الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِهِ لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ ﴿بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وآباءَهم حَتّى جاءَهُمُ الحَقُّ ورَسُولٌ مُبِينٌ﴾ ﴿وَلَمّا جاءَهُمُ الحَقُّ قالُوا هَذا سِحْرٌ وإنّا بِهِ كافِرُونَ﴾ .
الضَّمِيرُ المَنصُوبُ في (جَعَلَها) عَلى التَّحْقِيقِ راجِعٌ إلى كَلِمَةِ الإيمانِ المُشْتَمِلَةِ عَلى مَعْنى لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، المَذْكُورَةُ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ إلّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [الزخرف: ٢٦ - ٢٧] . لِأنَّ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ نَفْيٌ وإثْباتٌ، فَمَعْنى النَّفْيِ مِنها هو البَراءَةُ مِن جَمِيعِ المَعْبُوداتِ غَيْرَ اللَّهِ في جَمِيعِ أنْواعِ العِباداتِ.
وَهَذا المَعْنى جاءَ مُوَضَّحًا في قَوْلِهِ: ﴿إنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ﴾ .
وَمَعْنى الإثْباتِ مِنها هو إفْرادُ اللَّهِ وحْدَهُ بِجَمِيعِ أنْواعِ العِباداتِ عَلى الوَجْهِ الَّذِي شَرَعَهُ عَلى ألْسِنَةِ رُسُلِهِ.
وَهَذا المَعْنى جاءَ مُوَضَّحًا في قَوْلِهِ: ﴿إلّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ .
وَضَمِيرُ الفاعِلِ المُسْتَتِرُ في قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَها﴾ .
قالَ بَعْضُهم: هو راجِعٌ إلى إبْراهِيمَ وهو ظاهِرُ السِّياقِ.
وَقالَ بَعْضُهم: هو راجِعٌ إلى اللَّهِ تَعالى .
فَعَلى القَوْلِ الأوَّلِ فالمَعْنى صَيَّرَ إبْراهِيمَ تِلْكَ الكَلِمَةَ ﴿باقِيَةً في عَقِبِهِ﴾ أيْ ولَدِهِ ووَلَدِ ولَدِهِ.
وَإنَّما جَعَلَها إبْراهِيمُ باقِيَةً فِيهِمْ، لِأنَّهُ تَسَبَّبَ لِذَلِكَ بِأمْرَيْنِ: أحَدُهُما: وصَّيْتُهُ لِأوْلادِهِ بِذَلِكَ، وصارُوا يَتَوارَثُونَ الوَصِيَّةَ بِذَلِكَ عَنْهُ، فَيُوصِي بِهِ السَّلَفُ مِنهُمُ الخَلْفَ، كَما أشارَ تَعالى إلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْراهِيمَ إلّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ولَقَدِ اصْطَفَيْناهُ في الدُّنْيا وإنَّهُ في الآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ﴾ ﴿إذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أسْلِمْ قالَ أسْلَمْتُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿وَوَصّى بِها إبْراهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يابَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ﴾ الآيَةَ [البقرة: ١٣٠ - ١٣٢] (p-١٠٣)
والأمْرُ الثّانِي هو سُؤالُهُ رَبَّهُ تَعالى لِذُرِّيَّتِهِ الإيمانَ والصَّلاحَ،
• كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وَإذِ ابْتَلى إبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأتَمَّهُنَّ قالَ إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إمامًا قالَ ومِن ذُرِّيَّتِي﴾ [البقرة: ١٢٤] . أيْ واجْعَلْ مِن ذُرِّيَّتِي أيْضًا أئِمَّةً،
• وقَوْلِهِ تَعالى عَنْهُ: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ومِن ذُرِّيَّتِي﴾ [إبراهيم: ٤٠] .
• وقَوْلِهِ عَنْهُ: ﴿واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ﴾ [إبراهيم: ٣٥] .
• وقَوْلِهِ عَنْهُ هو وإسْماعِيلُ: ﴿رَبَّنا واجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ومِن ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنا وابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنهم يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِكَ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ ويُزَكِّيهِمْ﴾ [البقرة: ١٢٩] .
وَقَدْ أجابَ اللَّهُ دُعاءَهُ في بَعْثِ الرَّسُولِ المَذْكُورِ بِبَعْثِهِ مُحَمَّدًا ﷺ .
وَلِذا جاءَ في الحَدِيثِ عَنْهُ ﷺ أنَّهُ قالَ: «أنا دَعْوَةُ إبْراهِيمَ» .
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الأنْبِياءَ بَعْدَ إبْراهِيمَ مِن ذُرِّيَّتِهِ، كَما قالَ تَعالى في سُورَةِ ”العَنْكَبُوتِ“: ﴿وَوَهَبْنا لَهُ إسْحاقَ ويَعْقُوبَ وجَعَلْنا في ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ والكِتابَ﴾ [العنكبوت: ٢٧] . وقالَ عَنْهُ وعَنْ نُوحٍ في سُورَةِ ”الحَدِيدِ“: ﴿وَلَقَدْ أرْسَلْنا نُوحًا وإبْراهِيمَ وجَعَلْنا في ذُرِّيَّتِهِما النُّبُوَّةَ والكِتابَ﴾ الآيَةَ [الحديد: ٢٦] .
وَعَلى القَوْلِ الثّانِي أنَّ الضَّمِيرَ عائِدٌ إلى اللَّهِ تَعالى فَلا إشْكالَ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعالى في آيَةِ ”الزُّخْرُفِ“ هَذِهِ أنَّ اللَّهَ لَمْ يُجِبْ دَعْوَةَ إبْراهِيمَ في جَمِيعِ ذُرِّيَّتِهِ، ولَمْ يَجْعَلِ الكَلِمَةَ باقِيَةً في جَمِيعِ عَقِبِهِ؛ لِأنَّ كُفّارَ مَكَّةَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِنَبِيِّنا ﷺ مِن عَقِبِهِ بِإجْماعِ العُلَماءِ، وقَدْ كَذَّبُوهُ ﷺ وقالُوا: إنَّهُ ساحِرٌ. وكَثِيرٌ مِنهم ماتَ عَلى ذَلِكَ. وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ﴾ يَعْنِي كُفّارَ مَكَّةَ وآباءَهم، حَتّى جاءَهُمُ الحَقُّ ورَسُولٌ مُبِينٌ، هو مُحَمَّدٌ ﷺ ﴿وَلَمّا جاءَهُمُ الحَقُّ قالُوا هَذا سِحْرٌ وإنّا بِهِ كافِرُونَ﴾ .
وَما دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ ”الزُّخْرُفِ“ هَذِهِ مِن أنَّ بَعْضَ عَقِبِ إبْراهِيمَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ الكَلِمَةَ المَذْكُورَةَ باقِيَةً فِيهِمْ - دَلَّتْ عَلَيْهِ آياتٌ أُخَرُ مِن كِتابِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ تَعالى في ”البَقَرَةِ“: (p-١٠٤)﴿قالَ ومِن ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٢٤] . أيِ الظّالِمِينَ مِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ.
وَقَوْلُهُ تَعالى في ”الصّافّاتِ“: ﴿وَبارَكْنا عَلَيْهِ وعَلى إسْحاقَ ومِن ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ [الصافات: ١١٣] .
فالمُحْسِنُ مِنهم هو الَّذِي الكَلِمَةُ باقِيَةٌ فِيهِ، والظّالِمُ لِنَفَسِهِ المُبِينُ مِنهم لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ تَعالى في ”النِّساءِ“: ﴿فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبْراهِيمَ الكِتابَ والحِكْمَةَ وآتَيْناهم مُلْكًا عَظِيمًا فَمِنهم مَن آمَنَ بِهِ ومِنهم مَن صَدَّ عَنْهُ وكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا﴾ .
وَقَدْ بَيَّنَ تَعالى في ”الحَدِيدِ“ أنَّ غَيْرَ المُهْتَدِينَ مِنهم كَثِيرُونَ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ أرْسَلْنا نُوحًا وإبْراهِيمَ وجَعَلْنا في ذُرِّيَّتِهِما النُّبُوَّةَ والكِتابَ فَمِنهم مُهْتَدٍ وكَثِيرٌ مِنهم فاسِقُونَ﴾ [الحديد: ٢٦] .
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ أيْ جَعَلَ الكَلِمَةَ باقِيَةً فِيهِمْ؛ لَعَلَّ الزّائِغَيْنِ الضّالَّيْنِ مِنهم يَرْجِعُونَ إلى الحَقِّ بِإرْشادِ المُؤْمِنِينَ الِمُهْتَدِينَ مِنهم؛ لِأنَّ الحَقَّ ما دامَ قائِمًا في جُمْلَتِهِمْ فَرُجُوعُ الزّائِغَيْنِ عَنْهُ إلَيْهِ مَرْجُوٌّ مَأْمُولٌ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ .
والرَّجاءُ المَذْكُورُ بِالنِّسْبَةِ إلى بَنِي آدَمَ؛ لِأنَّهم لا يَعْرِفُونَ مَن يَصِيرُ إلى الهُدى، ومَن يَصِيرُ إلى الضَّلالِ.
وَقالَ القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، وفي الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ.
والمَعْنى ﴿فَإنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾، ﴿لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾، ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِهِ لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾، أيْ قالَ لَهم، يَتُوبُونَ عَنْ عِبادَةِ غَيْرِ اللَّهِ. ا هـ مِنهُ.
وَإيضاحُ كَلامِهِ أنَّ المَعْنى أنَّ إبْراهِيمَ قالَ لِأبِيهِ وقَوْمِهِ: ﴿إنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ﴾ لِأجْلِ أنْ يَرْجِعُوا عَنِ الكُفْرِ إلى الحَقِّ.
والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: (لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ) عَلى هَذا راجِعٌ إلى أبِيهِ وقَوْمِهِ.
(p-١٠٥)وَعَلى ما ذَكَرْناهُ أوَّلًا فالضَّمِيرُ راجِعٌ إلى مَن ضَلَّ مِن عَقِبِهِ؛ لِأنَّ الضّالِّينَ مِنهم داخِلُونَ في لَفْظِ العَقِبِ.
فَرُجُوعُ ضَمِيرِهِمْ إلى العَقِبِ لا إشْكالَ فِيهِ، وهَذا القَوْلُ هو ظاهِرُ السِّياقِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى .
* * *
* مَسْألَةٌ
ظاهِرُ هَذِهِ الآياتِ الكَرِيمَةِ الَّتِي ذَكَرْنا يَدُلُّ عَلى اتِّحادِ مَعْنى العَقِبِ والذُّرِّيَّةِ والبَنِينَ؛ لِأنَّهُ قالَ في بَعْضِها عَنْ إبْراهِيمَ: ﴿واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ﴾ [إبراهيم: ٣٥] .
وَقالَ عَنْهُ في بَعْضِها: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ومِن ذُرِّيَّتِي﴾ [إبراهيم: ٤٠] . وفي بَعْضِها: ﴿رَبَّنا إنِّي أسْكَنْتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ الآيَةَ [إبراهيم: ٣٧] . وفي بَعْضِها قالَ: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾، وفي بَعْضِها: ﴿وَجَعَلْنا في ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ والكِتابَ﴾ [العنكبوت: ٢٧] . وفي بَعْضِها: ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِهِ﴾ .
فالظّاهِرُ المُتَبادِرُ مِنَ الآياتِ أنَّ المُرادَ بِالبَنِينَ والذُّرِّيَّةِ والعَقِبِ شَيْءٌ واحِدٌ؛ لِأنَّ جَمِيعَها في شَيْءٍ واحِدٍ. وبِذَلِكَ تَعْلَمُ أنَّ ظاهِرَ القُرْآنِ يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن وقَفَ وقْفًا أوْ تَصَدَّقَ صَدَقَةً عَلى بَنِيهِ أوْ ذُرِّيَّتِهِ أوْ عَقِبِهِ - أنَّ حُكْمَ ذَلِكَ واحِدٌ.
وَقَدْ دَلَّ بَعْضُ الآياتِ القُرْآنِيَّةِ عَلى أنَّ أوْلادَ البَناتِ يَدْخُلُونَ في اسْمِ الذَّرِّيَّةِ واسْمِ البَنِينَ.
وَإذا دَلَّ القُرْآنُ عَلى دُخُولِ ولَدِ البِنْتِ في اسْمِ الذُّرِّيَّةِ والبَنِينَ، والفَرْضُ أنَّ العَقِبَ بِمَعْناهُما - دَلَّ ذَلِكَ عَلى دُخُولِ أوْلادِ البَناتِ في العَقِبِ أيْضًا، فَمِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى دُخُولِ ولَدِ البِنْتِ في اسْمِ الذَّرِّيَّةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وسُلَيْمانَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وَعِيسى وإلْياسَ﴾ [الأنعام: ٨٤ - ٨٥] . وهَذا نَصٌّ قُرْآنِيٌّ صَرِيحٌ في دُخُولِ ولَدِ البِنْتِ في اسْمِ الذَّرِّيَّةِ؛ لِأنَّ عِيسى - عَلَيْهِ وعَلى نَبِيِّنا الصَّلاةُ والسَّلامُ - ولَدُ بِنْتٍ، إذْ لا أبَ لَهُ.
وَمِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى دُخُولِ ولَدِ البِنْتِ في اسْمِ البَنِينَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وبَناتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] . وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَبَناتُ الأخِ وبَناتُ الأُخْتِ﴾ [النساء: ٢٣] . لِأنَّ لَفْظَ البَناتِ في الألْفاظِ الثَّلاثَةِ - شامِلٌ لِبَناتِ البَناتِ وبَناتِ بَناتِهِنَّ، وهَذا لا نِزاعَ فِيهِ بَيْنَ (p-١٠٦)المُسْلِمِينَ، وهو نَصٌّ قُرْآنِيٌّ صَحِيحٌ في اسْتِواءِ بَناتِ بَنِيهِنَّ وبَناتِ بَناتِهِنَّ.
فَتَحَصَّلَ أنَّ دُخُولَ أوْلادِ البَناتِ في الوَقْفِ عَلى الذُّرِّيَّةِ والبَنِينَ والعَقِبِ، هو ظاهِرُ القُرْآنِ، ولا يَنْبَغِي العُدُولُ عَنْهُ.
وَكَلامُ فُقَهاءِ الأمْصارِ مِنَ الأئِمَّةِ الأرْبَعَةِ وغَيْرِهِمْ في الألْفاظِ المَذْكُورَةِ مَعْرُوفٌ، ومَن أرادَ الِاطِّلاعَ عَلَيْهِ فَلْيَنْظُرْ كُتُبَ فُرُوعِ المَذاهِبِ، ولَمْ نَبْسُطْ عَلى ذَلِكَ الكَلامَ هُنا؛ لِأنَّنا نُرِيدُ أنْ نَذْكُرَ هُنا ما يَدُلُّ ظاهِرُ القُرْآنِ عَلى تَرْجِيحِهِ مِن ذَلِكَ فَقَطْ.
أمّا لَفْظُ الوَلَدِ فَإنَّ القُرْآنَ يَدُلُّ عَلى أنَّ أوْلادَ البَناتِ لا يَدْخُلُونَ فِيهِ.
وَذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكُمْ﴾ الآيَةَ [النساء: ١١] . فَإنَّ قَوْلَهُ: ﴿فِي أوْلادِكُمْ﴾ لا يَدْخُلُ فِيهِ أوْلادُ البَناتِ، وذَلِكَ لا نِزاعَ فِيهِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وهو نَصٌّ صَرِيحٌ قُرْآنِيٌّ عَلى عَدَمِ دُخُولِ أوْلادِ البَناتِ في اسْمِ الوَلَدِ.
وَإنْ كانَ جَماهِيرُ العُلَماءِ عَلى أنَّ العَقِبَ والوَلَدَ سَواءٌ.
وَلا شَكَّ أنَّ اتِّباعَ القُرْآنِ هو المُتَعَيَّنُ عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ.
أمّا لَفْظُ النَّسْلِ فَظاهِرُ القُرْآنِ شُمُولُهُ لِأوْلادِ البَناتِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ ﴿الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وبَدَأ خَلْقَ الإنْسانِ مِن طِينٍ﴾ ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِن ماءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة: ٦ - ٨] - ظاهِرٌ في أنَّ لَفْظَةَ النَّسْلِ في الآيَةِ شامِلَةٌ لِأوْلادِ البَناتِ، كَما لا يَخْفى.
والألْفاظُ الَّتِي يَتَكَلَّمُ عَلَيْها العُلَماءُ في هَذا المَبْحَثِ هي أحَدَ عَشَرَ لَفْظًا ذَكَرْنا خَمْسَةً مِنها وهي: الذُّرِّيَّةُ والبَنُونَ والعَقِبُ والوَلَدُ والنَّسْلُ. وذَكَرْنا أنَّ أرْبَعَةً مِنها يَدُلُّ ظاهِرُ القُرْآنِ عَلى أنَّها يَدْخُلُ فِيها أوْلادُ البَناتِ، وواحِدٌ بِخِلافِ ذَلِكَ وهو الوَلَدُ.
وَأمّا السِّتَّةُ الباقِيَةُ مِنها فَهي: الآلُ والأهْلُ، ومَعْناهُما واحِدٌ.
والقَرابَةُ والعَشِيرَةُ والقَوْمُ والمَوالِي، وكَلامُ العُلَماءِ فِيها مُضْطَرِبٌ.
وَلَمْ يَحْضُرْنِي الآنَ تَحْدِيدٌ يَتَمَيَّزُ بِهِ ما يَدْخُلُ في كُلِّ واحِدٍ مِنها وما يَخْرُجُ عَنْهُ، إلّا عَلى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ، إلّا لَفْظَيْنِ مِنها وهُما القَرابَةُ والعَشِيرَةُ.
أمّا القَرابَةُ فَقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحِ عَنْهُ ﷺ ”«أنَّهُ أعْطى مِن خُمُسِ خَيْبَرَ بَنِي هاشِمٍ وبَنِي (p-١٠٧)المُطَّلِبِ» دُونَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وبَنِي نَوْفَلٍ“، مُبَيِّنًا أنَّ ذَلِكَ هو مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي القُرْبى﴾ [الأنفال: ٤١] . كَما تَقَدَّمَ إيضاحُهُ في سُورَةِ ”الأنْفالِ“ في الكَلامِ عَلى آيَةِ الخُمُسِ هَذِهِ.
وَأمّا العَشِيرَةُ فَقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحِ عَنْهُ ﷺ مِن حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ ﴿وَأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤] - صَعِدَ النَّبِيُّ ﷺ عَلى الصَّفا، فَجَعَلَ يُنادِي: ”يا بَنِي فِهْرٍ، يا بَنِي عَدِيٍّ»“ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتّى اجْتَمَعُوا، الحَدِيثَ. وفِيهِ تَحْدِيدُ العَشِيرَةِ الأقْرَبِينَ بِجَمِيعِ بَنِي فِهْرِ بْنِ مالِكٍ، وهو الجَدُّ العاشِرُ لَهُ ﷺ .
وَفِي رِوايَةِ أبِي هُرَيْرَةَ في الصَّحِيحِ أنَّهُ لَمّا نَزَلَتِ الآيَةُ المَذْكُورَةُ قالَ: «يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ» أوْ كَلِمَةً نَحْوَها، الحَدِيثَ، وقُرَيْشٌ هم أوْلادُ فِهْرِ بْنِ مالِكٍ. وقِيلَ: أوْلادُ النَّضْرِ بْنِ كِنانَةَ. والأوَّلُ هو الأظْهَرُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ المَذْكُورِ، وعَلَيْهِ الأكْثَرُ.
* * *
* تَنْبِيهٌ
[ فَإنْ قِيلَ ]: ذَكَرْتُمْ أنَّ ظاهِرَ القُرْآنِ يَدُلُّ عَلى دُخُولِ أوْلادِ البَناتِ في لَفْظِ البَنِينَ، والشّاعِرُ يَقُولُ في خِلافِ ذَلِكَ:
؎بَنُونا بَنُوا أبْنائِنا وبَناتُنا بَنُوهُنَّ أبْناءُ الرِّجالِ الأباعِدِ
وَكَثِيرٌ مِن أهْلِ الفِقْهِ يَذْكُرُونَ البَيْتَ المَذْكُورَ عَلى سَبِيلِ التَّسْلِيمِ لَهُ، قالُوا: ومِمّا يُوَضِّحُ صِدْقَهُ أنَّهم يُنْسَبُونَ إلى رِجالٍ آخَرِينَ، رُبَّما كانُوا أعْداءً لِأهْلِ أُمَّهاتِهِمْ، وكَثِيرًا ما يَتْبَعُ الوَلَدُ أباهُ وعُصْبَتَهُ في عَداوَةِ أخْوالِهِ وبُغْضِهِمْ، كَما هو مَعْلُومٌ.
[ فالجَوابُ ] أنَّ الواحِدَ بِالشَّخْصِ لَهُ جِهَتانِ، فَمَعْنى لَفْظِ الِابْنِ لَهُ جِهَةٌ خاصَّةٌ هي مَعْنى كَوْنِهِ خُلِقَ مِن ماءِ هَذا الرَّجُلِ عَلى وجْهٍ يَلْحَقُ فِيهِ نَسَبُهُ بِهِ، وهَذا المَعْنى مَنفِيٌّ عَنْ والِدِ أُمِّهِ، فَلا يُقالُ لَهُ: ابْنٌ - بِهَذا الِاعْتِبارِ وثابِتٌ لِأبِيهِ الَّذِي خُلِقَ مِن مائِهِ، ولَهُ جِهَةٌ أُخْرى هي كَوْنُهُ خارِجًا في الجُمْلَةِ مِن هَذا الشَّخْصِ، سَواءً كانَ بِالمُباشِرَةِ، أوْ بِواسِطَةِ ابْنِهِ أوْ بِنْتِهِ وإنْ سَفُلَ، فالبُنُوَّةُ بِهَذا المَعْنى ثابِتَةٌ لِوَلَدِ البِنْتِ، وهَذا المَعْنى هو الَّذِي عَناهُ ﷺ في قَوْلِهِ في الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما -: «وَإنَّ ابْنِي هَذا سَيِّدٌ» الحَدِيثَ، وهو المُرادُ في الآياتِ القُرْآنِيَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وبَناتُكُمْ﴾ ] (فالجَوابُ) أنَّ الواحِدَ بِالشَّخْصِ لَهُ جِهَتانِ، فَمَعْنى لَفْظِ الِابْنِ لَهُ جِهَةٌ خاصَّةٌ هي مَعْنى كَوْنِهِ خُلِقَ مِن ماءِ هَذا الرَّجُلِ عَلى وجْهٍ يَلْحَقُ فِيهِ نَسَبُهُ بِهِ، وهَذا المَعْنى مَنفِيٌّ عَنْ والِدِ أُمِّهِ، فَلا يُقالُ لَهُ: ابْنٌ - بِهَذا الِاعْتِبارِ وثابِتٌ لِأبِيهِ الَّذِي خُلِقَ مِن مائِهِ، ولَهُ جِهَةٌ أُخْرى هي كَوْنُهُ خارِجًا في الجُمْلَةِ مِن هَذا الشَّخْصِ، سَواءً كانَ بِالمُباشِرَةِ، أوْ بِواسِطَةِ ابْنِهِ أوْ بِنْتِهِ وإنْ سَفُلَ، فالبُنُوَّةُ بِهَذا المَعْنى ثابِتَةٌ لِوَلَدِ البِنْتِ، وهَذا المَعْنى هو الَّذِي عَناهُ ﷺ في قَوْلِهِ في الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما -: «وَإنَّ ابْنِي هَذا سَيِّدٌ» الحَدِيثَ، وهو المُرادُ في الآياتِ القُرْآنِيَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وبَناتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] . وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَبَناتُ الأخِ وبَناتُ الأُخْتِ﴾ [النساء: ٢٣] . وكَقَوْلِهِ تَعالى: (p-١٠٨)﴿لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ في آبائِهِنَّ ولا أبْنائِهِنَّ ولا إخْوانِهِنَّ ولا أبْناءِ إخْوانِهِنَّ ولا أبْناءِ أخَواتِهِنَّ﴾ الآيَةَ [الأحزاب: ٥٥] .
فَلَفْظُ البَناتِ والأبْناءِ في جَمِيعِ الآياتِ المَذْكُورَةِ شامِلٌ لِجَمِيعِ أوْلادِ البَنِينَ والبَناتِ وإنْ سَفُلُوا، وإنَّما شَمِلَهم مِنَ الجِهَةِ المَذْكُورَةِ بِالِاعْتِبارِ المَذْكُورِ، وهو إطْلاقُ لَفْظِ الِابْنِ عَلى كُلِّ مَن خَرَجَ مِنَ الشَّخْصِ في الجُمْلَةِ، ولَوْ بِواسِطَةِ بَناتِهِ.
وَأمّا البَيْتُ المَذْكُورُ فالمُرادُ بِهِ الجِهَةُ الأُولى والِاعْتِبارُ الأوَّلُ.
فَإنَّ بَنِي البَناتِ لَيْسُوا أبْناءً لِآباءِ أُمَّهاتِهِمْ مِن تِلْكَ الجِهَةِ، ولا بِذَلِكَ الِاعْتِبارِ؛ لِأنَّهم لَمْ يُخْلَقُوا مِن مائِهِمْ، وإنَّما خُلِقُوا مِن ماءِ رِجالٍ آخَرِينَ، رُبَّما كانُوا أباعِدَ، ورُبَّما كانُوا أعْداءً.
فَصَحَّ بِهَذا الِاعْتِبارِ نَفْيُ البُنُوَّةِ عَنِ ابْنِ البِنْتِ.
وَصَحَّ بِالِاعْتِبارِ الأوَّلِ إثْباتُ البُنُوَّةِ لَهُ، ولا تَناقُضَ مَعَ انْفِكاكِ الجِهَةِ.
وَإذا عَرَفْتَ مَعْنى الجِهَتَيْنِ المَذْكُورَتَيْنِ وأنَّهُ بِالنَّظَرِ إلى إحْداهُما تَثْبُتُ البُنُوَّةُ لِابْنِ البِنْتِ، وبِالنَّظَرِ إلى الأُخْرى تَنْتَفِي عَنْهُ.
فاعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ ﷺ: «إنَّ ابْنِي هَذا سَيِّدٌ»، وقَوْلَهُ تَعالى: ﴿وَبَناتُ الأخِ وبَناتُ الأُخْتِ﴾ [النساء: ٢٣] . ونَحْوَها مِنَ الآياتِ يَنْزِلُ عَلى إحْدى الجِهَتَيْنِ.
وَقَوْلَهُ تَعالى: ﴿ما كانَ مُحَمَّدٌ أبا أحَدٍ مِن رِجالِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤٠] - يَتَنَزَّلُ عَلى الجِهَةِ الأُخْرى. وتِلْكَ الجِهَةُ هي الَّتِي يَعْنِي الشّاعِرُ بِقَوْلِهِ: وبَناتُنا بَنُوهُنَّ أبْناءُ الرِّجالِ الأباعِدِ
وَيَزِيدُ ذَلِكَ إيضاحًا أنَّ قَبائِلَ العَرَبِ قَدْ تَكُونُ بَيْنَهم حُرُوبٌ ومُقاتَلاتٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ القِتالُ بَيْنَ أعْمامِ الرَّجُلِ وأخْوالِهِ، فَيَكُونُ مَعَ عُصْبَتِهِ دائِمًا عَلى أخْوالِهِ، كَما في البَيْتِ المَذْكُورِ.
وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مِنهم في أخْوالِهِ فَيُعامِلُونَهُ مُعامَلَةً دُونَ مُعامَلَتِهِمْ لِأبْنائِهِمْ.
كَما أوْضَحَ ذَلِكَ غَسّانُ بْنُ وعْلَةَ في شِعْرِهِ حَيْثُ يَقُولُ:
؎إذا كُنْتَ في سَعْدٍ وأُمُّكَ مِنهُمُ شَطِيرًا ∗∗∗ فَلا يَغْرُرْكَ خالُكَ مِن سَعْدِ
؎ (p-١٠٩)فَإنَّ ابْنَ أُخْتِ القَوْمِ مُصْغِي إناؤُهُ ∗∗∗ إذا لَمْ يُزاحِمْ خالَهُ بِأبٍ جَلْدِ
فَقَوْلُهُ: مُصْغِي إناؤُهُ مِنَ الإصْغاءِ وهو الإمالَةُ؛ لِأنَّ الإناءَ إذا أُمِيلَ ولَمْ يُتْرَكْ مُعْتَدِلًا لَمْ يَتَّسِعْ إلّا لِلْقَلِيلِ، فَهو كِنايَةٌ عَنْ نَقْصِ نَصِيبِهِ فِيهِمْ وقِلَّتِهِ.
وَعَلى الجِهَتَيْنِ المَذْكُورَتَيْنِ يَتَنَزَّلُ اخْتِلافُ الصَّحابَةِ في مِيراثِ الجَدِّ والإخْوَةِ.
فَمَن رَأى مِنهم أنَّهُ أبٌ يَحْجُبُ الإخْوَةَ، فَقَدْ راعى في الجَدِّ إحْدى الجِهَتَيْنِ.
وَمَن رَأى مِنهم أنَّهُ لَيْسَ بِأبٍ وأنَّهُ لا يَحْجُبُ الإخْوَةَ، فَقَدْ لاحَظَ الجِهَةَ الأُخْرى.
وَلَمْ نُطِلِ الكَلامَ هُنا في جَمِيعِ الألْفاظِ المَذْكُورَةِ الَّتِي هي أحَدَ عَشَرَ لَفْظًا خَوْفَ الإطالَةِ، ولِأنَّنا لَمْ نَجِدْ نُصُوصًا مِنَ الوَحْيِ تُحَدِّدُ شَيْئًا مِنها تَحْدِيدًا دَقِيقًا.
وَمَعْلُومٌ أنَّ لَفْظَ القَوْمِ مِنها قَدْ دَلَّ القُرْآنُ عَلى أنَّهُ يَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ دُونَ الإناثِ.
وَأنَّ الإناثَ قَدْ يَدْخُلْنَ فِيهِ بِحُكْمِ التَّبَعِ إذا اقْتَرَنَ بِما يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ.
لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: ﴿لا يَسْخَرْ قَومٌ مِن قَوْمٍ عَسى أنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنهم ولا نِساءٌ مِن نِساءٍ﴾ الآيَةَ [الحجرات: ١١] . فَعَطْفُهُ النِّساءَ عَلى القَوْمِ يَدُلُّ عَلى عَدَمِ دُخُولِهِنَّ في لَفْظِ القَوْمِ.
وَنَظِيرُهُ مِن كَلامِ العَرَبِ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
؎وَما أدْرِي وسَوْفَ إخالُ أدْرِي ∗∗∗ أقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أمْ نِساءُ
وَأمّا دُخُولُ النِّساءِ في القَوْمِ بِحُكْمِ التَّبَعِ عِنْدَ الِاقْتِرانِ بِما يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ - فَقَدْ بَيَّنَهُ قَوْلُهُ تَعالى في مَلِكَةِسَبَإٍ: ﴿وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إنَّها كانَتْ مِن قَوْمٍ كافِرِينَ﴾ [النمل: ٤٣] .
وَأمّا المَوالِي فَقَدْ دَلَّ القُرْآنُ واللُّغَةُ عَلى أنَّ المَوْلى يُطْلَقُ عَلى كُلِّ مَن لَهُ سَبَبٌ يُوالِي ويَوالى بِهِ.
وَلِذا أطْلَقَ عَلى اللَّهِ أنَّهُ مَوْلى المُؤْمِنِينَ؛ لِأنَّهم يُوالُونَهُ بِالطّاعَةِ ويُوالِيهِمْ بِالجَزاءِ.
وَنَفى وِلايَةَ الطّاعَةِ عَنِ الكافِرِينَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ مَوْلى الَّذِينَ آمَنُوا وأنَّ الكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ﴾ [محمد: ١١] .
(p-١١٠)وَأثْبَتَ لَهُ عَلَيْهِمْ وِلايَةَ المُلْكِ والقَهْرِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَرُدُّوا إلى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الحَقِّ وضَلَّ عَنْهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [ ١٠ ] . كَما أثْبَتَ لَهم وِلايَةَ النّارِ في قَوْلِهِ: ﴿مَأْواكُمُ النّارُ هي مَوْلاكُمْ﴾ الآيَةَ [الحديد: ١٥] .
وَأطْلَقَ تَعالى اسْمَ المَوالِي عَلى العُصَبَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٣٣] .
وَأطْلَقَ اسْمَ المَوْلى عَلى الأقارِبِ ونَحْوِهِمْ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا﴾ [الدخان: ٤١] .
وَيَكْثُرُ في كَلامِ العَرَبِ إطْلاقُ المَوالِي عَلى العَصَبَةِ وابْنِ العَمِّ، ومِنهُ قَوْلُ الفَضْلِ بْنِ العَبّاسِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أبِي لَهَبٍ: مَهْلًا بَنِي عَمِّنا مَهْلًا مَوالِينا لا تُظْهِرَنَّ لَنا ما كانَ مَدْفُونًا
وَقَوْلُ طَرَفَةَ بْنِ العَبْدِ:
؎وَأعْلَمُ عِلْمًا لَيْسَ بِالظَّنِّ أنَّهُ ∗∗∗ إذا ذَلَّ مَوْلى المَرْءِ فَهو ذَلِيلٌ
والحاصِلُ أنَّ مَن قالَ: هَذا وقْفٌ، أوْ صَدَقَةٌ عَلى قَوْمِي، أوْ مَوالِيَّ - أنَّهُ إنْ كانَ هُناكَ عُرْفٌ خاصٌّ، وجَبَ اتِّباعُهُ في ذَلِكَ، وإنْ لَمْ يَكُنْ هُناكَ عُرْفٌ فَلا نَعْلَمُ نَصًّا مِن كِتابِ ولا سُنَّةٍ يُحَدِّدُ ذَلِكَ تَحْدِيدًا دَقِيقًا.
وَكَلامُ أهْلِ العِلْمِ فِيهِ مَعْرُوفٌ في مَحالِّهِ.
والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى .
{"ayah":"وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِیَةࣰ فِی عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق