِ في سُورَةِ ”الأنْعامِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿حَتّى يَبْلُغَ أشُدَّهُ﴾ [الأنعام: ١٥٢] وفي تَرْجَمَةِ هَذا الكِتابِ المُبارَكِ.
{"ayah":"وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰلِدَیۡهِ إِحۡسَـٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهࣰا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهࣰاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَـٰلُهُۥ ثَلَـٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰۤ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِینَ سَنَةࣰ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِیۤ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِیۤ أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ وَعَلَىٰ وَ ٰلِدَیَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَـٰلِحࣰا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِی فِی ذُرِّیَّتِیۤۖ إِنِّی تُبۡتُ إِلَیۡكَ وَإِنِّی مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











