الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أساءُوا السُّوءى أنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وكانُوا بِها يَسْتَهْزِئُونَ﴾ . قَرَأ هَذا الحَرْفَ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو: ﴿كانَ عاقِبَةُ﴾، بِضَمِّ التّاءِ اسْمُ كانَ، وخَبَرُها السُّوءى. وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: ﴿ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ﴾، بِفَتْحِ التّاءِ خَبَرُ كانَ قُدِّمَ عَلى اسْمِها عَلى حَدِّ قَوْلِهِ في ”الخُلاصَةِ“: وفي جَمِيعِها تَوَسَّطَ الخَبَرُ أجِزْ. . . . . . . . وَعَلى هَذِهِ القِراءَةِ فَـ السُّوءى اسْمُ كانَ، وإنَّما جُرِّدَ الفِعْلُ مِنَ التّاءِ مَعَ أنَّ السُّوءى مُؤَنَّثَةٌ لِأمْرَيْنِ: (p-١٧١)الأوَّلُ: أنَّ تَأْنِيثَها غَيْرُ حَقِيقِيٍّ. والثّانِي: الفَصْلُ بَيْنَها وبَيْنَ الفِعْلِ، كَما هو مَعْلُومٌ. وأمّا عَلى قِراءَةِ ضَمِّ التّاءِ فَوَجْهُ تَجْرِيدِ الفِعْلِ مِنَ التّاءِ هو كَوْنُ تَأْنِيثِ العاقِبَةِ غَيْرَ حَقِيقِيٍّ فَقَطْ. وَأظْهَرُ الأقْوالِ في مَعْنى الآيَةِ عِنْدِي أنَّ المَعْنى عَلى قِراءَةِ ضَمِّ التّاءِ: كانَتْ عاقِبَةُ المُسِيئِينَ السُّوءى، وهي تَأْنِيثُ الأسْوَءِ، بِمَعْنى: الَّذِي هو أكْثَرُ سُوءًى، أيْ: كانَتْ عاقِبَتُهُمُ العُقُوبَةَ الَّتِي هي أسْوَأُ العُقُوباتِ، أيْ: أكْثَرُها سُوءًى وهي النّارُ أعاذَنا اللَّهُ وإخْوانَنا المُسْلِمِينَ مِنها. وَأمّا عَلى قِراءَةِ فَتْحِ التّاءِ، فالمَعْنى: كانَتِ السُّوءى عاقِبَةَ الَّذِينَ أساءُوا، ومَعْناهُ واضِحٌ مِمّا تَقَدَّمَ، وأنَّ مَعْنى قَوْلِهِ: أنْ كَذَّبُوا، أيْ: كانَتْ عاقِبَتُهم أسْوَأ العُقُوباتِ لِأجْلِ أنْ كَذَّبُوا. وَهَذا المَعْنى تَدُلُّ عَلَيْهِ آياتٌ كَثِيرَةٌ تُوَضِّحُ أنَّ الكُفْرَ والتَّكْذِيبَ قَدْ يُؤَدِّي شُؤْمُهُ إلى شَقاءِ صاحِبِهِ، وسُوءِ عاقِبَتِهِ، والعِياذُ بِاللَّهِ؛ • كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَمّا زاغُوا أزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: ٥]، • وقَوْلِهِ: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ [البقرة: ١٠]، • وقَوْلِهِ: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٥] . وَقَدْ أوْضَحْنا الآياتِ الدّالَّةَ عَلى هَذا في سُورَةِ ”بَنِي إسْرائِيلَ“، في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفي آذانِهِمْ وقْرًا﴾ [الإسراء: ٤٦] . وفي ”الأعْرافِ“، في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِن قَبْلُ﴾ [الأعراف: ١٠١]، وفي غَيْرِ ذَلِكَ. وَبِما ذَكَرْنا تَعْلَمَ أنَّ قَوْلَ مَن قالَ: إنَّ ﴿فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِن قَبْلُ﴾ مَنصُوبٌ بِـ أساءُوا، أيِ: اقْتَرَفُوا الجَرِيمَةَ السُّوءى خِلافُ الصَّوابِ، وكَذَلِكَ قَوْلُ مَن قالَ: إنَّ أنْ في قَوْلِهِ: أنْ كَذَّبُوا تَفْسِيرِيَّةٌ، فَهو خِلافُ الصَّوابِ أيْضًا، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب