الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ شَهِدُوا فَأمْسِكُوهُنَّ في البُيُوتِ حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ المَوْتُ أوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ لَمْ يُبَيِّنْ هُنا هَلْ جَعَلَ لَهُنَّ سَبِيلًا أوْ لا ؟ ولَكِنَّهُ بَيَّنَ في مَواضِعَ أُخَرَ أنَّهُ جَعَلَ لَهُنَّ السَّبِيلَ بِالحَدِّ كَقَوْلِهِ في البِكْرِ: ﴿الزّانِيَةُ والزّانِي فاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنهُما﴾ الآيَةَ [النور: ٢]،، وقَوْلِهِ في الثَّيِّبِ: (الشَّيْخُ والشَّيْخَةُ إذا زَنَيا فارْجُمُوهُما البَتَّةَ نَكالًا مِنَ اللَّهِ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)؛ لِأنَّ هَذِهِ الآيَةَ باقِيَةُ الحُكْمِ كَما صَحَّ عَنْ أمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأرْضاهُ وإنْ كانَتْ مَنسُوخَةَ التِّلاوَةِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - أنَّ حُكْمَ الرَّجْمِ مَأْخُوذٌ أيْضًا مِن آيَةٍ أُخْرى مُحْكَمَةٍ غَيْرِ مَنسُوخَةِ التِّلاوَةِ، وهي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتابِ يُدْعَوْنَ إلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهم ثُمَّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مِنهم وهم مُعْرِضُونَ﴾، فَإنَّها نَزَلَتْ في اليَهُودِيِّ واليَهُودِيَّةِ اللَّذَيْنِ زَنَيا وهُما مُحْصَنانِ ورَجَمَهُما النَّبِيُّ ﷺ فَذَمُّهُ تَعالى في هَذا الكِتابِ لِلْمُعْرِضِ عَمّا في التَّوْراةِ مِن رَجْمِ الزّانِي المُحْصِنِ، دَلِيلٌ قُرْآنِيٌّ واضِحٌ عَلى بَقاءِ حُكْمِ الرَّجْمِ، ويُوَضِّحُ ما ذَكَرْنا مِن أنَّهُ تَعالى جَعَلَ لَهُنَّ السَّبِيلَ بِالحَدِّ، قَوْلُهُ ﷺ في الصَّحِيحِ: «خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا» الحَدِيثَ. ⁕ ⁕ ⁕ * قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب): قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللّاتِي يَأْتِينَ الفاحِشَةَ مِن نِسائِكم فاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أرْبَعَةً مِنكم فَإنْ شَهِدُوا فَأمْسِكُوهُنَّ في البُيُوتِ﴾ الآيَةَ. (p-٢٤٦)هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ الزّانِيَةَ لا تُجْلَدُ بَلْ تُحْبَسُ إلى المَوْتِ أوْ إلى جَعْلِ اللَّهِ لَها سَبِيلًا. وَقَدْ جاءَ في آيَةٍ أُخْرى ما يَدُلُّ عَلى أنَّها لا تُحْبَسُ بَلْ تُجْلَدُ مِائَةً إنْ كانَتْ بِكْرًا، وجاءَ في آيَةٍ مَنسُوخَةِ التِّلاوَةِ باقِيَةِ الحُكْمِ أنَّها إنْ كانَتْ مُحْصَنَةً تُرْجَمُ. والجَوابُ ظاهِرٌ، وهو أنْ حَبْسُ الزَّوانِي في البُيُوتِ مَنسُوخٌ بِالجَلْدِ والرَّجْمِ، أوْ أنَّهُ كانَتْ لَهُ غايَةٌ يُنْتَهى إلَيْها هي جَعْلُ اللَّهِ لَهُنَّ السَّبِيلَ، فَجَعَلَ اللَّهُ السَّبِيلَ بِالحَدِّ، كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﷺ: «خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا» الحَدِيثَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب