قَوْلُهُ تَعالى في كَلامِ فِرْعَوْنَ لِمُوسى: ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ﴾ .
أبْهَمَ جَلَّ وعَلا هَذِهِ الفِعْلَةَ الَّتِي فَعَلَها لِتَعْبِيرِهِ عَنْها بِالِاسْمِ المُبْهَمِ الَّذِي هو المَوْصُولُ في قَوْلِهِ: الَّتِي فَعَلْتَ، وقَدْ أوْضَحَها في آياتٍ أُخَرَ، وبَيَّنَ أنَّ الفِعْلَةَ المَذْكُورَةَ هي قَتْلُهُ نَفْسًا مِنهم؛
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ﴾ [القصص: ١٥]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ رَبِّ إنِّي قَتَلْتُ مِنهم نَفْسًا﴾ الآيَةَ [القصص: ٣٣]
• وقَوْلِهِ عَنِ الإسْرائِيلِيِّ الَّذِي اسْتَغاثَ بِمُوسى مَرَّتَيْنِ: قالَ ﴿يامُوسى أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ إنْ تُرِيدُ إلّا أنْ تَكُونَ جَبّارًا في الأرْضِ وما تُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ﴾ [القصص: ١٩] .
وَأظْهَرُ الأقْوالِ عِنْدِي في مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وَأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ﴾، أنَّ المُرادَ بِهِ كُفْرُ (p-٨٩)النِّعْمَةِ، يَعْنِي أنْعَمْنا عَلَيْكَ بِتَرْبِيَتِنا إيّاكَ صَغِيرًا، وإحْسانِنا إلَيْكَ تَتَقَلَّبُ في نِعْمَتِنا فَكَفَرْتَ نِعْمَتَنا، وقابَلْتَ إحْسانَنا بِالإساءَةِ لِقَتْلِكَ نَفْسًا مِنّا، وباقِيَ الأقْوالِ تَرَكْناهُ؛ لِأنَّ هَذا أظْهَرُها عِنْدَنا.
وَقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: رَدَّ مُوسى عَلى فِرْعَوْنَ امْتِنانَهُ عَلَيْهِ بِالتَّرْبِيَةِ، بِقَوْلِهِ: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أنْ عَبَّدْتَ بَنِي إسْرائِيلَ﴾ [الشعراء: ٢٥] يَعْنِي: تَعْبِيدَكَ لِقَوْمِي، وإهانَتَكَ لَهم لا يُعْتَبَرُ مَعَهُ إحْسانُكَ إلَيَّ لِأنِّي رَجُلٌ واحِدٌ مِنهم، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"وَفَعَلۡتَ فَعۡلَتَكَ ٱلَّتِی فَعَلۡتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}