الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما خَلَقْنا السَّماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلًا﴾ . قَدْ قَدَّمْنا الآياتِ المُوَضِّحَةَ لَهُ في آخِرِ سُورَةِ الحِجْرِ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما إلّا بِالحَقِّ﴾ [الحجر: ٨٥] وفي آخِرِ سُورَةِ قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ. في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿أفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْناكم عَبَثًا﴾ الآيَةَ [المؤمنون: ١١٥] .
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ﴾ . الإشارَةُ في قَوْلِهِ ذَلِكَ راجِعَةٌ إلى المَصْدَرِ الكامِنِ في الفِعْلِ الصِّناعِيِّ، ذَلِكَ أيْ خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ باطِلًا هو ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِنا، والنَّفْيُ في قَوْلِهِ ما خَلَقْنا، مُنْصَبٌّ عَلى الحالِ لا عَلى عامِلِها الَّذِي هو خَلَقْنا، لِأنَّ المَنفِيَّ بِأداةِ النَّفْيِ الَّتِي هي ما: لَيْسَ خَلْقَهُ لِلسَّماواتِ والأرْضِ، بَلْ هو ثابِتٌ، وإنَّما المَنفِيُّ بِها، هو كَوْنُهُ باطِلًا، فَهي حالٌ شِبْهُ العُمْدَةِ ولَيْسَتْ فَضْلَةً صَرِيحَةً؛ لِأنَّ النَّفْيَ مُنْصَبٌّ عَلَيْها هي خاصَّةً، والكَلامُ لا يَصِحُّ دُونَها. والكَلامُ في هَذا مَعْلُومٌ في مَحَلِّهِ، ونَفْيُ كَوْنِ خَلْقِهِ تَعالى لِلسَّماواتِ والأرْضِ باطِلًا نَزَّهَ عَنْهُ نَفْسَهُ ونَزَّهَهُ عَنْهُ عِبادُهُ الصّالِحُونَ، لِأنَّهُ لا يَلِيقُ بِكَمالِهِ وجَلالِهِ تَعالى.
أمّا تَنْزِيهُهُ نَفْسَهُ عَنْهُ فَفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْناكم عَبَثًا وأنَّكم إلَيْنا لا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٥] .
(p-٣٤٢)ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ، عَنْ كَوْنِهِ خَلَقَهم عَبَثًا، بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَتَعالى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إلَهَ إلّا هو رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: ١١٦] أيْ: تَعالى وتَقَدَّسَ وتَنَزَّهَ عَنْ كَوْنِهِ خَلَقَهم عَبَثًا.
وَأمّا تَنْزِيهُ عِبادِهِ الصّالِحِينَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الألْبابِ﴾ ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِهِمْ ويَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ﴾، فَقَوْلُهُ تَعالى عَنْهم سُبْحانَكَ أيْ تَنْزِيهًا لَكَ، عَنْ أنْ تَكُونَ خَلَقْتَ السَّماواتِ والأرْضَ باطِلًا. فَقَوْلُهم سُبْحانَكَ تَنْزِيهٌ لَهُ، كَما نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَتَعالى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ﴾ الآيَةَ [المؤمنون: ١١٦] .
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن ظَنَّ بِاللَّهِ ما لا يَلِيقُ بِهِ جَلَّ وعَلا، فَلَهُ النّارُ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعالى في مَوْضِعٍ آخَرَ أنَّ مَن ظَنَّ بِاللَّهِ ما لا يَلِيقُ بِهِ أرْداهُ وجَعَلَهُ مِنَ الخاسِرِينَ، وجَعَلَ النّارَ مَثْواهُ. وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمّا تَعْمَلُونَ﴾ ﴿وَذَلِكم ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكم أرْداكم فَأصْبَحْتُمْ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ ﴿فَإنْ يَصْبِرُوا فالنّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ الآيَةَ [فصلت: ٢٢ - ٢٤] .
وَقَوْلُنا في أوَّلِ هَذا المَبْحَثِ الإشارَةُ في قَوْلِهِ ذَلِكَ راجِعَةٌ إلى المَصْدَرِ الكامِنِ في الفِعْلِ الصِّناعِيِّ قَدْ قَدَّمْنا إيضاحَهُ في سُورَةِ بَنِي إسْرائِيلَ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ هَذا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقْوَمُ﴾ [الإسراء: ٩]، وبَيَّنّا هُناكَ أنَّ الفِعْلَ نَوْعانِ، أحَدُهُما الفِعْلُ الحَقِيقِيُّ، والثّانِي الفِعْلُ الصِّناعِيُّ، أمّا الفِعْلُ الحَقِيقِيُّ، فَهو الحَدَثُ المُتَجَدِّدُ المَعْرُوفُ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ بِالمَصْدَرِ.
وَأمّا الفِعْلُ الصِّناعِيُّ، فَهو المَعْرُوفُ في صِناعَةِ عِلْمِ النَّحْوِ بِالفِعْلِ الماضِي، والفِعْلِ المُضارِعِ، وفِعْلِ الأمْرِ عَلى القَوْلِ بِأنَّهُ مُسْتَقِلٌّ عَنِ المُضارِعِ.
وَمَعْلُومٌ أنَّ الفِعْلَ الصِّناعِيَّ يَنْحَلُّ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ، عَنْ مَصْدَرٍ وزَمَنٍ، كَما أشارَ لَهُ في الخُلاصَةِ بِقَوْلِهِ:
(p-٣٤٣)المَصْدَرُ اسْمُ ما سِوى الزَّمانِ مِن مَدْلُولَيِ الفِعْلِ كَأمْنٍ مِن أمِن
وَعِنْدَ جَماعاتٍ مِنَ البَلاغِيِّينَ، أنَّهُ يَنْحَلُّ عَنْ مَصْدَرٍ، وزَمَنٍ ونِسْبَةٍ، وهو الأقْرَبُ، كَما حَرَّرَهُ بَعْضُ عُلَماءِ البَلاغَةِ في مَبْحَثِ الِاسْتِعارَةِ التَّبَعِيَّةِ، وبِذَلِكَ تَعْلَمُ أنَّهُ لا خِلافَ بَيْنَهم في أنَّ المَصْدَرَ والزَّمَنَ كامِنانِ في الفِعْلِ الصِّناعِيِّ، فَيَصِحُّ رُجُوعُ الإشارَةِ والضَّمِيرِ إلى كُلٍّ مِنَ المَصْدَرِ والزَّمَنِ الكامِنَيْنِ في الفِعْلِ الصِّناعِيِّ.
فَمِثالُ رُجُوعِ الإشارَةِ إلى المَصْدَرِ الكامِنِ في الفِعْلِ، قَوْلُهُ هُنا: ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآيَةَ، فَإنَّ المَصْدَرَ الَّذِي هو الخَلْقُ كامِنٌ في الفِعْلِ الصِّناعِيِّ، الَّذِي هو الفِعْلُ الماضِي في قَوْلِهِ: ﴿وَما خَلَقْنا السَّماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلًا ذَلِكَ﴾ أيْ خَلْقُ السَّماواتِ المَذْكُورُ الكامِنُ في مَفْهُومِ خَلْقِنا ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا.
وَمِثالُ رُجُوعِ الإشارَةِ إلى الزَّمَنِ الكامِنِ في مَفْهُومِ الفِعْلِ الصِّناعِيِّ، قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَنُفِخَ في الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الوَعِيدِ﴾ [ق: ٢٠] أيْ ذَلِكَ الزَّمَنُ الكامِنُ في الفِعْلِ هو يَوْمُ الوَعِيدِ.
وَمِثالُ رُجُوعِ الضَّمِيرِ لِلْمَصْدَرِ الكامِنِ في مَفْهُومِ الفِعْلِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اعْدِلُوا هو أقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ [المائدة: ٨] فَقَوْلُهُ: هو، أيِ العَدْلُ الكامِنُ في مَفْهُومٍ اعْدِلُوا، كَما تَقَدَّمَ إيضاحُهُ.
{"ayah":"وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَاۤءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَا بَـٰطِلࣰاۚ ذَ ٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۚ فَوَیۡلࣱ لِّلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنَ ٱلنَّارِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











