الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَمْ أهْلَكْنا مِن قَبْلِهِمْ مِن قَرْنٍ فَنادَوْا ولاتَ حِينَ مَناصٍ﴾ . كَمْ هُنا هي الخَبَرِيَّةُ، ومَعْناها الإخْبارُ عَنْ عَدَدٍ كَثِيرٍ، وهي في مَحَلِّ نَصْبٍ، عَلى أنَّها مَفْعُولٌ بِهِ لَأهْلَكْنا وصِيغَةُ الجَمْعِ في أهْلَكْنا لِلتَّعْظِيمِ، ومِن في قَوْلِهِ: مِن قَرْنٍ، مُمَيِّزَةٌ لَكم، والقَرْنُ يُطْلَقُ عَلى الأُمَّةِ وعَلى بَعْضٍ مِنَ الزَّمَنِ، أشْهَرُ الأقْوالِ فِيهِ أنَّهُ مِائَةُ سَنَةٍ، والمَعْنى أهْلَكْنا كَثِيرًا مِنَ الأُمَمِ السّالِفَةِ مِن أجْلِ الكُفْرِ، وتَكْذِيبِ الرُّسُلِ (p-٣٣١)فَعْلَيْكم أنْ تَحْذَرُوا يا كُفّارَ مَكَّةَ مِن تَكْذِيبِ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ ﷺ والكُفْرِ بِما جاءَ بِهِ لِئَلّا نُهْلِكَكم بِسَبَبِ ذَلِكَ كَما أهْلَكْنا بِهِ القُرُونَ الكَثِيرَةَ الماضِيَةَ.
وَقَدْ ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ ثَلاثَ مَسائِلَ:
الأُولى: أنَّهُ أهْلَكَ كَثِيرًا مِنَ القُرُونِ الماضِيَةِ، يُهَدِّدُ كُفّارَ مَكَّةَ بِذَلِكَ.
الثّانِيَةَ: أنَّهم نادَوْا أيْ عِنْدَ مُعايَنَةِ أوائِلِ الهَلاكِ.
الثّالِثَةَ: أنَّ ذَلِكَ الوَقْتَ الَّذِي هو وقْتُ مُعايَنَةِ العَذابِ لَيْسَ وقْتَ نِداءٍ، أيْ فَهو وقْتٌ لا مَلْجَأ فِيهِ، ولا مَفَرَّ مِنَ الهَلاكِ بَعْدَ مُعايَنَتِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ جَلَّ وعَلا هَذِهِ المَسائِلَ الثَّلاثَ المَذْكُورَةَ هُنا مُوَضَّحَةً في آياتٍ كَثِيرَةٍ مِن كِتابِهِ.
أمّا المَسْألَةُ الأُولى وهي كَوْنُهُ أهْلَكَ كَثِيرًا مِنَ الأُمَمِ، فَقَدْ ذَكَرَها في آياتٍ كَثِيرَةٍ،
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكَمْ أهْلَكْنا مِنَ القُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ﴾ [الإسراء: ١٧]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَكَأيِّنْ مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها وهي ظالِمَةٌ﴾ الآيَةَ [الحج: ٤٥] .
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألَمْ يَأْتِكم نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكم قَوْمِ نُوحٍ وعادٍ وثَمُودَ والَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهم إلّا اللَّهُ﴾ الآيَةَ [إبراهيم: ٩] .
والآياتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
وَقَدْ ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في آياتٍ كَثِيرَةٍ أنَّ سَبَبَ إهْلاكِ تِلْكَ الأُمَمِ الكُفْرُ بِاللَّهِ وتَكْذِيبُ رُسُلِهِ كَقَوْلِهِ في هَذِهِ الآيَةِ الأخِيرَةِ مُبَيِّنًا سَبَبَ إهْلاكِ تِلْكَ الأُمَمِ الَّتِي صَرَّحَ بِأنَّها: ﴿لا يَعْلَمُهم إلّا اللَّهُ جاءَتْهم رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ فَرَدُّوا أيْدِيَهم في أفْواهِهِمْ وقالُوا إنّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وإنّا لَفي شَكٍّ مِمّا تَدْعُونَنا إلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ [إبراهيم: ٩] .
وَقَدْ قَدَّمْنا في الكَلامِ عَلى هَذِهِ الآيَةِ مِن سُورَةِ إبْراهِيمَ، أقْوالَ أهْلِ العِلْمِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَرَدُّوا أيْدِيَهم في أفْواهِهِمْ﴾ وبَيَّنّا دَلالَةَ القُرْآنِ عَلى بَعْضِها،
• وكَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وَكَأيِّنْ مِن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أمْرِ رَبِّها ورُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِسابًا شَدِيدًا وعَذَّبْناها عَذابًا نُكْرًا﴾ ﴿فَذاقَتْ وبالَ أمْرِها وكانَ عاقِبَةُ أمْرِها خُسْرًا﴾ [الطلاق: ٨ - ٩]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَمّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أغْرَقْناهم وجَعَلْناهم لِلنّاسِ آيَةً﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وَعادًا وثَمُودَ وأصْحابَ الرَّسِّ وقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾ ﴿وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الأمْثالَ وكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيرًا﴾ [الفرقان: ٣٧ - ٣٩]
• وقَوْلِهِ (p-٣٣٢)تَعالى: ﴿إنْ كُلٌّ إلّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ﴾ [ص: ١٤] .
• وقَوْلِهِ تَعالى ﴿كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وعِيدِ﴾ [ق: ١٤]
والآياتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعالى أنَّ المُرادَ بِذِكْرِ إهْلاكِ الأُمَمِ الماضِيَةِ بِسَبَبِ الكُفْرِ وتَكْذِيبِ الرُّسُلِ تَهْدِيدُ كُفّارِ مَكَّةَ، وتَخْوِيفِهِمْ مِن أنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مِثْلُ ما نَزَلْ بِأُولَئِكَ إنْ تَمادَوْا عَلى الكُفْرِ وتَكْذِيبِهِ ﷺ .
ذَكَرَ تَعالى ذَلِكَ في آياتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ولِلْكافِرِينَ أمْثالُها﴾ [محمد: ١٠] لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وَلِلْكافِرِينَ أمْثالُها﴾ تَهْدِيدٌ عَظِيمٌ بِذَلِكَ.
وَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِن سِجِّيلٍ مَنضُودٍ﴾ ﴿مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وما هي مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٢ - ٨٣] فَقَوْلُهُ: وما هي مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ فِيهِ تَهْدِيدٌ عَظِيمٌ لِمَن يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ مِنَ الكُفْرِ وتَكْذِيبِ نَبِيِّهِمْ، وفَواحِشِهِمُ المَعْرُوفَةِ، وقَدْ وبَّخَ تَعالى مَن لَمْ يَعْتَبِرْ بِهِمْ، ولَمْ يَحْذَرْ أنْ يَنْزِلَ بِهِ مِثْلُ ما نَزَلَ بِهِمْ، كَقَوْلِهِ في قَوْمِ لُوطٍ: ﴿وَإنَّكم لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ﴾ ﴿وَبِاللَّيْلِ أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [الصافات: ١٣٧ - ١٣٨] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ أتَوْا عَلى القَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا﴾ [الفرقان: ٤٠] .
• وَقَوْلِهِ فِيهِمْ: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٣٥] .
• وقَوْلِهِ فِيهِمْ: ﴿وَإنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾ .
• وقَوْلِهِ فِيهِمْ وفي قَوْمِ شُعَيْبٍ ﴿وَإنَّهُما لَبِإمامٍ مُبِينٍ﴾ [الحجر: ٧٩]
والآياتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
وَأمّا المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: وهي نِداؤُهم إذا أحَسُّوا بِأوائِلِ العَذابِ؛ فَقَدْ ذَكَرَ تَعالى في آياتٍ مِن كِتابِهِ نَوْعَيْنِ مِن أنْواعِ ذَلِكَ النِّداءِ:
أحَدُهُما: نِداؤُهم بِاعْتِرافِهِمْ أنَّهم كانُوا ظالِمِينَ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكَمْ قَصَمْنا مِن قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وأنْشَأْنا بَعْدَها قَوْمًا آخَرِينَ﴾ ﴿فَلَمّا أحَسُّوا بَأْسَنا إذا هم مِنها يَرْكُضُونَ﴾ إلى قَوْلِهِ ﴿قالُوا ياوَيْلَنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ﴾ ﴿فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهم حَتّى جَعَلْناهم حَصِيدًا خامِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١١ - ١٥] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَكَمْ مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتًا أوْ هم قائِلُونَ﴾ ﴿فَما كانَ دَعْواهم إذْ جاءَهم بَأْسُنا إلّا أنْ قالُوا إنّا كُنّا ظالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤ - ٥] .
الثّانِي: مِن نَوْعَيِ النِّداءِ المَذْكُورِ نِداؤُهم بِالإيمانِ بِاللَّهِ مُسْتَغِيثِينَ مِن ذَلِكَ العَذابِ (p-٣٣٣)الَّذِي أحَسُّوا أوائِلَهُ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَمّا رَأوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللَّهِ وحْدَهُ وكَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ﴾ ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهم إيمانُهم لَمّا رَأوْا بَأْسَنا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ في عِبادِهِ وخَسِرَ هُنالِكَ الكافِرُونَ﴾ [غافر: ٨٤، ٣] وهَذا النَّوْعُ الأخِيرُ هو الأنْسَبُ والألْيَقُ بِالمَقامِ، لِدَلالَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَلاتَ حِينَ مَناصٍ﴾ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَلاتَ حِينَ مَناصٍ﴾ الَّذِي هو المَسْألَةُ الثّالِثَةُ، مَعْناهُ: لَيْسَ الحِينُ الَّذِي نادَوْا فِيهِ، وهو وقْتُ مُعايَنَةِ العَذابِ، حِينَ مَناصٍ، أيْ لَيْسَ حِينَ فِرارٍ ولا مَلْجَأ مِن ذَلِكَ العَذابِ الَّذِي عايَنُوهُ.
فَقَوْلُهُ: ولاتَ هي لا النّافِيَةُ زِيدَتْ بَعْدَها تاءُ التَّأْنِيثِ اللَّفْظِيَّةِ كَما زِيدَتْ في ثَمَّ، فَقِيلَ فِيها ثَمَّتْ، وفي رُبَّ، فَقِيلَ فِيها رُبَّتْ.
وَأشْهُرُ أقْوالِ النَّحْوِيِّينَ فِيها، أنَّها تَعْمَلُ عَمَلَ لَيْسَ وأنَّها لا تَعْمَلُ إلّا في الحِينِ خاصَّةً، أوْ في لَفْظِ الحِينِ ونَحْوِهِ مِنَ الأزْمِنَةِ، كالسّاعَةِ والأوانِ، وأنَّها لا بُدَّ أنْ يُحْذَفَ اسْمُها أوْ خَبَرُها والأكْثَرُ حَذْفُ المَرْفُوعِ مِنهُما وإثْباتُ المَنصُوبِ، ورُبَّما عُكِسَ، وهَذا قَوْلُ سِيبَوَيْهَ وأشارَ إلَيْهِ ابْنُ مالِكٍ في الخُلاصَةِ بِقَوْلِهِ:
؎فِي النَّكِراتِ أُعْمِلَتْ كَلَيْسَ ”لا“ وقَدْ تَلِي ”لاتَ“ و ”إنْ“ ذا العَمَلا
؎وَما لِلاتَ في سِوى حِينٍ عَمَلْ ∗∗∗ وحَذْفُ ذِي الرَّفْعِ فَشا والعَكْسُ قَلْ
والمَناصُ مَفْعَلٌ مِنَ النَّوْصِ، والعَرَبُ تَقُولُ: ناصَهُ يَنُوصُهُ إذا فاتَهُ وعَجَزَ عَنْ إدْراكِهِ، ويُطْلَقُ المَناصُ عَلى التَّأخُّرِ لِأنَّ مِن تَأخَّرَ ومالَ إلى مَلْجَأٍ يُنْقِذُهُ مِمّا كانَ يَخافُهُ فَقَدْ وجَدَ المَناصَ.
والمَناصُ والمَلْجَأُ والمَفَرُّ والمَوْئِلُ مَعْناها واحِدٌ، والعَرَبُ تَقُولُ: اسْتَناصَ إذا طَلَبَ المَناصَ، أيِ السَّلامَةَ والمَفَرَّ مِمّا يَخافُهُ، ومِنهُ قَوْلُ حارِثَةَ بْنِ بَدْرٍ:
؎غَمْرُ الجِراءِ إذا قَصَرْتُ عِنانَهُ ∗∗∗ بِيَدِي اسْتَناصَ ورامَ جَرْيَ المِسْحَلِ
والأظْهَرُ أنَّ إطْلاقَ النَّوْصِ عَلى الفَوْتِ والتَّقَدُّمِ، وإطْلاقِهِ عَلى التَّأخُّرِ والرَّوَغانِ كِلاهُما راجِعٌ إلى شَيْءٍ واحِدٍ؛ لِأنَّ المَناصَ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مَعْناهُ المُنْطَبِقُ عَلى جُزْئِيّاتِهِ، أنْ يَكُونَ صاحِبَهُ في كَرْبٍ وضِيقٍ، فَيَعْمَلُ عَمَلًا، يَكُونُ بِهِ خَلاصَهُ ونَجاتَهُ مِن ذَلِكَ.
(p-٣٣٤)فَتارَةً يَكُونُ ذَلِكَ العَمَلُ بِالجَرْيِ والإسْراعِ أمامَ مَن يُرِيدُهُ بِالسُّوءِ، وتارَةً يَكُونُ بِالتَّأخُّرِ والرَّوَغانِ حَتّى يَنْجُوَ مِن ذَلِكَ.
والعَرَبُ تُطْلِقُ النَّوْصَ عَلى التَّأخُّرِ. والبُوصُ بِالباءِ المُوَحَّدَةِ التَّحْتِيَّةُ عَلى التَّقَدُّمِ، ومِنهُ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
؎أمِن ذِكْرِ سَلْمى إذْ نَأتْكَ تَنُوصُ ∗∗∗ فَتَقْصُرُ عَنْها خُطْوَةً وتَبُوصُ
وَأصْوَبُ الأقْوالِ في لاتَ أنَّ التّاءَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ حِينٍ وأنَّها تَعْمَلُ عَمَلَ لَيْسَ خِلافًا لِمَن قالَ: إنَّها تَعْمَلُ عَمَلَ إنَّ، ولِمَن قالَ: إنَّ التّاءَ مُتَّصِلَةٌ بِحِينٍ وأنَّهُ رَآها في الإمامِ، وهو مُصْحَفُ أمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتَّصِلَةً بِها.
وَعَلى قَوْلِ الجُمْهُورِ مِنهُمُ القُرّاءُ السَّبْعَةُ، أنَّ التّاءَ لَيْسَتْ مَوْصُولَةٌ بِحِينٍ، فالوَقْفُ عَلى لاتَ بِالتّاءِ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ، إلّا الكِسائِيِّ فَإنَّهُ يَقِفُ عَلَيْها بِالهاءِ.
أمّا قِراءَةُ كَسَرِ التّاءِ وضَمِّها فَكِلْتاهُما شاذَّةٌ لا تَجُوزُ القِراءَةُ بِها، وكَذَلِكَ قِراءَةُ كَسْرِ النُّونِ مِن حِينَ، فَهي شاذَّةٌ لا تَجُوزُ، مَعَ أنَّ تَخْرِيجَ المَعْنى عَلَيْها مُشْكِلٌ.
وَتَعَسَّفَ لَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وجْهًا لا يَخْفى سُقُوطُهُ، ورَدَّهُ عَلَيْهِ أبُو حَيّانَ في البَحْرِ المُحِيطِ، واخْتارَ أبُو حَيّانَ أنَّ تَخْرِيجَ قِراءَةِ الكَسْرِ أنَّ حِينَ مَجْرُورَةٌ بِمِن مَحْذُوفَةٍ.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ فَنادَوْا أصْلُ النِّداءِ: رَفْعُ الصَّوْتِ، والعَرَبُ تَقُولُ: فُلانٌ أنْدى صَوْتًا مِن فُلانٍ، أيْ أرْفَعُ، ومِنهُ قَوْلُهُ:
؎فَقُلْتُ ادْعِي وأدْعُوَ إنَّ أنَدا ∗∗∗ لِصَوْتٍ أنْ يُنادِيَ داعِيانِ
وَما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مِن أنَّ الأُمَمَ الماضِيَةَ المُهْلِكَةَ يُنادُونَ عِنْدَ مُعايَنَةِ العَذابِ، وأنَّ ذَلِكَ الوَقْتَ لَيْسَ وقْتَ نِداءٍ إذْ لا مَلْجَأ فِيهِ ولا مَفَرَّ ولا مَناصَ. ذَكَرَهُ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَمّا رَأوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللَّهِ وحْدَهُ وكَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ﴾ ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهم إيمانُهم لَمّا رَأوْا بَأْسَنا﴾ الآيَةَ [غافر: ٨٤ - ٨٥] . وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَمّا أحَسُّوا بَأْسَنا إذا هم مِنها يَرْكُضُونَ﴾ ﴿لا تَرْكُضُوا وارْجِعُوا إلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومَساكِنِكم لَعَلَّكم تُسْألُونَ﴾ ﴿قالُوا ياوَيْلَنا إنّا كُنّا ظالِمِينَ﴾ ﴿فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهم حَتّى جَعَلْناهم حَصِيدًا خامِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٢ - ١٥] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
(p-٣٣٥)وَقَدْ بَيَّنَ تَعالى وُقُوعَ مِثْلَ ذَلِكَ في يَوْمِ القِيامَةِ في آياتٍ مِن كِتابِهِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكم مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكم مِن مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وما لَكم مِن نَكِيرٍ﴾ [الشورى: ٤٧] . وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإذا بَرِقَ البَصَرُ﴾ ﴿وَخَسَفَ القَمَرُ﴾ ﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ والقَمَرُ﴾ ﴿يَقُولُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ أيْنَ المَفَرُّ﴾ ﴿كَلّا لا وزَرَ﴾ [القيامة: ٧ - ١١] والوَزَرُ: المَلْجَأُ، ومِنهُ قَوْلُ حَسّانِ بْنِ ثابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
؎والنّاسُ إلْبٌ عَلَيْنا فِيكَ لَيْسَ لَنا ∗∗∗ إلّا الرِّماحُ وأطْرافُ القَنا وزَرُ
وَكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَلْ لَهم مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ [الكهف: ٥٨] والمَوْئِلُ اسْمُ مَكانٍ مِن وألَ يَئِلُ إذا وجَدَ مَلْجَأً يَعْتَصِمُ بِهِ، ومِنهُ قَوْلُ الأعْشى مَيْمُونِ بْنِ قَيْسٍ:
؎وَقَدْ أُخالِسُ رَبَّ البَيْتِ غَفْلَتَهُ ∗∗∗ وقَدْ يُحاذِرُ مِنِّي ثُمَّ ما يَئِلُ
أيْ: ثُمَّ ما يَنْجُو.
{"ayah":"كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنࣲ فَنَادَوا۟ وَّلَاتَ حِینَ مَنَاصࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق