الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ والأرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ﴾ . مَقالِيدُ السَّمَواتِ والأرْضِ هي مَفاتِيحُهُما، وهو جَمْعٌ لا واحِدَ لَهُ مِن لَفْظِهِ، فَمُفْرَدُها إقْلِيدٌ، وجَمْعُها مَقالِيدُ عَلى غَيْرِ قِياسٍ، والإقْلِيدُ المِفْتاحُ. وقِيلَ: واحِدُها مِقْلِيدٌ، وهو قَوْلٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ في اللُّغَةِ. وَكَوْنُهُ - جَلَّ وعَلا - لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ والأرْضِ أيْ مَفاتِيحُهُما، كِنايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ - جَلَّ وعَلا - هو وحْدَهُ المالِكُ لِخَزائِنِ السَّماواتِ والأرْضِ؛ لِأنَّ مِلْكَ مَفاتِيحِها يَسْتَلْزِمُ مِلْكَها. وَقَدْ ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - مِثْلَ هَذا في سُورَةِ ”الزُّمَرِ“ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ وكِيلٌ﴾ ﴿لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ الآيَةَ [الزمر: ٦٢ - ٦٣] . وَما دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ ”الشُّورى“ هَذِهِ وآيَةُ ”الزُّمَرِ“ المَذْكُورَتانِ مِن أنَّهُ - جَلَّ وعَلا - هو مالِكُ خَزائِنِ السَّماواتِ والأرْضِ، جاءَ مُوَضَّحًا في آياتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ والأرْضِ ولَكِنَّ المُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ﴾ [المنافقون: ٧] . وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ مِن شَيْءٍ إلّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وما نُنَزِّلُهُ إلّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر: ٢١] . (p-٦٠)وَبَيَّنَ في مَواضِعَ أُخَرَ أنَّ خَزائِنَ رَحْمَتِهِ لا يُمْكِنُ أنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِ، • كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمْ عِنْدَهم خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العَزِيزِ الوَهّابِ﴾ [ص: ٩] . • وقَوْلِهِ تَعالى ﴿أمْ عِنْدَهم خَزائِنُ رَبِّكَ أمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ﴾ [الطور: ٣٧] . • وقَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ لَوْ أنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إذًا لَأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفاقِ وكانَ الإنْسانُ قَتُورًا﴾ [الإسراء: ١٠٠] . وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ﴾ جاءَ مَعْناهُ مُوَضَّحًا في آياتٍ أُخَرَ، • كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ إنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ ويَقْدِرُ لَهُ﴾ الآيَةَ [سبإ: ٣٩] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ إنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [سبإ: ٣٦] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ وفَرِحُوا بِالحَياةِ الدُّنْيا﴾ الآيَةَ [الرعد: ٢٦] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكم عَلى بَعْضٍ في الرِّزْقِ﴾ الآيَةَ [النحل: ٧١] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهم مَعِيشَتَهم في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ الآيَةَ [الزخرف: ٣٢] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أوْ فَقِيرًا فاللَّهُ أوْلى بِهِما﴾ الآيَةَ [النساء: ١٣٥] . • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ ومَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللَّهُ﴾ الآيَةَ [الطلاق: ٧] . وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ [الطلاق: ٧] أيْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ لِقِلَّتِهِ. وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ﴾ في الآياتِ المَذْكُورَةِ. أيْ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ بَسْطَهُ لَهُ ويَقْدِرُ، أيْ يُضَيِّقُ الرِّزْقَ عَلى مَن يَشاءُ تَضْيِيقَهُ عَلَيْهِ، كَما أوْضَحْناهُ في سُورَةِ ”الأنْبِياءِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ [الأنبياء: ٨٧] . وَقَدْ بَيَّنَ - جَلَّ وعَلا - في بَعْضِ الآياتِ حِكْمَةَ تَضْيِيقِهِ لِلرِّزْقِ عَلى مَن ضَيَّقَهُ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ أنَّ مِن حُكْمِ ذَلِكَ أنَّ بَسْطَ الرِّزْقِ لِلْإنْسانِ، قَدْ يَحْمِلُهُ عَلى البَغْيِ والطُّغْيانِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا في الأرْضِ ولَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: ٢٧] . وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَلّا إنَّ الإنْسانَ لَيَطْغى أنْ رَآهُ اسْتَغْنى﴾ [العلق: ٦] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب