الباحث القرآني

قَوْلِهِ تَعالى هُنا: ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ ما نَعْبُدُهم إلّا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى﴾ . فَبَيَّنَ أنَّهم يَزْعُمُونَ أنَّهم ما عَبَدُوا الأصْنامَ، إلّا لِأجْلِ أنْ تُقَرِّبَهم مِنَ اللَّهِ زُلْفى، والزُّلْفى: القَرابَةُ. (p-٣٥٣)فَقَوْلُهُ: زُلْفى، ما نابَ عَنِ المُطْلَقِ مِن قَوْلِهِ لِيُقَرِّبُونا، أيْ لِيُقَرِّبُونا إلَيْهِ قَرابَةً تَنْفَعُنا بِشَفاعَتِهِمْ في زَعْمِهِمْ. وَلِذا كانُوا يَقُولُونَ في تَلْبِيَتِهِمْ: لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ، إلّا شَرِيكًا هو لَكْ تَمْلِكُهُ وما مَلَكَ. وَقَدْ قَدَّمْنا في سُورَةِ المائِدَةِ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ﴾ [الأنعام: ٣٥] أنَّ هَذا النَّوْعَ مِنِ ادِّعاءِ الشُّفَعاءِ، واتِّخاذِ المَعْبُوداتِ مَن دُونِ اللَّهِ وسائِطَ مَن أصُولِ كُفْرِ الكُفّارِ. وَقَدْ صَرَّحَ تَعالى بِذَلِكَ في سُورَةِ يُونُسَ في قَوْلِهِ جَلَّ وعَلا: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهم ولا يَنْفَعُهم ويَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ في السَّماواتِ ولا في الأرْضِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ [يونس: ١٨] . فَصَرَّحَ تَعالى بِأنَّ هَذا النَّوْعَ، مِنِ ادِّعاءِ الشُّفَعاءِ شِرْكٌ بِاللَّهِ، ونَزَّهَ نَفْسَهُ الكَرِيمَةَ عَنْهُ، بِقَوْلِهِ جَلَّ وعَلا ﴿سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ وأشارَ إلى ذَلِكَ في آيَةِ الزُّمَرِ هَذِهِ؛ لِأنَّهُ جَلَّ وعَلا لِما قالَ عَنْهم: ﴿ما نَعْبُدُهم إلّا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهم في ما هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر: ٣] أتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن هو كاذِبٌ كَفّارٌ﴾ [الزمر: ٣] . وَقَوْلُهُ: كُفّارٌ، صِيغَةُ مُبالَغَةٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ الَّذِينَ قالُوا ما نَعْبُدُهم إلّا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى جامِعُونَ بِذَلِكَ، بَيْنَ الكَذِبِ والمُبالَغَةِ في الكُفْرِ بِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ، وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ لِهَذا زِيادَةُ إيضاحٍ في سُورَةِ النّاسِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب