الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَذا هُدًى والَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهم عَذابٌ مِن رِجْزٍ ألِيمٌ﴾ .
الإشارَةُ في قَوْلِهِ: ﴿هَذا هُدًى﴾ راجِعَةٌ لِلْقُرْآنِ العَظِيمِ المُعَبَّرِ عَنْهُ بِآياتِ اللَّهِ في قَوْلِهِ: ﴿تِلْكَ آياتُ اللَّهِ﴾ [الجاثية: ٦] .
• وقَوْلِهِ: ﴿فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وآياتِهِ﴾ الآيَةَ [الجاثية: ٦] . (p-١٩٥)
• وَقَوْلِهِ: ﴿يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ﴾ [الجاثية: ٨] .
• وقَوْلِهِ: ﴿وَإذا عَلِمَ مِن آياتِنا شَيْئًا﴾ [الجاثية: ٩] .
وَما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مِن أنَّ هَذا القُرْآنَ هَدًى، وأنَّ مَن كَفَرَ بِآياتِهِ لَهُ العَذابُ الألِيمُ - جاءَ مُوَضَّحًا في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ.
أمّا كَوْنُ القُرْآنِ هُدًى، فَقَدْ ذَكَرَهُ تَعالى في آياتٍ كَثِيرَةٍ،
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْناهم بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدًى ورَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٥٢] .
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وهُدًى ورَحْمَةً وبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل: ٨٩] .
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ هَذا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقْوَمُ﴾ [الإسراء: ٩] .
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِلنّاسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرْقانِ﴾ [البقرة: ١٨٥] .
• وقَوْلِهِ: ﴿الم﴾ ﴿ذَلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ١ - ٢] .
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ هو لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وشِفاءٌ﴾ [فصلت: ٤٤] .
والآياتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَأمّا كَوْنُ مَن كَفَرَ بِالقُرْآنِ يَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ العَذابِ الألِيمِ - فَقَدْ جاءَ مُوَضَّحًا في آياتٍ كَثِيرَةٍ،
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزابِ فالنّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ في مِرْيَةٍ مِنهُ﴾ الآيَةَ [هود: ١٧] .
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقَدْ آتَيْناكَ مِن لَدُنّا ذِكْرًا﴾ ﴿مَن أعْرَضَ عَنْهُ فَإنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القِيامَةِ وِزْرًا﴾ ﴿خالِدِينَ فِيهِ وساءَ لَهم يَوْمَ القِيامَةِ حِمْلًا﴾ [طه: ٩٩ - ١٠١] .
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذَلِكَ جَزاؤُهم جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا واتَّخَذُوا آياتِي ورُسُلِي هُزُوًا﴾ [الكهف: ١٠٦] .
والآياتُ بِمِثْلِ هَذا كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَقَدْ قَدَّمْنا في سُورَةِ ”فُصِّلَتْ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ﴾ الآيَةَ [فصلت: ١٧] . وغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ المَواضِعِ - أنَّ الهُدى يُطْلَقُ في القُرْآنِ إطْلاقًا عامًّا، بِمَعْنى أنَّ الهُدى هو البَيانُ والإرْشادُ وإيضاحُ الحَقِّ،
• كَقَوْلِهِ: ﴿وَأمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ﴾ أيْ بَيَّنّا لَهُمُ الحَقَّ وأوْضَحْناهُ، وأرْشَدْناهم إلَيْهِ وإنْ لَمْ يَتَّبِعُوهُ،
• وكَقَوْلِهِ: ﴿هُدًى لِلنّاسِ﴾ [البقرة: ١٨٥] .
• وقَوْلِهِ هُنا: ﴿هَذا هُدًى﴾ - وأنَّهُ يُطْلَقُ أيْضًا في القُرْآنِ بِمَعْناهُ الخاصِّ، وهو التَّفَضُّلُ بِالتَّوْفِيقِ إلى طَرِيقِ الحَقِّ والِاصْطِفاءِ،
• كَقَوْلِهِ: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢] .
• وقَوْلِهِ: ﴿قُلْ هو لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وشِفاءٌ﴾ [فصلت: ٤٤] .
• وقَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهم هُدًى﴾ (p-١٩٦)[محمد: ١٧] .
• وقَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: ٩٠] .
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَقَدْ أوْضَحْنا في سُورَةِ ”فُصِّلَتْ“ أنَّ مَعْرِفَةَ إطْلاقِ الهُدى المَذْكُورِينَ، يَزُولُ بِها الإشْكالُ الواقِعُ في آياتٍ مِن كِتابِ اللَّهِ.
والهُدى مَصْدَرُ هَداهُ عَلى غَيْرِ قِياسٍ، وهو هُنا مِن جِنْسِ النَّعْتِ بِالمَصْدَرِ، وبَيَّنا فِيما مَضى مِرارًا أنَّ تَنْزِيلَ المَصْدَرِ مَنزِلَةَ الوَصْفِ إمّا عَلى حَذْفِ مُضافٍ، وإمّا عَلى المُبالَغَةِ.
وَعَلى الأوَّلِ فالمَعْنى: هَذا القُرْآنُ ذُو هُدًى، أيْ يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ الهُدى لِمَنِ اتَّبَعَهُ، كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّ هَذا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقْوَمُ﴾ [الإسراء: ٩] .
وَعَلى الثّانِي فالمَعْنى أنَّ المُرادَ المُبالَغَةُ في اتِّصافِ القُرْآنِ بِالهُدى حَتّى أُطْلِقَ عَلَيْهِ أنَّهُ هو نَفْسُ الهُدى.
وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿لَهم عَذابٌ مِن رِجْزٍ ألِيمٌ﴾ أصَحُّ القَوْلَيْنِ فِيهِ أنَّ المُرادَ بِالرِّجْزِ العَذابُ، ولا تَكْرارَ في الآيَةِ؛ لِأنَّ العَذابَ أنْواعٌ مُتَفاوِتَةٌ، والمَعْنى: لَهم عَذابٌ مِن جِنْسِ العَذابِ الألِيمِ، والألِيمُ مَعْناهُ المُؤْلِمُ. أيْ: المَوْصُوفُ بِشِدَّةِ الألَمِ وفَظاعَتِهِ.
والتَّحْقِيقُ إنْ شاءَ اللَّهُ: أنَّ العَرَبَ تُطْلِقُ الفَعِيلَ وصْفًا بِمَعْنى المُفْعِلِ، فَما يُذْكَرُ عَنِ الأصْمَعِيِّ مِن أنَّهُ أنْكَرَ ذَلِكَ إنْ صَحَّ عَنْهُ فَهو غَلَطٌ مِنهُ؛ لِأنَّ إطْلاقَ الفَعِيلِ بِمَعْنى المُفْعِلِ مَعْرُوفٌ في القُرْآنِ العَظِيمِ وفي كَلامِ العَرَبِ، ومِن إطْلاقِهِ في القُرْآنِ العَظِيمِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿عَذابٌ ألِيمٌ﴾ [البقرة: ١٠٤] أيْ مُؤْلِمٌ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَدِيعُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [البقرة: ١١٧] أيْ مُبْدِعُهُما، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ هو إلّا نَذِيرٌ لَكُمْ﴾ الآيَةَ [سبإ: ٤٦] أيْ مُنْذِرٍ لَكم، ونَظِيرُ ذَلِكَ مِن كَلامِ العَرَبِ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ:
؎أمِن رَيْحانَةَ الدّاعِي السَّمِيعُ يُؤَرِّقُنِي وأصْحابِي هُجُوعُ
فَقَوْلُهُ: الدّاعِي السَّمِيعُ، يَعْنِي الدّاعِيَ المُسْمِعَ. وقَوْلُهُ أيْضًا:
؎وَخَيْلٍ قَدْ دَلِفْتَ لَها بَخِيلٍ ∗∗∗ تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وجِيعُ
أيْ مُوجِعٌ. وقَوْلُ غَيْلانَ بْنِ عُقْبَةَ: (p-١٩٧)
؎وَيَرْفَعُ مِن صُدُورٍ شَمَرْدَلاتٍ ∗∗∗ يَصُكُّ وُجُوهَها وهَجٌ ألِيمُ
أيْ مُؤْلِمٌ. وقَرَأ هَذا الحَرْفَ عامَّةُ السَّبْعَةِ غَيْرُ ابْنِ كَثِيرٍ، وحَفْصٍ عَنْ عاصِمٍ: ﴿مِن رِجْزٍ ألِيمٌ﴾، بِخَفْضٍ ألِيمٍ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِرِجْزٍ.
وَقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: مِن رِجْزٍ ألِيمٌ، بِرَفْعِ ألِيمٍ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِعَذابٍ.
{"ayah":"هَـٰذَا هُدࣰىۖ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ عَذَابࣱ مِّن رِّجۡزٍ أَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق