الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ وأصْفاكم بِالبَنِينَ﴾ . (أمْ) هُنا بِمَعْنى اسْتِفْهامِ الإنْكارِ؛ فالكُفّارُ لَمّا قالُوا: المَلائِكَةُ بَناتُ اللَّهِ - أنْكَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أشَدَّ الإنْكارِ، مُوَبِّخًا لَهم أشَدَّ التَّوْبِيخِ؛ حَيْثُ افْتَرَوْا عَلَيْهِ الوَلَدَ، ثُمَّ جَعَلُوا لَهُ أنْقَصَ الوَلَدَيْنِ وأحْقَرَهُما، وهو الأُنْثى، كَما قالَ هُنا: ﴿أمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ﴾، وهي النَّصِيبُ الأدْنى مِنَ الأوْلادِ، (وأصْفاكم) أنْتُمْ، أيْ خُصِّكم وآثَرَكم (بِالبَنِينَ) الَّذِينَ هُمُ النَّصِيبُ الأعْلى مِنَ الأوْلادِ. وَإنْكارُ هَذا عَلَيْهِمْ وتَوْبِيخُهم عَلَيْهِ - جاءَ مُوَضَّحًا في آياتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ هُنا: (p-٩١)﴿وَإذا بُشِّرَ أحَدُهم بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا﴾ [الزخرف: ١٧] . يَعْنِي الأُنْثى، كَما أوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإذا بُشِّرَ أحَدُهم بِالأُنْثى ظَلَّ وجْهُهُ مُسْوَدًّا وهو كَظِيمٌ﴾ [النحل: ٥٨] يَعْنِي فَكَيْفَ تَجْعَلُونَ لِلَّهِ الإناثَ وأنْتُمْ لَوْ بُشِّرَ الواحِدُ مِنكم بِأنَّ امْرَأتَهُ ولَدَتْ أُنْثى لَظَلَّ وجْهُهُ مُسْوَدًّا، يَعْنِي مِنَ الكَآبَةِ، وهو كَظِيمٌ، أيْ مُمْتَلِئٌ حُزْنًا وغَمًّا، وكَقَوْلِهِ تَعالى هُنا: ﴿أوَمَن يُنَشَّأُ في الحِلْيَةِ وهو في الخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨] فَفِيهِ إنْكارٌ شَدِيدٌ وتَقْرِيعٌ عَظِيمٌ لَهم بِأنَّهم مَعَ افْتِرائِهِمْ عَلَيْهِ - جَلَّ وعَلا - الوَلَدَ جَعَلُوا لَهُ أنْقَصَ الوَلَدَيْنِ، الَّذِي لِنَقْصِهِ الخُلُقِيِّ يَنْشَأُ في الحِلْيَةِ - مِنَ الحُلِيِّ، والحُلَلِ وأنْواعِ الزِّينَةِ - مِن صِغَرِهِ إلى كِبَرِهِ؛ لِيَجْبُرَ بِتِلْكَ الزِّينَةِ نَقْصَهُ الخُلُقِيَّ الطَّبِيعِيَّ، وهو في الخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ؛ لِأنَّ الأُنْثى غالِبًا لا تَقْدِرُ عَلى القِيامِ بِحُجَّتِها ولا الدِّفاعَ عَنْ نَفْسِها. وَقَدْ أوْضَحْنا هَذا المَعْنى بِشَواهِدِهِ العَرَبِيَّةِ غايَةَ الإيضاحِ في سُورَةِ ”بَنِي إسْرائِيلَ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ هَذا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقْوَمُ﴾ [الإسراء: ٩] . • وكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البَناتِ سُبْحانَهُ ولَهم ما يَشْتَهُونَ﴾ [النحل: ٥٧] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ﴾ [النحل: ٦٢] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَأصْفاكم رَبُّكم بِالبَنِينَ واتَّخَذَ مِنَ المَلائِكَةِ إناثًا إنَّكم لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا﴾ [الإسراء: ٤٠] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألَكُمُ الذَّكَرُ ولَهُ الأُنْثى تِلْكَ إذًا قِسْمَةٌ ضِيزى﴾ [النجم: ٢١ - ٢٢] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاسْتَفْتِهِمْ ألِرَبِّكَ البَناتُ ولَهُمُ البَنُونَ﴾ ﴿أمْ خَلَقْنا المَلائِكَةَ إناثًا وهم شاهِدُونَ﴾ ﴿ألا إنَّهم مِن إفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ﴾ ﴿وَلَدَ اللَّهُ وإنَّهم لَكاذِبُونَ﴾ ﴿أاصْطَفى البَناتِ عَلى البَنِينَ﴾ ﴿ما لَكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ ﴿أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ ﴿أمْ لَكم سُلْطانٌ مُبِينٌ﴾ ﴿فَأْتُوا بِكِتابِكم إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [الصافات: ١٤٩ - ١٥٧] . وَقَدْ قَدَّمْنا كَثِيرًا مِنَ الآياتِ المُوَضِّحَةِ لِهَذا المَعْنى في سُورَةِ ”النَّحْلِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البَناتِ سُبْحانَهُ ولَهم ما يَشْتَهُونَ﴾ [النحل: ٥٧] . ووَجْهُ التَّعْبِيرِ عَنِ الأُنْثى بِما ضُرِبَ مَثَلًا لِلَّهِ في قَوْلِهِ: ﴿وَإذا بُشِّرَ أحَدُهم بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا﴾ الآيَةَ [الزخرف: ١٧] - ظاهِرٌ؛ لِأنَّ البَناتِ المَزْعُومَةَ يُلْزِمُ ادِّعاؤُها أنْ تَكُونَ مِن جِنْسِ مَن نُسِبَتْ إلَيْهِ؛ لِأنَّ الوالِدَ والوَلَدَ مَن جِنْسٍ واحِدٍ، وكِلاهُما يُشْبِهُ الآخَرَ في صِفاتِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب