الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهم فاسْتَحَبُّوا العَمى عَلى الهُدى﴾ . قَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: فَهَدَيْناهم المُرادُ بِالهُدى فِيهِ هُدى الدَّلالَةِ والبَيانِ والإرْشادِ، لا هُدى التَّوْفِيقِ والِاصْطِفاءِ. والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى بَعْدَهُ: ﴿فاسْتَحَبُّوا العَمى عَلى الهُدى﴾؛ لِأنَّها لَوْ كانَتْ هِدايَةَ تَوْفِيقٍ لَما انْتَقَلَ صاحِبُها عَنِ الهُدى إلى العَمى. وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿فاسْتَحَبُّوا العَمى عَلى الهُدى﴾ أيِ اخْتارُوا الكُفْرَ عَلى الإيمانِ وآثَرُوهُ عَلَيْهِ، وتَعَوَّضُوهُ مِنهُ. وَهَذا المَعْنى الَّذِي ذَكَرْنا يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكم وإخْوانَكم أوْلِياءَ إنِ اسْتَحَبُّوا الكُفْرَ عَلى الإيمانِ﴾ [التوبة: ٢٣] فَقَوْلُهُ في آيَةِ ”التَّوْبَةِ“ هَذِهِ: (p-٢٠)﴿إنِ اسْتَحَبُّوا الكُفْرَ عَلى الإيمانِ﴾ مُوافِقٌ في المَعْنى لِقَوْلِهِ هُنا: فاسْتَحَبُّوا العَمى عَلى الهُدى. وَنَظِيرُ ذَلِكَ في المَعْنى قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الحَياةَ الدُّنْيا عَلى الآخِرَةِ ويَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٣] . فَلَفْظَةُ اسْتَحَبَّ في القُرْآنِ كَثِيرًا ما تَتَعَدّى بِعَلى؛ لِأنَّها في مَعْنى اخْتارَ وآثَرَ. وَقَدْ قَدَّمْنا في سُورَةِ ”هُودٍ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَثَلُ الفَرِيقَيْنِ كالأعْمى﴾ - أنَّ العَمى الكُفْرُ، وأنَّ المُرادَ بِالأعْمى في آياتٍ عَدِيدَةٍ الكافِرُ. وَما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مِن أنَّ الهُدى يَأْتِي في القُرْآنِ بِمَعْناهُ العامِّ، الَّذِي هو البَيانُ والدَّلالَةُ والإرْشادُ - لا يُنافِي أنَّ الهُدى قَدْ يُطْلَقُ في القُرْآنِ في بَعْضِ المَواضِعِ عَلى الهُدى الخاصِّ الَّذِي هو التَّوْفِيقُ والِاصْطِفاءُ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: ٩٠] . فَمِن إطْلاقِ القُرْآنِ الهُدى عَلى مَعْناهُ العامِّ قَوْلُهُ هُنا: ﴿وَأمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ﴾ أيْ بَيَّنّا لَهم طَرِيقَ الحَقِّ وأمَرْناهم بِسُلُوكِها، وطُرُقِ الشَّرِّ ونَهَيْناهم عَنْ سُلُوكِها عَلى لِسانِ نَبِيِّنا صالِحٍ - عَلَيْهِ وعَلى نَبِيِّنا الصَّلاةُ والسَّلامُ -: ﴿فاسْتَحَبُّوا العَمى عَلى الهُدى﴾ أيِ اخْتارُوا الكَفْرَ عَلى الإيمانِ بَعْدَ إيضاحِ الحَقِّ لَهم. وَمِن إطْلاقِهِ عَلى مَعْناهُ العامِّ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ﴾ [الإنسان: ٣] بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: ﴿إمّا شاكِرًا وإمّا كَفُورًا﴾؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ هُدى تَوْفِيقٍ لَما قالَ: ﴿وَإمّا كَفُورًا﴾ . وَمِن إطْلاقِهِ عَلى مَعْناهُ الخاصِّ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: ٩٠] . وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهم هُدًى﴾ [محمد: ١٧] . وقَوْلُهُ: ﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهو المُهْتَدِي﴾ [الكهف: ١٧] . وَبِمَعْرِفَةِ هَذَيْنِ الإطْلاقَيْنِ تَتَيَسَّرُ إزالَةُ إشْكالٍ قُرْآنِيٍّ وهو أنَّهُ تَعالى: أثْبَتَ الهُدى لِنَبِيِّنا ﷺ في آيَةٍ، وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] ونَفاهُ عَنْهُ في آيَةٍ أُخْرى، وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] . (p-٢١)فَيُعْلَمُ مِمّا ذَكَرْنا أنَّ الهُدى المُثْبَتَ لَهُ ﷺ هو الهُدى العامُّ، الَّذِي هو البَيانُ والدَّلالَةُ والإرْشادُ، وقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ ﷺ فَبَيَّنَ المَحَجَّةَ البَيْضاءَ، حَتّى تَرَكَها لَيْلُها كَنَهارِها، لا يَزِيغُ عَنْها هالِكٌ. والهُدى المَنفِيُّ عَنْهُ في آيَةِ: ﴿إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] - هو الهُدى الخاصُّ، الَّذِي هو التَّفَضُّلُ بِالتَّوْفِيقِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ بِيَدِ اللَّهِ وحْدَهُ، ولَيْسَ بِيَدِهِ ﷺ كَما قالَ تَعالى: ﴿وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ الآيَةَ [المائدة: ٤١] . وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهم فَإنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن يُضِلُّ﴾ [النحل: ٣٧] . والآياتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِلنّاسِ﴾ الآيَةَ [البقرة: ١٨٥] - لا مُنافاةَ فِيهِ بَيْنَ عُمُومِ النّاسِ في هَذِهِ الآيَةِ، وخُصُوصِ المُتَّقِينَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذَلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ لِأنَّ الهُدى العامَّ لِلنّاسِ هو الهُدى العامُّ، والهُدى الخاصُّ بِالمُتَّقِينَ هو الهُدى الخاصُّ، كَما لا يَخْفى. وَقَدْ بَيَّنّا هَذا في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى . * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأخَذَتْهم صاعِقَةُ العَذابِ الهُونِ﴾ . الفاءُ في قَوْلِهِ: (فَأخَذَتْهم) سَبَبِيَّةٌ، أيْ فاسْتَحَبُّوا العَمى عَلى الهُدى، وبِسَبَبِ ذَلِكَ أخَذَتْهم صاعِقَةُ العَذابِ الهُونِ. واعْلَمْ أنَّ اللَّهَ - جَلَّ وعَلا - عَبَّرَ عَنِ الهَلاكِ الَّذِي أهْلَكَ بِهِ ثَمُودَ بِعِباراتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَذَكَرَهُ هَنا باسِمِ الصّاعِقَةِ في قَوْلِهِ: ﴿فَأخَذَتْهم صاعِقَةُ العَذابِ الهُونِ﴾، وقَوْلِهِ: ﴿فَقُلْ أنْذَرْتُكم صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وثَمُودَ﴾ [فصلت: ٣١] . وَعَبَّرَ عَنْهُ أيْضًا بِالصّاعِقَةِ في سُورَةِ ”الذّارِياتِ“ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَفِي ثَمُودَ إذْ قِيلَ لَهم تَمَتَّعُوا حَتّى حِينٍ﴾ ﴿فَعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبِّهِمْ فَأخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ وهم يَنْظُرُونَ﴾ [الذاريات: ٤٣ - ٤٤] . وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالصَّيْحَةِ في آياتٍ مِن كِتابِهِ، • كَقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ ”هُودٍ“ في إهْلاكِهِ ثَمُودَ: ﴿وَأخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأصْبَحُوا في دِيارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ ﴿كَأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها ألا إنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهم ألا بُعْدًا لِثَمُودَ﴾ (p-٢٢)[هود: ٦٧ - ٦٨] • وقَوْلِهِ تَعالى في ”الحِجْرِ“: ﴿وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ ﴿فَأخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ﴾ [الحجر: ٨٢ - ٨٣] • وقَوْلِهِ تَعالى في القَمَرِ: ﴿إنّا أرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ المُحْتَظِرِ﴾ [القمر: ٣١] • وقَوْلِهِ تَعالى في ”العَنْكَبُوتِ“ ﴿وَمِنهم مَن أخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ﴾ يَعْنِي بِهِ ثَمُودَ المَذْكُورِينَ في قَوْلِهِ قَبْلَهُ: ﴿وَعادًا وثَمُودَ وقَدْ تَبَيَّنَ لَكم مِن مَساكِنِهِمْ﴾ الآيَةَ [العنكبوت: ٣٨] . وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالرَّجْفَةِ في سُورَةِ الأعْرافِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَعَقَرُوا النّاقَةَ وعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبِّهِمْ وقالُوا ياصالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ ﴿فَأخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ الآيَةَ [الأعراف: ٧٧ - ٥١] . وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّدْمِيرِ في سُورَةِ ”النَّمْلِ“ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أنّا دَمَّرْناهم وقَوْمَهم أجْمَعِينَ﴾ [النمل: ٥١] . وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالطّاغِيَةِ في ”الحاقَّةِ“ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطّاغِيَةِ﴾ [الحاقة: ٥] . وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالدَّمْدَمَةِ في ”الشَّمْسِ“ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها﴾ ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهم بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها﴾ [الشمس: ١٤] . وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالعَذابِ في سُورَةِ ”الشُّعَراءِ“ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَعَقَرُوها فَأصْبَحُوا نادِمِينَ﴾ ﴿فَأخَذَهُمُ العَذابُ إنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً﴾ [الشعراء: ١٥٧ - ١٥٨] . وَمَعْنى هَذِهِ العِباراتِ كُلِّها راجِعٌ إلى شَيْءٍ واحِدٍ، وهو أنَّ اللَّهَ أرْسَلَ عَلَيْهِمْ صَيْحَةً أهْلَكَتْهم، والصَّيْحَةُ الصَّوْتُ المُزْعِجُ المُهْلِكُ. والصّاعِقَةُ تُطْلَقُ أيْضًا عَلى الصَّوْتِ المُزْعِجِ المُهْلِكِ، وعَلى النّارِ المُحْرِقَةِ، وعَلَيْهِما مَعًا، ولِشِدَّةِ عِظَمِ الصَّيْحَةِ وهَوْلِها مِن فَوْقِهِمْ رَجَفَتْ بِهِمُ الأرْضُ مِن تَحْتِهِمْ، أيْ تَحَرَّكَتْ حَرَكَةً قَوِيَّةً، فاجْتَمَعَ فِيها أنَّها صَيْحَةٌ وصاعِقَةٌ ورَجْفَةٌ، وكَوْنُ ذَلِكَ تَدْمِيرًا واضِحٌ. وقِيلَ لَها طاغِيَةٌ؛ لِأنَّها واقِعَةٌ مُجاوَزَةٌ لِلْحَدِّ في القُوَّةِ وشِدَّةِ الإهْلاكِ. والطُّغْيانُ في لُغَةِ العَرَبِ مُجاوَزَةُ الحَدِّ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا لَمّا طَغى الماءُ﴾ الآيَةَ [الحاقة: ١١] أيْ جاوَزَ الحُدُودَ الَّتِي يَبْلُغُها الماءُ عادَةً. (p-٢٣)واعْلَمْ أنَّ التَّحْقِيقَ أنَّ المُرادَ بِالطّاغِيَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطّاغِيَةِ﴾ [الحاقة: ٥] أنَّها الصَّيْحَةُ الَّتِي أهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِها، كَما يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: ﴿وَأمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٦] . خِلافًا لِمَن زَعَمَ أنَّ الطّاغِيَةَ مَصْدَرٌ كالعاقِبَةِ والعافِيَةِ، وأنَّ المَعْنى أنَّهم أُهْلِكُوا بِطُغْيانِهِمْ، أيْ بِكُفْرِهِمْ وتَكْذِيبِهِمْ نَبِيَّهم، كَقَوْلِهِ: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها﴾ [الشمس: ١١] . وَخِلافًا لِمَن زَعَمَ أنَّ الطّاغِيَةَ هي أشْقاهُمُ الَّذِي انْبَعَثَ فَعَقَرَ النّاقَةَ، وأنَّهم أُهْلِكُوا بِسَبَبِ فِعْلِهِ، وهو عَقْرُهُ النّاقَةَ، وكُلُّ هَذا خِلافُ التَّحْقِيقِ. والصَّوابُ - إنْ شاءَ اللَّهُ - هو ما ذَكَرْنا، والسِّياقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، واخْتارَهُ غَيْرُ واحِدٍ. وَأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهم بِذَنْبِهِمْ﴾ [الشمس: ١٤] فَإنَّهُ لا يُخالِفُ ما ذَكَرْنا؛ لِأنَّ مَعْنى دَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهم بِذَنْبِهِمْ، أيْ أطْلَقَ عَلَيْهِمُ العَذابَ وألْبَسَهم إيّاهُ، بِسَبَبِ ذَنْبِهِمْ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في مَعْنى دَمْدَمَ: وهو مِن تَكْرِيرِ قَوْلِهِمْ: ناقَةٌ مَدْمُومَةٌ، إذا أُلْبِسَها الشَّحْمُ. وَأمّا إطْلاقُ العَذابِ عَلَيْهِ في سُورَةِ ”الشُّعَراءِ“ فَواضِحٌ، فاتَّضَحَ رُجُوعُ مَعْنى الآياتِ المَذْكُورَةِ إلى شَيْءٍ واحِدٍ. وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ ﴿صاعِقَةُ العَذابِ الهُونِ﴾ - مِنَ النَّعْتِ بِالمَصْدَرِ؛ لِأنَّ الهُونِ مَصْدَرٌ بِمَعْنى الهَوانِ، والنَّعْتُ بِالمَصْدَرِ أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ، أشارَ إلَيْهِ في الخُلاصَةِ بِقَوْلِهِ: ؎وَنَعَتُوا بِمَصْدَرٍ كَثِيرًا فالتَزَمُوا الإفْرادَ والتَّذْكِيرا وَهُوَ مُوَجَّهٌ بِأحَدِ أمْرَيْنِ: أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيِ العَذابِ ذِي الهُونِ. والثّانِي: أنَّهُ عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ، فَكَأنَّ العَذابَ لِشِدَّةِ اتِّصافِهِ بِالهَوانِ اللّاحِقِ بِمَن وقَعَ عَلَيْهِ - صارَ كَأنَّهُ نَفْسُ الهَوانِ، كَما هو مَعْرُوفٌ في مَحَلِّهِ. (p-٢٤)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ كالتَّوْكِيدِ في المَعْنى؛ لِقَوْلِهِ: ﴿فاسْتَحَبُّوا العَمى عَلى الهُدى﴾؛ لِأنَّ كُلًّا مِنهُما سَبَبٌ لِأخْذِ الصّاعِقَةِ إيّاهم، فالفاءُ في قَوْلِهِ: (فَأخَذَتْهم) سَبَبِيَّةٌ، والباءُ في قَوْلِهِ: (بِما كانُوا) سَبَبِيَّةٌ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب