الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إذا قَوْمُكَ مِنهُ يَصِدُّونَ وقالُوا أآلِهَتُنا خَيْرٌ أمْ هو ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلّا جَدَلًا بَلْ هم قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ .
قَرَأ هَذا الحَرْفَ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ والكِسائِيُّ (يَصُدُّونَ) بِضَمِّ الصّادِ.
وَقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو وعاصِمٌ وحَمْزَةُ (يَصِدُّونَ) بِكَسْرِ الصّادِ.
(p-١٢٣)فَعَلى قِراءَةِ الكَسْرِ فَمَعْنى (يَصِدُّونَ) يَضِجُّونَ ويَصِيحُونَ، وقِيلَ: يَضْحَكُونَ، وقِيلَ: مَعْنى القِراءَتَيْنِ واحِدٌ، كَيَعْرُشُونَ ويَعْرِشُونَ، ويَعْكُفُونَ ويَعْكِفُونَ.
وَعَلى قِراءَةِ الضَّمِّ فَهو مِنَ الصُّدُودِ، والفاعِلُ المَحْذُوفُ في قَوْلِهِ: (ضُرِبَ) قالَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ هو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبْعَرى السَّهْمِيُّ قَبْلَ إسْلامِهِ.
أيْ ولَمّا ضَرَبَ ابْنُ الزِّبَعْرى المَذْكُورُ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ فاجَأكَ قَوْمُكَ بِالضَّجِيجِ والصِّياحِ والضَّحِكِ، فَرَحًا مِنهم وزَعْمًا مِنهم أنَّ ابْنَ الزِّبَعْرى خَصْمُكَ، أوْ فاجَأكَ صُدُودُهم عَنِ الإيمانِ بِسَبَبِ ذَلِكَ المَثَلِ.
والظّاهِرُ أنَّ لَفْظَةَ (مِن) هُنا سَبَبِيَّةٌ، ومَعْلُومٌ أنَّ أهْلَ العَرَبِيَّةِ يَذْكُرُونَ أنَّ مِن مَعانِي (مِن) السَّبَبِيَّةَ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نارًا﴾ [نوح: ٢٥] . أيْ بِسَبَبِ خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا.
وَمِن ذَلِكَ قَوْلُ الحالِفِينَ في أيْمانِ القَسامَةِ: أُقْسِمَ بِاللَّهِ لَمِن ضَرْبِهِ ماتَ.
وَإيضاحُ مَعْنى ضَرَبَ ابْنُ الزِّبَعْرى عِيسى مَثَلًا - أنَّ اللَّهَ لَمّا أنْزَلَ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أنْتُمْ لَها وارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] قالَ ابْنُ الزِّبَعْرى: إنَّ مُحَمَّدًا ﷺ يَقُولُ: إنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ مِن دُونِ اللَّهِ في النّارِ، وإنَّنا وأصْنامَنا جَمِيعًا في النّارِ، وهَذا عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ قَدْ عَبَدَهُ النَّصارى مِن دُونِ اللَّهِ، فَإنْ كانَ ابْنُ مَرْيَمَ مَعَ النَّصارى الَّذِينَ عَبَدُوهُ في النّارِ فَقَدْ رَضِينا أنْ نَكُونَ نَحْنُ وآلِهَتُنا مَعَهُ.
وَقالُوا مِثْلَ ذَلِكَ في عُزَيْرٍ والمَلائِكَةِ؛ لِأنَّ عُزَيْرًا عَبَدَهُ اليَهُودُ، والمَلائِكَةَ عَبَدَهم بَعْضُ العَرَبِ.
فاتَّضَحَ أنَّ ضَرْبَهُ عِيسى مَثَلًا، يَعْنِي أنَّهُ عَلى ما يَزْعُمُ أنْ مُحَمَّدًا ﷺ قالَهُ، مِن أنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ وعابِدِهِ في النّارِ، يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ عِيسى مَثَلًا لِأصْنامِهِمْ، في كَوْنِ الجَمِيعِ في النّارِ، مَعَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ يُثْنِي عَلى عِيسى الثَّناءَ الجَمِيلَ، ويُبَيِّنُ لِلنّاسِ أنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ ورَسُولُهُ، وكَلِمَتُهُ ألْقاها إلى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنهُ.
فَزَعَمَ ابْنُ الزِّبَعْرى أنَّ كَلامَ النَّبِيِّ ﷺ لَمّا اقْتَضى مُساواةَ الأصْنامِ مَعَ عِيسى في دُخُولِ (p-١٢٤)النّارِ مَعَ أنَّهُ ﷺ يَعْتَرِفُ بِأنَّ عِيسى رَسُولُ اللَّهِ، وأنَّهُ لَيْسَ في النّارِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلى بُطْلانِ كَلامِهِ عِنْدَهُ.
وَعِنْدَ ذَلِكَ أنْزَلَ اللَّهُ ﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهم مِنّا الحُسْنى أُولَئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ﴾ ﴿لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وهم في ما اشْتَهَتْ أنْفُسُهم خالِدُونَ﴾ ﴿لا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأكْبَرُ﴾ الآيَةَ [الأنبياء: ١٠١ - ١٠٣] . وأنْزَلَ اللَّهُ أيْضًا قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا﴾ الآيَةَ.
وَعَلى هَذا القَوْلِ فَمَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلّا جَدَلًا﴾، أيْ ما ضَرَبُوا عِيسى مَثَلًا إلّا مِن أجْلِ الجَدَلِ والخُصُومَةِ بِالباطِلِ.
وَقِيلَ: إنَّ (جَدَلًا) حالٌ، وإتْيانُ المَصْدَرِ المُنَكَّرِ حالًا كَثِيرٌ، وقَدْ أوْضَحْنا تَوْجِيهَهُ مِرارًا.
والمُرادُ بِالجَدَلِ هُنا الخُصُومَةُ بِالباطِلِ لِقَصْدِ الغَلَبَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ.
قالَ جَماعَةٌ مِنَ العُلَماءِ: والدَّلِيلُ عَلى أنَّهم قَصَدُوا الجَدَلَ بِشَيْءٍ يَعْلَمُونَ في أنْفُسِهِمْ أنَّهُ باطِلٌ، أنَّ الآيَةَ الَّتِي تَذَرَّعُوا بِها إلى الجَدَلِ لا تَدُلُّ البَتَّةَ عَلى ما زَعَمُوهُ، وهم أهْلُ اللِّسانِ، ولا تَخْفى عَلَيْهِمْ مَعانِي الكَلِماتِ.
والآيَةُ المَذْكُورَةُ إنَّما عَبَّرَ اللَّهُ فِيها بِلَفْظَةِ ”ما“ الَّتِي هي في المَوْضِعِ العَرَبِيِّ لِغَيْرِ العُقَلاءِ؛ لِأنَّهُ قالَ: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] ولَمْ يَقُلْ: ومَن تَعْبُدُونَ، وذَلِكَ صَرِيحٌ في أنَّ المُرادَ الأصْنامُ، وأنَّهُ لا يَتَناوَلُ عِيسى ولا عُزَيْرًا ولا المَلائِكَةَ، كَما أوْضَحَ تَعالى أنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى بَعْدَهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهم مِنّا الحُسْنى﴾ الآيَةَ [الأنبياء: ١٠١] .
وَإذا كانُوا يَعْلَمُونَ مِن لُغَتِهِمْ أنَّ الآيَةَ الكَرِيمَةَ لَمْ تَتَناوَلْ عِيسى بِمُقْتَضى لِسانِهِمُ العَرَبِيِّ، الَّذِي نَزَلَ بِهِ القُرْآنُ - تَحَقَّقْنا أنَّهم ما ضَرَبُوا عِيسى مَثَلًا إلّا لِأجْلِ الجَدَلِ والخُصُومَةِ بِالباطِلِ.
وَوَجْهُ التَّعْبِيرِ في صِيغَةِ الجَمْعِ في قَوْلِهِ: ﴿ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلّا جَدَلًا﴾ مَعَ أنَّ ضارِبَ المَثَلِ واحِدٌ وهو ابْنُ الزِّبَعْرى - يَرْجِعُ إلى أمْرَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ مِن أسالِيبِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ إسْنادُ فِعْلِ الرَّجُلِ الواحِدِ مِنَ القَبِيلَةِ إلى جَمِيعِ (p-١٢٥)القَبِيلَةِ، ومِن أصْرَحِ الشَّواهِدِ العَرَبِيَّةِ في ذَلِكَ قَوْلُهُ:
؎فَسَيْفُ بَنِي عَبْسٍ وقَدْ ضَرَبُوا بِهِ نَبا بِيَدَيْ ورْقاءَ عَنْ رَأْسِ خالِدِ
فَإنَّهُ نَسَبَ الضَّرْبَ إلى جَمِيعِ بَنِي عَبْسٍ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِأنَّ السَّيْفَ في يَدِ رَجُلٍ واحِدٍ مِنهم، وهو ورْقاءُ بْنُ زُهَيْرٍ، والشّاعِرُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلى قَتْلِ خالِدِ بْنِ جَعْفَرٍ الكِلابِيِّ لِزُهَيْرِ بْنِ جُذَيْمَةَ العَبْسِيِّ، وأنَّ ورَقّاءَ بْنَ زُهَيْرٍ ضَرَبَ بِسَيْفِ بَنِي عَبْسٍ رَأْسَ خالِدِ بْنِ جَعْفَرٍ الكِلابِيِّ، الَّذِي قَتَلَ أباهُ ونَبا عَنْهُ، أيْ لَمْ يُؤَثِّرْ في رَأْسِهِ، فَإنَّ مَعْنى: نَبا السَّيْفُ - ارْتَفَعَ عَنِ الضَّرِيبَةِ ولَمْ يَقْطَعْ.
والشّاعِرُ يَهْجُو بَنِي عَبْسٍ بِذَلِكَ.
والحُرُوبُ الَّتِي نَشَأتْ عَنْ هَذِهِ القِصَّةِ وقَتْلُ الحارِثِ بْنِ ظالِمٍ المُرِّيِّ لِخالِدٍ المَذْكُورِ، كُلُّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ في مَحَلِّهِ.
والأمْرُ الثّانِي: أنَّ جَمِيعَ كُفّارِ قُرَيْشٍ صَوَّبُوا ضَرْبَ ابْنِ الزِّبَعْرى عِيسى مَثَلًا، وفَرِحُوا بِذَلِكَ، ووافَقُوهُ عَلَيْهِ، فَصارُوا كالمُتَمالِئِينَ عَلَيْهِ.
وَبِهَذَيْنِ الأمْرَيْنِ المَذْكُورَيْنِ جَمَعَ المُفَسِّرُونَ بَيْنَ صِيغَةِ الجَمْعِ في قَوْلِهِ: ﴿فَعَقَرُوا النّاقَةَ﴾ [الأعراف: ٧٧] وقَوْلِهِ: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها﴾ [الشمس: ١٤] وبَيْنَ صِيغَةِ الإفْرادِ في قَوْلِهِ: ﴿فَنادَوْا صاحِبَهم فَتَعاطى فَعَقَرَ﴾ [القمر: ٢٩] .
وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: الفاعِلُ المَحْذُوفُ في قَوْلِهِ: ﴿وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا﴾ هو عامَّةُ قُرَيْشٍ.
والَّذِينَ قالُوا: إنَّ كُفّارَ قُرَيْشٍ لَمّا سَمِعُوا النَّبِيَّ ﷺ يَذْكُرُ عِيسى، وسَمِعُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعالى: ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ﴾ [آل عمران: ٥٩] - قالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: ما تُرِيدُ بِذِكْرِ عِيسى إلّا أنْ نَعْبُدَكَ كَما عَبَدَ النَّصارى عِيسى.
وَعَلى هَذا فالمَعْنى أنَّهم ضَرَبُوا عِيسى مَثَلًا لِلنَّبِيِّ ﷺ في عِبادَةِ النّاسِ لِكُلٍّ مِنهُما، زاعِمِينَ أنَّهُ يُرِيدُ أنْ يُعْبَدَ كَما عُبِدَ عِيسى.
وَعَلى هَذا القَوْلِ فَمَعْنى قَوْلِهِ: ﴿ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلّا جَدَلًا﴾، أيْ ما ضَرَبُوا لَكَ هَذا (p-١٢٦)المَثَلَ إلّا لِأجْلِ الخُصُومَةِ بِالباطِلِ، مَعَ أنَّهم يَعْلَمُونَ أنَّكَ لا تَرْضى أنْ تُعْبَدَ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ ياأهْلَ الكِتابِ تَعالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكم ألّا نَعْبُدَ إلّا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضًا أرْبابًا مِن دُونِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ [آل عمران: ٦٤] .
وَإنْ كانَ مِنَ القُرْآنِ المَدَنِيِّ النّازِلِ بَعْدَ الهِجْرَةِ فَمَعْناهُ يُكَرِّرُهُ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ ﷺ كَثِيرًا قَبْلَ الهِجْرَةِ، كَما هو مَعْلُومٌ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلا يَأْمُرَكم أنْ تَتَّخِذُوا المَلائِكَةَ والنَّبِيِّينَ أرْبابًا أيَأْمُرُكم بِالكُفْرِ بَعْدَ إذْ أنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ٨٠] .
وَلا شَكَّ أنَّ كُفّارَ قُرَيْشٍ مُتَيَقِّنُونَ في جَمِيعِ المُدَّةِ الَّتِي أقامَها ﷺ في مَكَّةَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بَعْدَ الرِّسالَةِ، وهي ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً - أنَّهُ لا يَدْعُو إلّا إلى عِبادَةِ اللَّهِ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ.
فادِّعاؤُهم أنَّهُ يُرِيدُ أنْ يَعْبُدُوهُ افْتِراءٌ مِنهم، وهم يَعْلَمُونَ أنَّهم مُفْتَرُونَ في ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿أآلِهَتُنا خَيْرٌ أمْ هُوَ﴾ ؟
التَّحْقِيقُ أنَّ الضَّمِيرَ في قَوْلِهِ: هو راجِعٌ إلى عِيسى، لا إلى مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ - .
قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: ومُرادُهم بِالِاسْتِفْهامِ تَفْضِيلُ مَعْبُوداتِهِمْ عَلى عِيسى.
قِيلَ: لِأنَّهم يَتَّخِذُونَ المَلائِكَةَ آلِهَةً، والمَلائِكَةُ أفْضَلُ عِنْدِهِمْ مِن عِيسى.
وَعَلى هَذا فَمُرادُهم أنَّ عِيسى عُبِدَ مِن دُونِ اللَّهِ، ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَوْنِهِ في النّارِ، ومَعْبُوداتُنا خَيْرٌ مِن عِيسى، فَكَيْفَ تَزْعُمُ أنَّهم في النّارِ ؟
وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: أرادُوا تَفْضِيلَ عِيسى عَلى آلِهَتِهِمْ.
والمَعْنى عَلى هَذا أنَّهم يَقُولُونَ: عِيسى خَيْرٌ مِن آلِهَتِنا، أيْ في زَعْمِكَ، وأنْتَ تَزْعُمُ أنَّهُ في النّارِ بِمُقْتَضى عُمُومِ ما تَتْلُوهُ مِن قَوْلِهِ: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] .
وَعِيسى عَبَدَهُ النَّصارى مِن دُونِ اللَّهِ، فَدَلالَةُ قَوْلِكِ عَلى أنَّ عِيسى في النّارِ، مَعَ (p-١٢٧)اعْتِرافِكَ بِخِلافِ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ ما تَقُولُهُ مَن أنّا وآلِهَتَنا في النّارِ - لَيْسَ بِحَقٍّ أيْضًا.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿بَلْ هم قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ أيْ لُدٌّ، مُبالِغُونَ في الخُصُومَةِ بِالباطِلِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ [مريم: ٩٧] أيْ شَدِيدِي الخُصُومَةِ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَهُوَ ألَدُّ الخِصامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] لِأنَّ الفِعْلَ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ كَخَصِمَ - مِن صِيَغِ المُبالَغَةِ، كَما هو مَعْلُومٌ في مَحَلِّهِ.
وَقَدْ عَلِمْتَ مِمّا ذَكَرْنا أنَّ قَوْلَهُ تَعالى هُنا: ﴿وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا﴾ الآيَةَ - إنَّما بَيَّنَتْهُ الآياتُ الَّتِي ذَكَرْنا بِبَيانِ سَبَبِهِ.
وَمَعْلُومٌ أنَّ الآيَةَ قَدْ يَتَّضِحُ مَعْناها بِبَيانِ سَبَبِها.
فَعَلى القَوْلِ الأوَّلِ، أنَّهم ضَرَبُوا عِيسى مَثَلًا لِأصْنامِهِمْ في دُخُولِ النّارِ، فَإنَّ ذَلِكَ المَثَلَ يُفْهَمُ مِن أنَّ سَبَبَ نُزُولِ الآيَةِ نُزُولُ قَوْلِهِ تَعالى قَبْلَها: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾؛ لِأنَّها لَمّا نَزَلَتْ قالُوا: إنْ عِيسى عُبِدَ مِن دُونِ اللَّهِ كَآلِهَتِهِمْ، فَهم بِالنِّسْبَةِ لِما دَلَّتْ عَلَيْهِ - سَواءٌ.
وَقَدْ عَلِمْتَ بُطْلانَ هَذا مِمّا ذَكَرْناهُ آنِفًا.
وَعَلى القَوْلِ الثّانِي أنَّهم ضَرَبُوا عِيسى مَثَلًا لِمُحَمَّدٍ ﷺ في أنَّ عِيسى قَدْ عُبِدَ، وأنَّهُ ﷺ يُرِيدُ أنْ يُعْبَدَ كَما عُبِدَ عِيسى، فَكَوْنُ سَبَبِ ذَلِكَ سَماعَهم لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ﴾ [آل عمران: ٥٩] . وسَماعَهم لِلْآياتِ المَكِّيَّةِ النّازِلَةِ في شَأْنِ عِيسى - يُوَضِّحُ المُرادَ بِالمَثَلِ.
وَأمّا الآياتُ الَّتِي بَيَّنَتْ قَوْلَهُ: ﴿ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلّا جَدَلًا﴾ فَبَيانُها لَهُ واضِحٌ عَلى كِلا القَوْلَيْنِ. والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى .
{"ayah":"۞ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡیَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ یَصِدُّونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق