الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَفَضَّلْناهم عَلى العالَمِينَ﴾ [الجاثية: ١٦] . ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّهُ فَضَّلَ بَنِي إسْرائِيلَ عَلى العالَمِينَ، وذَكَرَ هَذا المَعْنى في مَوْضِعٍ آخَرَ مِن كِتابِهِ، • كَقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ ”البَقَرَةِ“: ﴿يابَنِي إسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أنْعَمْتُ عَلَيْكم وأنِّي فَضَّلْتُكم عَلى العالَمِينَ﴾ [البقرة: ٤٧ - ١٢٢] في المَوْضِعَيْنِ. • وقَوْلِهِ في ”الدُّخانِ“: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْناهم عَلى عِلْمٍ عَلى العالَمِينَ﴾ [الدخان: ٣٢] . • وقَوْلِهِ في ”الأعْرافِ“: ﴿قالَ أغَيْرَ اللَّهِ أبْغِيكم إلَهًا وهو فَضَّلَكم عَلى العالَمِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٠] . وَلَكِنَّ اللَّهَ - جَلَّ وعَلا - بَيَّنَ أنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ وأكْرَمُ عَلى اللَّهِ، كَما صَرَّحَ بِذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ﴾ الآيَةَ (p-١٩٨)[آل عمران: ١١٠] . فَـ (خَيْرَ) صِيغَةُ تَفْضِيلٍ، والآيَةُ نَصٌّ صَرِيحٌ في أنَّهم خَيْرٌ مِن جَمِيعِ الأُمَمِ، بَنِي إسْرائِيلَ وغَيْرِهِمْ. وَمِمّا يَزِيدُ ذَلِكَ إيضاحًا حَدِيثُ مُعاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ القُشَيْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ في أُمَّتِهِ: «أنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أنْتُمْ خَيْرُها وأكْرَمُها عَلى اللَّهِ»: وقَدْ رَواهُ عَنْهُ الإمامُ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ وابْنُ ماجَهْ والحاكِمُ، وهو حَدِيثٌ مَشْهُورٌ. وَقالَ ابْنُ كَثِيرٍ: حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، ويُرْوى مِن حَدِيثِ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ وأبِي سَعِيدٍ نَحْوُهُ. قالَ مُقَيِّدُهُ - عَفا اللَّهُ عَنْهُ وغَفَرَ لَهُ -: ولا شَكَّ في صِحَّةِ مَعْنى حَدِيثِ مُعاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ المَذْكُورِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ النَّصُّ المَعْصُومُ المُتَواتِرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٠] وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] . وقَوْلُهُ: ﴿وَسَطًا﴾ أيْ خِيارًا عُدُولًا. واعْلَمْ أنَّ ما ذَكَرْنا مِن كَوْنِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ أفْضَلَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ الآيَةُ والحَدِيثُ المَذْكُورانِ وغَيْرُهُما مِنَ الأدِلَّةِ - لا يُعارِضُ الآياتِ المَذْكُوراتِ آنِفًا في تَفْضِيلِ بَنِي إسْرائِيلَ. لِأنَّ ذَلِكَ التَّفْضِيلَ الوارِدَ في بَنِي إسْرائِيلَ ذُكِرَ فِيهِمْ حالَ عَدَمِ وُجُودِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ . والمَعْدُومُ في حالِ عَدَمِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتّى يُفَضَّلَ أوْ يُفَضَّلَ عَلَيْهِ. وَلَكِنَّهُ تَعالى بَعْدَ وُجُودِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ صَرَّحَ بِأنَّها خَيْرُ الأُمَمِ. وَهَذا واضِحٌ؛ لِأنَّ كُلَّ ما جاءَ في القُرْآنِ مِن تَفْضِيلِ بَنِي إسْرائِيلَ - إنَّما يُرادُ بِهِ ذِكْرُ أحْوالٍ سابِقَةٍ. لِأنَّهم في وقْتِ نُزُولِ القُرْآنِ كَفَرُوا بِهِ وكَذَّبُوا، كَما قالَ تَعالى: ﴿فَلَمّا جاءَهم ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلى الكافِرِينَ﴾ [البقرة: ٨٩] . وَمَعْلُومٌ أنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْ لَهم في القُرْآنِ فَضْلًا إلّا ما يُرادُ بِهِ أنَّهُ كانَ في زَمَنِهِمُ السّابِقِ، لا في وقْتِ نُزُولِ القُرْآنِ. وَمَعْلُومٌ أنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً في ذَلِكَ الزَّمَنِ السّابِقِ الَّذِي هو ظَرْفُ (p-١٩٩)تَفْضِيلِ بَنِي إسْرائِيلَ، وأنَّها بَعْدَ وُجُودِها، صَرَّحَ اللَّهُ بِأنَّها هي خَيْرُ الأُمَمِ، كَما أوْضَحْنا. والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب