الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إنَّكم ماكِثُونَ﴾ . اللّامُ في قَوْلِهِ: لِيَقْضِ لامُ الدُّعاءِ. والظّاهِرُ أنَّ المَعْنى أنَّ مُرادَهم بِذَلِكَ سُؤالُ مالِكٍ خازِنِ النّارِ أنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَهم بِالمَوْتِ. والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ أمْرانِ: الأوَّلُ: أنَّهم لَوْ أرادُوا دُعاءَ اللَّهِ بِأنْفُسِهِمْ أنْ يُمِيتَهم لَما نادَوْا: يا مالِكُ، ولَما خاطَبُوهُ في قَوْلِهِمْ: رَبُّكَ. والثّانِي: أنَّ اللَّهَ بَيَّنَ في سُورَةِ ”المُؤْمِنِ“ أنَّ أهْلَ النّارِ يَطْلُبُونَ مِن خَزَنَةِ النّارِ أنْ يَدْعُوا اللَّهَ لَهم لِيُخَفِّفَ عَنْهُمُ العَذابَ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقالَ الَّذِينَ في النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكم يُخَفِّفْ عَنّا يَوْمًا مِنَ العَذابِ﴾ [غافر: ٤٩] . وقَوْلِهِ: ﴿لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ﴾ أيْ لِيُمِتْنا، فَنَسْتَرِيحَ بِالمَوْتِ مِنَ العَذابِ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ﴾ [القصص: ١٥] أيْ أماتَهُ. وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿قالَ إنَّكم ماكِثُونَ﴾ - دَلِيلٌ عَلى أنَّهم لا يُجابُونَ (p-١٤٧)إلى المَوْتِ، بَلْ يَمْكُثُونَ في النّارِ مُعَذَّبِينَ إلى غَيْرِ نِهايَةٍ. وَقَدْ دَلَّ القُرْآنُ العَظِيمُ عَلى أنَّهم لا يَمُوتُونَ فِيها فَيَسْتَرِيحُوا بِالمَوْتِ، ولا تُغْنِيَ هي عَنْهم، ولا يُخَفَّفُ عَنْهم عَذابُها، ولا يَخْرُجُونَ مِنها. أمّا كَوْنُهم لا يَمُوتُونَ فِيها الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ هُنا: ﴿قالَ إنَّكم ماكِثُونَ﴾ - فَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ آياتٌ مِن كِتابِ اللَّهِ، • كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها ولا يَحْيا﴾ [طه: ٧٤] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيَتَجَنَّبُها الأشْقى﴾ ﴿الَّذِي يَصْلى النّارَ الكُبْرى﴾ ﴿ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها ولا يَحْيا﴾ [الأعلى: ١١ - ١٣] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا لَهم نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا﴾ الآيَةَ [فاطر: ٣٦] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكانٍ وما هو بِمَيِّتٍ﴾ الآيَةَ [إبراهيم: ١٧] . وَأمّا كَوْنُ النّارِ لا تُغْنِي عَنْهم، فَقَدْ بَيَّنَهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿كُلَّما خَبَتْ زِدْناهم سَعِيرًا﴾ [الإسراء: ٩٧] . فَمَن يَدَّعِي أنَّ لِلنّارِ خَبْوَةً نِهائِيَّةً وفَناءً - رُدَّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ. وَأمّا كَوْنُ العَذابِ لا يُخَفَّفُ عَنْهُ فَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ آياتٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، • كَقَوْلِهِ: ﴿وَلا يُخَفَّفُ عَنْهم مِن عَذابِها﴾ [فاطر: ٣٦] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا يُخَفَّفُ عَنْهم ولا هم يُنْظَرُونَ﴾ [النحل: ٨٥] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَنْ نَزِيدَكم إلّا عَذابًا﴾ [النبإ: ٣٠] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ﴾ الآيَةَ [الزخرف: ٧٥] . • وقَوْلِهِ: ﴿إنَّ عَذابَها كانَ غَرامًا﴾ [الفرقان: ٦٥] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزامًا﴾ [الفرقان: ٧٧] عَلى الأصَحِّ في الأخِيرَيْنِ. وَأمّا كَوْنُهم لا يُخْرَجُونَ مِنها فَقَدْ جاءَ مُوَضَّحًا في آياتٍ مِن كِتابِ اللَّهِ، • كَقَوْلِهِ تَعالى في ”البَقَرَةِ“: ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أعْمالَهم حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وما هم بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ﴾ [البقرة: ١٦٧] . • وقَوْلِهِ تَعالى في ”المائِدَةِ“: ﴿يُرِيدُونَ أنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وما هم بِخارِجِينَ مِنها ولَهم عَذابٌ مُقِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٧] . • وقَوْلِهِ تَعالى في ”الحَجِّ“: ﴿كُلَّما أرادُوا أنْ يَخْرُجُوا مِنها مِن غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها﴾ الآيَةَ [الحج: ٢٢] . • وقَوْلِهِ تَعالى في ”السَّجْدَةِ“: ﴿كُلَّما أرادُوا أنْ يَخْرُجُوا مِنها أُعِيدُوا فِيها﴾ [السجدة: ٢٠] . • وقَوْلِهِ تَعالى في ”الجاثِيَةِ“: ﴿فاليَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنها ولا هم يُسْتَعْتَبُونَ﴾ [الجاثية: ٣٥] . إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وَقَدْ أوْضَحَنا هَذا المَبْحَثَ إيضاحًا شافِيًا في كِتابِنا ”دَفْعُ إيهامِ الِاضْطِرابِ عَنْ آياتِ (p-١٤٨)الكِتابِ“ في سُورَةِ ”الأنْعامِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ النّارُ مَثْواكم خالِدِينَ فِيها إلّا ما شاءَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١٢٨] . وفي سُورَةِ ”النَّبَإ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لابِثِينَ فِيها أحْقابًا﴾ [النبإ: ٢٣] وسَنُوَضِّحُهُ أيْضًا - إنْ شاءَ اللَّهُ - في هَذا الكِتابِ المُبارَكِ في الكَلامِ عَلى آيَةِ ”النَّبَإ“ المَذْكُورَةِ، ونُوَضِّحُ هُناكَ - إنْ شاءَ اللَّهُ - إزالَةَ إشْكالٍ يُورِدُهُ المُلْحِدُونَ عَلى الآياتِ الَّتِي فِيها إيضاحُ هَذا المَبْحَثِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب