الباحث القرآني

* قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب): قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْواجَكَ﴾ الآيَةَ. يَظْهَرُ تَعارُضُهُ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِن بَعْدُ﴾ الآيَةَ [الأحزاب: ٥٢] . والجَوابُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ﴾، مَنسُوخٌ بِقَوْلِهِ: ﴿إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْواجَكَ﴾ وقَدْ قَدَّمْنا في سُورَةِ ”البَقَرَةِ“ أنَّهُ أحَدُ المَوْضِعَيْنِ اللَّذَيْنِ في المُصْحَفِ ناسِخُهُما (p-٣٧٠)قَبْلَ مَنسُوخِهِما، لِتَقَدُّمِهِ في تَرْتِيبِ المُصْحَفِ، مَعَ تَأخُّرِهِ في النُّزُولِ عَلى القَوْلِ بِذَلِكَ. وَقِيلَ الآيَةُ النّاسِخَةُ لَها هي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تُرْجِي مَن تَشاءُ مِنهُنَّ﴾ الآيَةَ [الأحزاب: ٥١] . وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ هي مُحْكَمَةٌ، وعَلَيْهِ فالمَعْنى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِن بَعْدُ، أيْ مِن بَعْدِ النِّساءِ الَّتِي أحَلَّهُنَّ اللَّهُ لَكَ في قَوْلِهِ: ﴿إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْواجَكَ﴾ الآيَةَ. فَتَكُونُ آيَةُ: ﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ﴾ مُحَرِّمَةٌ ما لَمْ يَدْخُلْ في آيَةِ: ﴿إنّا أحْلَلْنا لَكَ أزْواجَكَ﴾ كالكِتابِيّاتِ والمُشْرِكاتِ والبَدَوِيّاتِ عَلى القَوْلِ بِذَلِكَ فِيهِنَّ، وبَناتِ العَمِّ والعَمّاتِ، وبَناتِ الخالِ والخالاتِ، اللّاتِي لَمْ يُهاجِرْنَ مَعَهُ عَلى القَوْلِ بِذَلِكَ فِيهِنَّ أيْضًا. والقَوْلُ بِعَدَمِ النَّسْخِ قالَ بِهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ومُجاهِدٌ في رِوايَةٍ عَنْهُ، وعِكْرِمَةُ والضَّحّاكُ في رِوايَةٍ، وأبُو رَزِينٍ في رِوايَةٍ عَنْهُ وأبُو صالِحٍ والحَسَنُ وقَتادَةُ في رِوايَةٍ، والسُّدِّيُّ وغَيْرُهم، كَما نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ وغَيْرُهُ، واخْتارَ عَدَمَ النَّسْخِ ابْنُ جَرِيرٍ وأبُو حَيّانَ. والَّذِي يَظْهَرُ لَنا أنَّ القَوْلَ بِالنَّسْخِ أرْجَحُ، ولَيْسَ المُرَجِّحُ لِذَلِكَ عِنْدَنا أنَّهُ قَوْلُ جَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ ومَن بَعْدَهم مِنهم: عَلِيٌّ وابْنُ عَبّاسٍ وأنَسٌ وغَيْرُهم، ولَكِنَّ المُرَجِّحَ لَهُ عِنْدَنا أنَّهُ قَوْلُ أعْلَمِ النّاسِ بِالمَسْألَةِ، أعْنِي أزْواجَهُ ﷺ لِأنَّ حِلِّيَّةَ غَيْرِهِنَّ مِنَ الضَّرّاتِ وعَدَمَها، لا يُوجَدُ مَن هو أشَدُّ اهْتِمامًا بِها مِنهُنَّ، فَهُنَّ صَواحِباتُ القِصَّةِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ في عِلْمِ الأُصُولِ، أنَّ صاحِبَ القِصَّةِ يُقَدَّمُ عَلى غَيْرِهِ، ولِذَلِكَ قَدَّمَ العُلَماءُ رِوايَةَ مَيْمُونَةَ وأبِي رافِعٍ أنَّهُ ﷺ تَزَوَّجَها وهو حَلالٌ، عَلى رِوايَةِ ابْنِ عَبّاسٍ المُتَّفَقِ عَلَيْها، أنَّهُ تَزَوَّجَها مُحْرِمًا، لِأنَّ مَيْمُونَةَ صاحِبَةُ القِصَّةِ وأبا رافِعٍ سَفِيرٌ فِيها. فَإذا عَلِمْتَ ذَلِكَ، فاعْلَمْ أنَّ مِمَّنْ قالَ بِالنَّسْخِ أُمَّ المُؤْمِنِينَ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، قالَتْ: «ما ماتَ ﷺ حَتّى أحَلَّ اللَّهُ لَهُ النِّساءَ»، وأُمَّ المُؤْمِنِينَ أمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالَتْ: «لَمْ يَمُتْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتّى أحَلَّ اللَّهُ لَهُ أنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ النِّساءِ ما شاءَ إلّا ذاتَ مَحْرَمٍ» . أمّا عائِشَةُ فَقَدْ رَوى عَنْها ذَلِكَ الإمامُ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ والنَّسائِيُّ في سُنَنَيْهِما، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وأبُو داوُدَ في ناسِخِهِ، وابْنُ المُنْذِرِ وغَيْرُهم. (p-٣٧١)وَأمّا أمُّ سَلَمَةَ فَقَدْ رَواهُ عَنْها ابْنُ أبِي حاتِمٍ كَما نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ وغَيْرُهُ، ويَشْهَدُ لِذَلِكَ ما رَواهُ جَماعَةٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدّادٍ رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَزَوَّجَ أُمَّ حَبِيبَةَ وجُوَيْرِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما بَعْدَ نُزُولِ: ﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ﴾» . قالَ الألُوسِيُّ في تَفْسِيرِهِ: إنَّ ذَلِكَ أخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب