الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ﴾ .
(كِتابٌ) خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: هَذا كِتابٌ، والكِتابُ فِعالٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ، أيْ مَكْتُوبٌ.
وَإنَّما قِيلَ لَهُ (كِتابٌ) لِأنَّهُ مَكْتُوبٌ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿بَلْ هو قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج: ٢١ - ٢٢] .
وَمَكْتُوبٌ أيْضًا في صُحُفٍ عِنْدَ المَلائِكَةِ؛ كَما قالَ تَعالى: ﴿كَلّا إنَّها تَذْكِرَةٌ﴾ ﴿فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ﴾ ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ﴾ ﴿مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ﴾ ﴿بِأيْدِي سَفَرَةٍ﴾ ﴿كِرامٍ بَرَرَةٍ﴾ [عبس: ١١ - ١٦] .
وَقالَ تَعالى في قِراءَةِ النَّبِيِّ ﷺ لِما تَضَمَّنَتْهُ الصُّحُفُ المَكْتُوبُ فِيها القُرْآنُ: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ ﴿فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ [البينة: ٢ - ٣] .
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿فُصِّلَتْ آياتُهُ﴾ التَّفْصِيلُ ضِدُّ الإجْمالِ، أيْ فَصَّلَ اللَّهُ آياتِ هَذا القُرْآنِ، أيْ بَيَّنَها وأوْضَحَ فِيها ما يَحْتاجُ إلَيْهِ الخَلْقُ مِن أُمُورِ دِينِهِمْ ودُنْياهم.
والمُسَوِّغُ لِحَذْفِ الفاعِلِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فُصِّلَتْ آياتُهُ﴾ هو العِلْمُ بِأنَّ تَفْصِيلَ آياتِ هَذا القُرْآنِ لا يَكُونُ إلّا مِنَ اللَّهِ وحْدَهُ.
وَما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مِن تَفْصِيلِ آياتِ هَذا الكِتابِ، جاءَ مُوَضَّحًا في آياتٍ أُخَرَ، مُبَيَّنًا فِيها أنَّ اللَّهَ فَصَّلَهُ عَلى عِلْمٍ مِنهُ، وأنَّ الَّذِي فَصَّلَهُ حَكِيمٌ خَبِيرٌ، وأنَّهُ فَصَّلَهُ لِيَهْدِيَ (p-٤)بِهِ النّاسَ ويَرْحَمَهم، وأنَّ تَفْصِيلَهُ شامِلٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، وأنَّهُ لا شَكَّ أنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ،
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْناهم بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدًى ورَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٥٢]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: ١] .
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما كانَ هَذا القُرْآنُ أنْ يُفْتَرى مِن دُونِ اللَّهِ ولَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ الكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ [يونس: ٣٧]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما كانَ حَدِيثًا يُفْتَرى ولَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وهُدًى ورَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [هود: ١١١]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَغَيْرَ اللَّهِ أبْتَغِي حَكَمًا وهو الَّذِي أنْزَلَ إلَيْكُمُ الكِتابَ مُفَصَّلًا﴾ [الأنعام: ١١٤]،
والآياتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ ﴿بَشِيرًا ونَذِيرًا فَأعْرَضَ أكْثَرُهم فَهم لا يَسْمَعُونَ﴾
قَوْلُهُ: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا) قَدْ تَكَلَّمْنا عَلَيْهِ وعَلى الآياتِ الَّتِي بِمَعْناهُ في القُرْآنِ في سُورَةِ ”الزُّمَرِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُرْءانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ [الزمر: ٢٨] .
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [فصلت: ٣] أيْ فُصِّلَتْ آياتُهُ في حالِ كَوْنِهِ (قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) .
وَإنَّما خَصَّهم بِذَلِكَ لِأنَّهم هُمُ المُنْتَفِعُونَ بِتَفْصِيلِهِ، كَما خَصَّهم بِتَفْصِيلِ الآياتِ في سُورَةِ ”يُونُسَ“ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إلّا بِالحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [يونس: ٥] وفي سُورَةِ ”الأنْعامِ“ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قَدْ فَصَّلْنا الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ ﴿وَهُوَ الَّذِي أنْشَأكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ ومُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنا الآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ [الأنعام: ٩٧ - ٩٨] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَقَدْ أوْضَحْنا وجْهَ تَخْصِيصِ المُنْتَفِعِينَ بِالأمْرِ المُشْتَرَكِ دُونَ غَيْرِهِمْ في سُورَةِ ”فاطِرٍ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهم بِالغَيْبِ وأقامُوا الصَّلاةَ﴾ [فاطر: ١٨] وبَيَّنّا هُناكَ أنَّ تَخْصِيصَهم بِالإنْذارِ دُونَ غَيْرِهِمْ في آيَةِ ”فاطِرٍ“ هَذِهِ، وفي قَوْلِهِ تَعالى في ”يس“: ﴿إنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ﴾ [يس: ١١]،
• وقَوْلِهِ في النّازِعاتِ: ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرُ مَن يَخْشاها﴾ [النازعات: ٤٥]،
• وقَوْلِهِ في ”الأنْعامِ“ ﴿وَأنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْ يُحْشَرُوا إلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهم مِن دُونِهِ ولِيٌّ ولا شَفِيعٌ﴾ (p-٥)الآيَةَ [الأنعام: ٥١] . مَعَ أنَّ أصْلَ الإنْذارِ عامٌّ شامِلٌ لِلْمَذْكُورِينَ وغَيْرِهِمْ، كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ١] .
وَإنَّما خَصَّ المَذْكُورِينَ بِالإنْذارِ، لِأنَّهم هُمُ المُنْتَفِعُونَ بِهِ؛ لِأنَّ مَن لَمْ يَنْتَفِعْ بِالإنْذارِ، ومَن لَمْ يُنْذَرْ أصْلًا - سَواءٌ في عَدَمِ الِانْتِفاعِ، كَما قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أأنْذَرْتَهم أمْ لَمْ تُنْذِرْهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس: ١٠] .
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿بَشِيرًا ونَذِيرًا﴾ [فصلت: ٤] حالٌ بَعْدَ حالٍ. وقَدْ قَدَّمَنا الكَلامَ عَلَيْهِ وبَعْضَ شَواهِدِهِ العَرَبِيَّةِ في أوَّلِ سُورَةِ ”الكَهْفِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَدُنْهُ ويُبَشِّرَ المُؤْمِنِينَ﴾ [الكهف: ٢]، وبَسَطْنا الكَلامَ عَلَيْهِ في أوَّلِ سُورَةِ ”الأعْرافِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كِتابٌ أُنْزِلَ إلَيْكَ فَلا يَكُنْ في صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ٢] .
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿فَأعْرَضَ أكْثَرُهُمْ﴾ .
قَدْ قَدَّمَنا الآياتِ المُوَضِّحَةَ لَهُ في سُورَةِ ”يس“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَقَدْ حَقَّ القَوْلُ عَلى أكْثَرِهِمْ فَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس: ٧] وفي سُورَةِ ”الأنْعامِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ تُطِعْ أكْثَرَ مَن في الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦] .
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: فَهم لا يَسْمَعُونَ أيْ لا يَسْمَعُونَ سَماعَ قَبُولٍ وانْتِفاعٍ.
وَقَدْ أوْضَحْنا ذَلِكَ بِالآياتِ القُرْآنِيَّةِ في سُورَةِ ”النَّمْلِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتى ولا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ﴾ الآيَةَ [النمل: ٨٠] .
{"ayah":"كِتَـٰبࣱ فُصِّلَتۡ ءَایَـٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِیࣰّا لِّقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق