الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقِيلِهِ يا رَبِّ إنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ﴾ . قَرَأ هَذا الحَرْفَ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو عَمْرٍو، والكِسائِيُّ -: (وقِيلَهُ) بِفَتْحِ اللّامِ وضَمِّ الهاءِ، وقَرَأهُ عاصِمٌ وحَمْزَةُ: (وقِيلِهِ) بِكَسْرِ اللّامِ والهاءِ. قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: إعْرابُهُ بِأنَّهُ عَطْفُ مَحَلٍّ عَلى (السّاعَةِ) لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وَعِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ﴾ [الزخرف: ٨٥] - مَصْدَرٌ مُضافٌ إلى مَفْعُولِهِ. فَلَفْظُ السّاعَةِ مَجْرُورٌ لَفْظًا بِالإضافَةِ، مَنصُوبٌ مَحَلًّا بِالمَفْعُولِيَّةِ، وما كانَ كَذَلِكَ جازَ في تابِعِهِ النَّصْبُ نَظَرًا إلى المَحَلِّ، والخَفْضُ نَظَرًا إلى اللَّفْظِ، كَما قالَ في الخُلاصَةِ: وجُرَّ ما يَتْبَعُ ما جُرَّ ومَن راعى في الِاتِّباعِ المَحَلَّ فَحَسَنْ وَقالَ في نَظِيرِهِ في الوَصْفِ: واخْفِضْ أوِ انْصِبْ تابِعَ الَّذِي انْخَفَضْ كَمُبْتَغِي جاهٍ ومالًا مَن نَهَضْ وَقالَ بَعْضُهم: هو مَعْطُوفٌ عَلى سِرَّهم [الزخرف: ٨٠] . وَعَلَيْهِ فالمَعْنى: ﴿أمْ يَحْسَبُونَ أنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهم ونَجْواهُمْ﴾ [الزخرف: ٨٠] . ﴿وَقِيلِهِ يارَبِّ﴾ الآيَةَ. وَقالَ بَعْضُهم: هو مَنصُوبٌ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ. أيْ، وقالَ: قِيلَهُ، وهو بِمَعْنى قَوْلِهِ، إلّا أنَّ القافَ لَمّا كُسِرَتْ أُبْدِلَتِ الواوُ ياءً لِمُجانِسَةِ الكَسْرَةِ. قالُوا: ونَظِيرُ هَذا الإعْرابِ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ ؎: تَمْشِي الوُشاةُ جَنابَيْها وقَيْلَهُمُ إنَّكَ يا بْنَ أبِي سَلْمى لَمَقْتُولُ أيْ ويَقُولُونَ قَيْلَهم. (p-١٦٩)وَقالَ بَعْضُهم: هو مَنصُوبٌ بِيَعْلَمُ مَحْذُوفَةً؛ لِأنَّ العَطْفَ الَّذِي ذَكَرْنا عَلى قَوْلِهِ: سَرَّهم، والعَطْفَ عَلى (السّاعَةِ) يُقالُ فِيهِ: إنَّهُ يَقْتَضِي الفَصْلَ بَيْنَ المَعْطُوفِ والمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِما لا يَصْلُحُ لِكَوْنِهِ اعْتِراضًا، وتَقْدِيرُ النّاصِبِ إذا دَلَّ المَقامُ عَلَيْهِ لا إشْكالَ فِيهِ. كَما قالَ في الخُلاصَةِ: ويُحْذَفُ النّاصِبُها إنْ عُلِما وقَدْ يَكُونُ حَذْفُهُ مُلْتَزِما وَأمّا عَلى قِراءَةِ الخَفْضِ فَهو مَعْطُوفٌ عَلى السّاعَةِ، أيْ وعِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ، وعَلَمُ (قِيلِهِ يا رَبِّ) . واخْتارَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنَّهُ مَخْفُوضٌ بِالقِسْمِ، ولا يَخْفى بُعْدُهُ كَما نَبَّهَ عَلَيْهِ أبُو حَيّانَ. والتَّحْقِيقُ أنَّ الضَّمِيرَ في (قِيلِهِ) لِلنَّبِيِّ ﷺ . والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ أنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ: ﴿فاصْفَحْ عَنْهم وقُلْ سَلامٌ﴾ [الزخرف: ٨٩] - خِطابٌ لَهُ ﷺ بِلا نِزاعٍ، فادِّعاءُ أنَّ الضَّمِيرَ في (قِيلِهِ) لِعِيسى لا دَلِيلَ عَلَيْهِ ولا وجْهَ لَهُ. وَما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مِن شَكْواهُ ﷺ إلى رَبِّهِ عَدَمَ إيمانِ قَوْمِهِ - جاءَ مُوَضَّحًا في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقالَ الرَّسُولُ يارَبِّ إنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذا القُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [ ٢٥ ] . وذُكِرَ مِثْلُهُ عَنْ مُوسى في قَوْلِهِ تَعالى في ”الدُّخانِ“: ﴿فَدَعا رَبَّهُ أنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ﴾ [الدخان: ٢٢] . وعَنْ نُوحٍ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ رَبِّ إنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا ونَهارًا فَلَمْ يَزِدْهم دُعائِي إلّا فِرارًا﴾ [نوح: ٥ - ٦] . إلى آخِرِ الآياتِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب