الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنها﴾ . اعْلَمْ: أنَّ الحَسَنَةَ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ تَشْمَلُ نَوْعَيْنِ مِنَ الحَسَناتِ: الأوَّلُ: حَسَنَةٌ هي فِعْلُ خَيْرٍ مِن أفْعالِ العَبْدِ، كالإنْفاقِ في سَبِيلِ اللَّهِ، وبَذْلِ النَّفْسِ والمالِ في إعْلاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، ونَحْوِ ذَلِكَ، ومَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِنها﴾، بِالنِّسْبَةِ إلى هَذا النَّوْعِ مِنَ الحَسَناتِ، أنَّ الثَّوابَ مُضاعَفٌ، فَهو خَيْرٌ مِن نَفْسِ العَمَلِ؛ لِأنَّ مَن أنْفَقَ دِرْهَمًا واحِدًا في سَبِيلِ اللَّهِ فَأعْطاهُ اللَّهُ ثَوابًا هو سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ ثَوابٌ هو سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا، خَيْرٌ مِنَ الحَسَنَةِ الَّتِي قَدَّمَها الَّتِي هي إنْفاقُ دِرْهَمٍ واحِدٍ، وهَذا لا إشْكالَ فِيهِ كَما تَرى. (p-١٤٦)وَهَذا المَعْنى تُوَضِّحُهُ آياتٌ مِن كِتابِ اللَّهِ؛ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِها﴾ [الأنعام: ١٦٠]، ومَعْلُومٌ أنَّ عَشْرَ أمْثالِ الحَسَنَةِ خَيْرٌ مِنها هي وحْدَها؛ وكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها﴾ [النساء: ٤٠]، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم في سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ في كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ واللَّهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشاءُ﴾ [البقرة: ٢٦١] . وَأمّا النَّوْعُ الثّانِي مِنَ الحَسَنَةِ: فَكَقَوْلِ مَن قالَ مِن أهْلِ العِلْمِ: إنَّ المُرادَ بِالحَسَنَةِ في هَذِهِ الآيَةِ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، ولا يُوجَدُ شَيْءٌ خَيْرٌ مَن لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، بَلْ هي أساسُ الخَيْرِ كُلِّهِ، والَّذِي يَظْهَرُ عَلى هَذا المَعْنى أنَّ لَفْظَةَ خَيْرٌ لَيْسَتْ صِيغَةَ تَفْضِيلٍ. وَأنَّ المَعْنى: فَلَهُ خَيْرٌ عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ حاصِلٌ لَهُ مِنها، أيْ: مِن قِبَلِها ومِن أجْلِها، وعَلَيْهِ فَلَفْظَةُ مِن في الآيَةِ؛ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نارًا﴾ [نوح: ٢٥]، أيْ: مِن أجْلِ خِطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا، فَأُدْخِلُوا نارًا. وأمّا عَلى الأوَّلِ فَخَيْرٌ صِيغَةُ تَفْضِيلٍ، ويُحْتَمَلُ عِنْدِي أنَّ لَفْظَةَ خَيْرٌ عَلى الوَجْهِ الثّانِي صِيغَةُ تَفْضِيلٍ أيْضًا، ولا يُرادُ بِها تَفْضِيلُ شَيْءٍ عَلى لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، بَلِ المُرادُ أنَّ كَلِمَةَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ تَعَبَّدَ بِها العَبْدُ في دارِ الدُّنْيا، وتَعَبُّدُهُ بِها فِعْلُهُ المَحْضُ، وقَدْ أثابَهُ اللَّهُ في الآخِرَةِ عَلى تَعَبُّدِهِ بِها، وإثابَةُ اللَّهِ فِعْلُهُ جَلَّ وعَلا، ولا شَكَّ أنَّ فِعْلَ اللَّهِ خَيْرٌ مِن فِعْلِ عَبْدِهِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَهم مِن فَزَعِ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ . دَلَّتْ عَلى مَعْناهُ آياتٌ مِن كِتابِ اللَّهِ؛ • كَقَوْلِهِ تَعالى في أمْنِهِمْ مِنَ الفَزَعِ: ﴿لا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأكْبَرُ وتَتَلَقّاهُمُ المَلائِكَةُ﴾ الآيَةَ [الأنبياء: ١٠٣]، • وقَوْلِهِ تَعالى في أمْنِهِمْ: ﴿فَأُولَئِكَ لَهم جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وهم في الغُرُفاتِ آمِنُونَ﴾ [سبإ: ٣٧]، • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أفَمَن يُلْقى في النّارِ خَيْرٌ أمْ مَن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ القِيامَةِ﴾ الآيَةَ [فصلت: ٤٠]، • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَهم مِن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ﴾ [النمل: ٨٩]، قَرَأهُ عاصِمٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ بِتَنْوِينٍ فَزَعٍ، وفَتْحِ مِيمِ يَوْمَئِذٍ، وقَرَأهُ الباقُونَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، بَلْ بِالإضافَةِ إلى يَوْمَئِذٍ، إلّا أنَّ نافِعًا قَرَأ بِفَتْحِ مِيمِ يَوْمَئِذٍ مَعَ إضافَةِ فَزَعٍ إلَيْهِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو عَمْرٍو بِإضافَةِ فَزَعٍ إلى يَوْمَئِذٍ مَعَ كَسْرِ مِيمِ يَوْمَئِذٍ، وفَتْحِ المِيمِ وكَسْرِها مِن نَحْوِ يَوْمَئِذٍ، قَدْ أوْضَحْناهُ بِلُغاتِهِ وشَواهِدِهِ العَرَبِيَّةِ مَعَ بَيانِ المُخْتارِ مِنَ اللُّغاتِ في سُورَةِ (p-١٤٧)”مَرْيَمَ“، في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ويَوْمَ يَمُوتُ﴾ الآيَةَ [مريم: ١٥] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب