الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا رَبَّنا أمَتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْنِ﴾ . التَّحْقِيقُ الَّذِي لا يَنْبَغِي العُدُولُ عَنْهُ، أنَّ المُرادَ بِالإماتَتَيْنِ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، الإماتَةُ الأُولى، الَّتِي هي كَوْنُهم في بُطُونِ أُمَّهاتِهِمْ نُطَفًا وعَلَقًا ومُضَغًا، قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِمْ، فَهَلْ قَبِلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِمْ لا حَياةَ لَهم، فَأطْلَقَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ الِاعْتِبارِ اسْمَ المَوْتِ. والإماتَةُ الثّانِيَةُ هي إماتَتُهم وصَيْرُورَتُهم إلى قُبُورِهِمْ عِنْدَ انْقِضاءِ آجالِهِمْ في دارِ الدُّنْيا. وَأنَّ المُرادَ بِالإحْياءَتَيْنِ: الإحْياءَةَ الأُولى في دارِ الدُّنْيا، والإحْياءَةُ الثّانِيَةُ، الَّتِي هي البَعْثُ مِنَ القُبُورِ إلى الحِسابِ، والجَزاءِ والخُلُودِ الأبَدِيِّ، الَّذِي لا مَوْتَ فِيهِ، إمّا في الجَنَّةِ وإمّا في النّارِ. (p-٣٧٥)والدَّلِيلُ مِنَ القُرْآنِ عَلى أنَّ هَذا القَوْلَ في الآيَةِ هو التَّحْقِيقُ، أنَّ اللَّهَ صَرَّحَ بِهِ واضِحًا في قَوْلِهِ جَلَّ وعَلا: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وكُنْتُمْ أمْواتًا فَأحْياكم ثُمَّ يُمِيتُكم ثُمَّ يُحْيِيكم ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٨] وبِذَلِكَ تَعْلَمُ أنَّ ما سِواهُ مِنَ الأقْوالِ في الآيَةِ لا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ. والأظْهَرُ عِنْدِي أنَّ المُسَوِّغَ الَّذِي سَوَّغَ إطْلاقَ اسْمِ المَوْتِ عَلى العَلَقَةِ، والمُضْغَةِ مَثَلًا، في بُطُونِ الأُمَّهاتِ، أنَّ عَيْنَ ذَلِكَ الشَّيْءِ، الَّذِي هو نَفْسُ العَلَقَةِ والمُضْغَةِ، لَهُ أطْوارٌ كَما قالَ تَعالى: ﴿وَقَدْ خَلَقَكم أطْوارًا﴾ ﴿يَخْلُقُكم في بُطُونِ أُمَّهاتِكم خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ﴾ [الزمر: ٦]، ولَمّا كانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ، تَكُونُ فِيهِ الحَياةُ في بَعْضِ تِلْكَ الأطْوارِ، وفي بَعْضِها لا حَياةَ لَهُ، صَحَّ إطْلاقُ المَوْتِ والحَياةِ عَلَيْهِ مِن حَيْثُ إنَّهُ شَيْءٌ واحِدٌ، تَرْتَفِعُ عَنْهُ الحَياةُ تارَةً وتَكُونُ فِيهِ أُخْرى، وقَدْ ذَكَرَ لَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مُسَوِّغًا غَيْرَ هَذا، فانْظُرْهُ إنْ شِئْتَ. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِن سَبِيلٍ﴾ . قَدْ بَيَّنَ جَلَّ وعَلا في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ، أنَّ الِاعْتِرافَ بِالذَّنْبِ في ذَلِكَ الوَقْتِ لا يَنْفَعُ، كَما قالَ تَعالى: ﴿فاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأصْحابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ١١] وقالَ تَعالى ﴿رَبَّنا أبْصَرْنا وسَمِعْنا فارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحًا إنّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ١٢] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِن سَبِيلٍ﴾ قَدْ قَدَّمْنا إيضاحَهُ بِالآياتِ القُرْآنِيَّةِ، في سُورَةِ الأعْرافِ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ فَهَلْ لَنا مِن شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ﴾ [الأعراف: ٥٣] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب