الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ﴾، صَرَّحَ في هَذِهِ الآيَةِ، أنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ خَلْقِهِ، وأنَّ كُفْرَ مَن كَفَرَ مِنهم لا يَضُرُّهُ شَيْئًا، وبَيَّنَ هَذا المَعْنى في مَواضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ،
• كَقَوْلِهِ عَنْ نَبِيِّهِ مُوسى: ﴿وَقالَ مُوسى إنْ تَكْفُرُوا أنْتُمْ ومَن في الأرْضِ جَمِيعًا فَإنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٨]، (p-٢٠٣)
• وَقَوْلِهِ: ﴿إنْ تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكم ولا يَرْضى لِعِبادِهِ الكُفْرَ﴾ [الزمر: ٧]،
• وقَوْلِهِ: ﴿فَكَفَرُوا وتَوَلَّوْا واسْتَغْنى اللَّهُ واللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [التغابن: ٦]،
• وقَوْلِهِ: ﴿قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا سُبْحانَهُ هو الغَنِيُّ﴾ [يونس: ٦٨]،
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
فاللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى يَأْمُرُ الخَلْقَ ويَنْهاهم لا لِأنَّهُ تَضُرُّهُ مَعْصِيَتُهم، ولا تَنْفَعُهُ طاعَتُهم، بَلْ نَفْعُ طاعَتِهِمْ لَهم وضَرَرُ مَعْصِيَتِهِمْ عَلَيْهِمْ، كَما قالَ تَعالى: ﴿إنْ أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لِأنْفُسِكم وإنْ أسَأْتُمْ فَلَها﴾ [الإسراء: ٧]، وقالَ: ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِهِ ومَن أساءَ فَعَلَيْها﴾ [فصلت: ٤٦]، وقالَ: ﴿ياأيُّها النّاسُ أنْتُمُ الفُقَراءُ إلى اللَّهِ واللَّهُ هو الغَنِيُّ الحَمِيدُ﴾ [فاطر: ١٥] .
وَثَبَتَ في ”صَحِيحِ مُسْلِمٍ“ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيما يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ أنَّهُ قالَ: «يا عِبادِي، لَوْ أنَّ أوَّلَكم وآخِرَكم، وإنْسَكم وجِنَّكم كانُوا عَلى أتْقى قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ مِنكم ما زادَ ذَلِكَ في مُلْكِي شَيْئًا، يا عِبادِي، لَوْ أنَّ أوَّلَكم وآخِرَكم، وإنْسَكم وجِنَّكم كانُوا عَلى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنكم ما نَقَصَ ذَلِكَ مِن مُلْكِي شَيْئًا» الحَدِيثَ.
تَنْبِيهٌ:
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ﴾، بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَلِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧]، يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن لَمْ يَحُجَّ كافِرٌ، واللَّهُ غَنِيٌّ عَنْهُ.
وَفِي المُرادِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ أوْجُهٌ لِلْعُلَماءِ. الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ أيْ: ومَن جَحَدَ فَرِيضَةَ الحَجِّ، فَقَدْ كَفَرَ واللَّهُ غَنِيٌّ عَنْهُ، وبِهِ قالَ: ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وغَيْرُ واحِدٍ قالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ. ويَدُلُّ لِهَذا الوَجْهِ ما رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ ومُجاهِدٍ مِن أنَّهُما قالا لَمّا نَزَلَتْ: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنهُ﴾ [آل عمران: ٨٥]، قالَتِ اليَهُودُ: فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ.
فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلى المُسْلِمِينَ حَجَّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا، فَقالُوا: لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْنا، وأبَوْا أنْ يَحُجُّوا» . قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٧] .
(p-٢٠٤)الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ [آل عمران: ٩٧]، أيْ: ومَن لَمْ يَحُجَّ عَلى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ البالِغِ في الزَّجْرِ عَنْ تَرْكِ الحَجِّ مَعَ الِاسْتِطاعَةِ كَقَوْلِهِ لِلْمِقْدادِ الثّابِتِ في ”الصَّحِيحَيْنِ“ حِينَ سَألَهُ عَنْ قَتْلِ مَن أسْلَمَ مِنَ الكُفّارِ بَعْدَ أنْ قَطَعَ يَدَهُ في الحَرْبِ: «لا تَقْتُلْهُ، فَإنْ قَتَلْتَهُ فَإنَّهُ بِمَنزِلَتِكَ قَبْلَ أنْ تَقْتُلَهُ، وإنَّكَ بِمَنزِلَتِهِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ الكَلِمَةَ الَّتِي قالَ» .
الوَجْهُ الثّالِثُ: حَمْلُ الآيَةِ عَلى ظاهِرِها وأنَّ مَن لَمْ يَحُجَّ مَعَ الِاسْتِطاعَةِ فَقَدْ كَفَرَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «مَن مَلَكَ زادًا وراحِلَةً، ولَمْ يَحُجَّ بَيْتَ اللَّهِ فَلا يَضُرُّهُ، ماتَ يَهُودِيًّا، أوْ نَصْرانِيًّا؛ وذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ قالَ: ﴿وَلِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا ومَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ﴾» [آل عمران: ٩٧] .
رَوى هَذا الحَدِيثَ التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، كَما نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ وهو حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ غَيْرُ واحِدٍ بِأنَّ في إسْنادِهِ هِلالَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلى رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الباهِلِيِّ، وهِلالٌ هَذا. قالَ التِّرْمِذِيُّ: مَجْهُولٌ، وقالَ البُخارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيثِ، وفي إسْنادِهِ أيْضًا الحارِثُ الَّذِي رَواهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّهُ يُضَعَّفُ في الحَدِيثِ. وقالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذا الحَدِيثُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ. انْتَهى بِالمَعْنى مِنِ ابْنِ كَثِيرٍ.
وَقالَ ابْنُ حَجَرٍ: في ”الكافِي الشّافِ في تَخْرِيجِ أحادِيثِ الكَشّافِ“: في هَذا الحَدِيثِ أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِن رِوايَةِ هِلالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الباهِلِيِّ، حَدَّثَنا أبُو إسْحاقَ عَنِ الحارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ رَفَعَهُ: «مَن مَلَكَ زادًا وراحِلَةً تُبَلِّغُهُ إلى بَيْتِ اللَّهِ، ولَمْ يَحُجَّ فَلا عَلَيْهِ أنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أوْ نَصْرانِيًّا» .
وَقالَ: غَرِيبٌ وفي إسْنادِهِ مَقالٌ، وهِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ، والحارِثُ يُضَعَّفُ، وأخْرَجَهُ البَزّارُ مِن هَذا الوَجْهِ، وقالَ: لا نَعْلَمُهُ عَنْ عَلِيٍّ إلّا مِن هَذا الوَجْهِ، وأخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، والعَقِيلِيُّ في تَرْجَمَةِ هِلالٍ، ونَقْلًا عَنِ البُخارِيِّ أنَّهُ مُنْكَرُ الحَدِيثِ.
وَقالَ البَيْهَقِيُّ في ”الشُّعَبِ“: تَفَرَّدَ بِهِ هِلالٌ ولَهُ شاهِدٌ مِن حَدِيثِ أبِي أُمامَةَ، أخْرَجَهُ الدّارِمِيُّ بِلَفْظِ: ”«مَن لَمْ يَمْنَعْهُ عَنِ الحَجِّ حاجَةٌ ظاهِرَةٌ، أوْ سُلْطانٌ جائِرٌ، أوْ مَرَضٌ حابِسٌ، فَماتَ فَلْيَمُتْ إنْ شاءَ يَهُودِيًّا، أوْ إنْ شاءَ نَصْرانِيًّا“، أخْرَجَهُ» مِن رِوايَةِ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سابِطٍ عَنْهُ، ومِن هَذا الوَجْهِ أخْرَجَهُ (p-٢٠٥)البَيْهَقِيُّ في ”الشُّعَبِ“، وأخْرَجَهُ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ أبِي الأحْوَصِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرْ أبا أُمامَةَ وأوْرَدَهُ ابْنُ الجَوْزِيِّ في ”المَوْضُوعاتِ“ مِن طَرِيقِ ابْنِ عَدِيٍّ، وابْنُ عَدِيٍّ وأوْرَدَهُ في ”الكامِلِ“ في تَرْجَمَةِ أبِي المَهْزُومِ يَزِيدَ بْنِ سُفْيانَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، ونَقَلَ عَنِ القَلّاسِ أنَّهُ كَذَّبَ أبا المَهْزُومِ، وهَذا مِن غَلَطِ ابْنِ الجَوْزِيِّ في تَصَرُّفِهِ؛ لِأنَّ الطَّرِيقَ إلى أبِي أُمامَةَ لَيْسَ فِيها مَنِ اتُّهِمَ بِالكَذِبِ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّهُ قالَ: مَن أطاقَ الحَجَّ فَلَمْ يَحُجَّ فَسَواءٌ ماتَ يَهُودِيًّا أوْ نَصْرانِيًّا، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"فِیهِ ءَایَـٰتُۢ بَیِّنَـٰتࣱ مَّقَامُ إِبۡرَ ٰهِیمَۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنࣰاۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَیۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَیۡهِ سَبِیلࣰاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق