الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِن ذَهَبٍ﴾ . قَدْ قَدَّمْنا الآياتِ المُوَضِّحَةَ لَهُ، وجَمِيعُ الآياتِ الَّتِي فِيها الأنْعامُ عَلى أهْلِ الجَنَّةِ بِأوانِي الذَّهَبِ والفِضَّةِ، والتَّحَلِّي بِهِما، ولُبْسُ الحَرِيرِ، ومِنهُ السُّنْدُسُ والإسْتَبْرَقُ، وفي سُورَةِ ”النَّحْلِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَتَسْتَخْرِجُوا مِنهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها﴾ [النحل: ١٤] . * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وتَلَذُّ الأعْيُنُ وأنْتُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ . ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ كُلَّ ما تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ، وتَلَذُّ الأعْيُنُ، أيْ تَلْتَذُّ بِهِ الأعْيُنُ، أيْ بِرُؤْيَتِهِ لِحُسْنِهِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النّاظِرِينَ﴾ [البقرة: ٦٩] . وأسْنَدَ اللَّذَّةَ إلى العَيْنِ، وهي في الحَقِيقَةِ مُسْنَدَةٌ لِصاحِبِ العَيْنِ، كَإسْنادِ الكَذِبِ والخَطِيئَةِ إلى النّاصِيَةِ، وهي مُقَدَّمُ شَعْرِ الرَّأْسِ، في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ﴾ [العلق: ١٦] وكَإسْنادِ الخُشُوعِ والعَمَلِ والنَّصَبِ إلى الوُجُوهِ، في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ﴾ الآيَةَ [الغاشية: ٢ - ٣] . (p-١٤٤)وَمَعْلُومٌ أنَّ الكَذِبَ والخَطِيئَةَ مُسْنَدانِ في الحَقِيقَةِ لِصاحِبِ النّاصِيَةِ، كَما أنَّ الخُشُوعَ والعَمَلَ والنَّصَبَ مُسْنَداتٌ إلى أصْحابِ الوُجُوهِ. وَما دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مِن أنَّ الجَنَّةَ فِيها كُلُّ مُشْتَهًى، وكُلُّ مُسْتَلِذٍّ - جاءَ مَبْسُوطًا مُوَضَّحَةً أنْواعُهُ في آياتٍ كَثِيرَةٍ مِن كِتابِ اللَّهِ، وجاءَ مُحَمَّدٌ أيْضًا إجْمالًا شامِلًا لِكُلِّ شَيْءٍ مِنَ النَّعِيمِ. أمّا إجْمالُ ذَلِكَ فَفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهم مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧] . وَأمّا بَسْطُ ذَلِكَ وتَفْصِيلُهُ فَقَدْ بَيَّنَ القُرْآنُ أنَّ مِن ذَلِكَ النَّعِيمِ المَذْكُورِ في الآيَةِ - المَشارِبَ، والمَآكِلَ والمَناكِحَ، والفُرُشَ والسُّرُرَ، والأوانِيَ، وأنْواعَ الحُلِيِّ والمَلابِسَ، والخَدَمَ إلى غَيْرِ ذَلِكَ، وسَنَذْكُرُ بَعْضَ الآياتِ الدّالَّةَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ. أمّا المَآكِلُ فَقَدْ قالَ تَعالى: ﴿لَكم فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنها تَأْكُلُونَ﴾ [الزخرف: ٧٣] . وقالَ: ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهُونَ﴾ [الواقعة: ٣٢ - ٣٣] . وقالَ تَعالى: ﴿وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ ولا مَمْنُوعَةٍ﴾ [الواقعة: ٣٢ - ٣٣] . وقالَ تَعالى: ﴿كُلَّما رُزِقُوا مِنها مِن ثَمَرَةٍ رِزْقًا قالُوا هَذا الَّذِي رُزِقْنا مِن قَبْلُ وأُتُوا بِهِ مُتَشابِهًا﴾ الآيَةَ [البقرة: ٢٥] . إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. أمّا المَشارِبُ، فَقَدْ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ الأبْرارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُورًا﴾ ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيرًا﴾ [الإنسان: ٥ - ٦] . وقالَ تَعالى: ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْسًا كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا﴾ ﴿عَيْنًا فِيها تُسَمّى سَلْسَبِيلًا﴾ الآيَةَ [الإنسان: ١٧ - ١٨] . وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ ﴿بِأكْوابٍ وأبارِيقَ وكَأْسٍ مِن مَعِينٍ﴾ ﴿لا يُصَدَّعُونَ عَنْها ولا يُنْزِفُونَ﴾ [الواقعة: ١٧ - ١٩] . وقالَ تَعالى: ﴿يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِن مَعِينٍ﴾ ﴿بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ﴾ ﴿لا فِيها غَوْلٌ ولا هم عَنْها يُنْزَفُونَ﴾ [الصافات: ٤٥ - ٤٧] . وقالَ تَعالى: ﴿فِيها أنْهارٌ مِن ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وأنْهارٌ مِن لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وأنْهارٌ مِن خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ وأنْهارٌ مِن عَسَلٍ مُصَفًّى ولَهم فِيها مِن كُلِّ الثَّمَراتِ﴾ [محمد: ١٥] . وقالَ تَعالى: ﴿كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئًا بِما أسْلَفْتُمْ في الأيّامِ الخالِيَةِ﴾ [الحاقة: ٢٤] . إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. (p-١٤٥)وَأمّا المَلابِسُ والأوانِي والحُلِيُّ، فَقَدْ قَدَّمَنا الكَلامَ عَلَيْها مُسْتَوْفًى في سُورَةِ ”النَّحْلِ“ . وَأمّا المَناكِحُ فَقَدْ قَدَّمَنا بَعْضَ الآياتِ الدّالَّةَ عَلَيْها قَرِيبًا، وهي كَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَهم فِيها أزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾ الآيَةَ [البقرة: ٢٥] . ويَكْفِي ما قَدَّمْنا مِن ذَلِكَ قَرِيبًا. وَأمّا ما يَتَّكِئُونَ عَلَيْهِ مِنَ الفُرُشِ والسُّرُرِ ونَحْوِ ذَلِكَ، فَفي آياتٍ كَثِيرَةٍ، • كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِن إسْتَبْرَقٍ﴾ [الرحمن: ٤٥] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿هم وأزْواجُهم في ظِلالٍ عَلى الأرائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ [يس: ٥٦] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ﴾ ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ﴾ [الواقعة: ١٥ - ١٦] . والسُّرُرُ المَوْضُونَةُ هي المَنسُوجَةُ بِقُضْبانِ الذَّهَبِ. • وَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إخْوانًا عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ﴾ [الحجر: ٤٧] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ﴾ [الغاشية: ١٣] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ﴾ [الرحمن: ٧٦] . إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وَأمّا خَدَمُهم فَقَدْ قالَ تَعالى في ذَلِكَ: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ الآيَةَ [الواقعة: ١٧] . وقالَ تَعالى في سُورَةِ ”الإنْسانِ“ في صِفَةِ هَؤُلاءِ الغِلْمانِ: ﴿إذا رَأيْتَهم حَسِبْتَهم لُؤْلُؤًا مَنثُورًا﴾ [الإنسان: ١٩] وذَكَرَ نَعِيمَ أهْلِ الجَنَّةِ بِأبْلَغِ صِيغَةٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإذا رَأيْتَ ثَمَّ رَأيْتَ نَعِيمًا ومُلْكًا كَبِيرًا﴾ [الإنسان: ٢٠] . والآياتُ الدّالَّةُ عَلى أنْواعِ نَعِيمِ الجَنَّةِ وحُسْنِها وكَمالِها كالظِّلالِ والعُيُونِ والأنْهارِ وغَيْرِ ذَلِكَ - كَثِيرَةٌ جِدًّا، ولْنَكْتَفِ مِنها بِما ذَكَرْنا. وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَأنْتُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ [الزخرف: ٧١] - قَدْ قَدَّمْنا الآياتِ المُوَضَّحَةَ؛ لِأنَّ خُلُودَهُمُ المَذْكُورَ لا انْقِطاعَ لَهُ البَتَّةَ، • كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] أيْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ، • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ هَذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِن نَفادٍ﴾ [ص: ٥٤] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما عِنْدَكم يَنْفَدُ وما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ﴾ [النحل: ٩٦] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب