الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ إذا أنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُرُوا وكانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوامًا﴾ .
قَرَأ هَذا الحَرْفَ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ: ولَمْ يُقْتِرُوا بِضَمِّ الياءِ المُثَنّاةِ التَّحْتِيَّةِ وكَسْرِ التّاءِ، مُضارِعُ أقْتَرَ الرُّباعِيِّ، وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو: ولَمْ يَقْتِرُوا بِفَتْحِ المُثَنّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وكَسْرِ المُثَنّاةِ الفَوْقِيَّةِ، مُضارِعُ قَتَرَ الثُّلاثِيِّ كَضَرَبَ، وقَرَأهُ عاصِمٌ وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، ولَمْ يَقْتُرُوا بِفَتْحِ المُثَنّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وضَمِّ المُثَنّاةِ الفَوْقِيَّةِ، مُضارِعُ قَتَرَ الثُّلاثِيِّ كَنَصَرَ، والإقْتارُ عَلى قِراءَةِ نافِعٍ وابْنِ عامِرٍ، والقَتْرُ عَلى قِراءَةِ الباقِينَ مَعْناهُما واحِدٌ، وهو التَّضْيِيقُ المُخِلُّ بِسَدِّ الخَلَّةِ اللّازِمُ، والإسْرافُ في قَوْلِهِ تَعالى: لَمْ يُسْرِفُوا، مُجاوَزَةُ الحَدِّ في النَّفَقَةِ.
واعْلَمْ أنَّ أظْهَرَ الأقْوالِ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، أنَّ اللَّهَ مَدَحَ عِبادَهُ الصّالِحِينَ بِتَوَسُّطِهِمْ في إنْفاقِهِمْ، فَلا يُجاوِزُونَ الحَدَّ بِالإسْرافِ في الإنْفاقِ، ولا يَقْتُرُونَ، أيْ: لا يُضَيِّقُونَ فَيَبْخَلُونَ بِإنْفاقِ القَدْرِ اللّازِمِ.
وَقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: الإسْرافُ في الآيَةِ: الإنْفاقُ في الحَرامِ والباطِلِ، والإقْتارُ مَنعُ الحَقِّ الواجِبِ، وهَذا المَعْنى وإنْ كانَ حَقًّا فالأظْهَرُ في الآيَةِ هو القَوْلُ الأوَّلُ.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ﴿والَّذِينَ إذا أنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُرُوا﴾ الآيَةَ، أيْ: لَيْسُوا مُبَذِّرِينَ في إنْفاقِهِمْ، فَيَصْرِفُوا فَوْقَ الحاجَةِ، ولا بُخَلاءَ عَلى أهْلِيهِمْ، فَيُقَصِّرُوا في حَقِّهِمْ فَلا يَكْفُوهم بَلْ عَدْلًا خِيارًا، وخَيْرُ الأُمُورِ أوْسَطُها، لا هَذا ولا هَذا، انْتَهى مَحَلُّ الغَرَضِ مِنهُ.
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوامًا﴾، أيْ: بَيْنَ ذَلِكَ المَذْكُورِ مِنَ الإسْرافِ والقَتْرِ قَوامًا أيْ: عَدْلًا وسَطًا سالِمًا مِن عَيْبِ الإسْرافِ والقَتْرِ.
وَأظْهَرُ أوْجُهِ الإعْرابِ عِنْدِي في الآيَةِ هو ما ذَكَرَهُ القُرْطُبِيُّ، قالَ: قَوامًا خَبَرُ (p-٧٦)كانَ، واسْمُها مُقَدَّرٌ فِيها، أيْ: كانَ الإنْفاقُ بَيْنَ الإسْرافِ والقَتْرِ قَوامًا، ثُمَّ قالَ: قالَهُ الفَرّاءُ، وباقِي أوْجُهِ الإعْرابِ في الآيَةِ لَيْسَ بِوَجِيهٍ عِنْدِي؛ كَقَوْلِ مَن قالَ: إنَّ لَفْظَةَ بَيْنَ هي اسْمُ كانَ، وأنَّها لَمْ تُرْفَعْ لِبِنائِها بِسَبَبِ إضافَتِها إلى مَبْنِيٍّ، وقَوْلُ مَن قالَ: إنَّ بَيْنَ هي خَبَرُ كانَ، و قَوامًا حالٌ مُؤَكِّدَةٌ لَهُ، ومَن قالَ: إنَّهُما خَبَرانِ، كُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَجِيهٍ عِنْدِي، والأظْهَرُ الأوَّلُ. والظّاهِرُ أنَّ التَّوَسُّطَ في الإنْفاقِ الَّذِي مَدَحَهم بِهِ شامِلٌ لِإنْفاقِهِمْ عَلى أهْلِيهِمْ، وإنْفاقِهِمُ المالَ في أوْجُهِ الخَيْرِ.
وَهَذا المَعْنى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ، جاءَ مُوَضَّحًا في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ؛ فَمِن ذَلِكَ أنَّ اللَّهَ أوْصى نَبِيَّهُ ﷺ بِالعَمَلِ بِمُقْتَضاهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ولا تَبْسُطْها كُلَّ البَسْطِ﴾ الآيَةَ [الإسراء: ٢٩] فَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ﴾، أيْ: مُمْسِكَةً عَنِ الإنْفاقِ إمْساكًا كُلِّيًّا، يُؤَدِّي مَعْنى قَوْلِهِ هُنا: ولَمْ يَقْتُرُوا. وقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَبْسُطْها كُلَّ البَسْطِ﴾، يُؤَدِّي مَعْنى قَوْلِهِ هُنا: ﴿لَمْ يُسْرِفُوا﴾، وأشارَ تَعالى إلى هَذا المَعْنى في قَوْلِهِ: ﴿وَآتِ ذا القُرْبى حَقَّهُ والمِسْكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ ولا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ [الإسراء: ٢٦] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَسْألُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ العَفْوَ﴾ الآيَةَ [البقرة: ٢١٩] عَلى أصَحِّ التَّفْسِيرَيْنِ.
وَقَدْ أوْضَحْنا الآياتِ الدّالَّةَ عَلى هَذا المَعْنى في أوَّلِ سُورَةِ ”البَقَرَةِ“، في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣] .
* * *
مَسْألَةٌ.
هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ الَّتِي هي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ إذا أنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُرُوا﴾ الآيَةَ، والآياتُ الَّتِي ذَكَرْناها مَعَها، قَدْ بَيَّنَتْ أحَدَ رُكْنَيْ ما يُسَمّى الآنَ بِالِاقْتِصادِ.
وَإيضاحُ ذَلِكَ أنَّهُ لا خِلافَ بَيْنَ العُقَلاءِ أنَّ جَمِيعَ مَسائِلِ الِاقْتِصادِ عَلى كَثْرَتِها واخْتِلافِ أنْواعِها راجِعَةٌ بِالتَّقْسِيمِ الأوَّلِ إلى أصْلَيْنِ، لا ثالِثَ لَهُما.
الأوَّلُ مِنهُما: اكْتِسابُ المالِ.
والثّانِي مِنهُما: صَرْفُهُ في مَصارِفِهِ، وبِهِ تَعْلَمُ أنَّ الِاقْتِصادَ عَمَلٌ مُزْدَوَجٌ، ولا فائِدَةَ في واحِدٍ مِنَ الأصْلَيْنِ المَذْكُورَيْنِ إلّا بِوُجُودِ الآخَرِ، فَلَوْ كانَ الإنْسانُ أحْسَنَ النّاسِ نَظَرًا في (p-٧٧)أوْجُهِ اكْتِسابِ المالِ، إلّا أنَّهُ أخْرَقُ جاهِلٍ بِأوْجُهِ صَرْفِهِ، فَإنَّ جَمِيعَ ما حَصَلَ مِنَ المالِ يَضِيعُ عَلَيْهِ بِدُونِ فائِدَةٍ، وكَذَلِكَ إذا كانَ الإنْسانُ أحْسَنَ النّاسِ نَظَرًا في صَرْفِ المالِ في مَصارِفِهِ المُنْتِجَةِ إلّا أنَّهُ أخْرَقُ جاهِلٍ بِأوْجُهِ اكْتِسابِهِ، فَإنَّهُ لا يَنْفَعُهُ حُسْنُ نَظَرِهِ في الصَّرْفِ مَعَ أنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلى تَحْصِيلِ شَيْءٍ يَصْرِفُهُ، والآياتُ المَذْكُورَةُ أرْشَدَتِ النّاسَ ونَبَّهَتْهم عَلى الِاقْتِصادِ في الصَّرْفِ.
وَإذا عَلِمْتَ أنَّ مَسائِلَ الِاقْتِصادِ كُلَّها راجِعَةٌ إلى الأصْلَيْنِ المَذْكُورَيْنِ، وأنَّ الآياتِ المَذْكُورَةَ دَلَّتْ عَلى أحَدِهِما، فاعْلَمْ أنَّ الآخَرَ مِنهُما وهو اكْتِسابُ المالِ أرْشَدَتْ إلَيْهِ آياتٌ أُخَرُ دَلَّتْ عَلى فَتْحِ اللَّهِ الأبْوابَ إلى اكْتِسابِ المالِ بِالأوْجُهِ اللّائِقَةِ، كالتِّجاراتِ وغَيْرِها؛
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِن رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانْتَشِرُوا في الأرْضِ وابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ١٠]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنكم مَرْضى وآخَرُونَ يَضْرِبُونَ في الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ [المزمل: ٢٠] والمُرادُ بِفَضْلِ اللَّهِ في الآياتِ المَذْكُورَةِ رِبْحُ التِّجارَةِ؛
• وكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إلّا أنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] وقَدْ قَدَّمْنا في سُورَةِ ”الكَهْفِ“، في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فابْعَثُوا أحَدَكم بِوَرِقِكم هَذِهِ إلى المَدِينَةِ﴾ الآيَةَ [الكهف: ١٩]
أنْواعَ الشَّرِكاتِ وأسْماءَها، وبَيَّنّا ما يَجُوزُ مِنها، وما لا يَجُوزُ عِنْدَ الأئِمَّةِ الأرْبَعَةِ، وأوْضَحْنا ما اتَّفَقُوا عَلى مَنعِهِ، وما اتَّفَقُوا عَلى جَوازِهِ، وما اخْتَلَفُوا فِيهِ، وبِهِ تَعْلَمُ كَثْرَةَ الطُّرُقِ الَّتِي فَتَحَها اللَّهُ لِاكْتِسابِ المالِ بِالأوْجُهِ الشَّرْعِيَّةِ اللّائِقَةِ.
وَإذا عَلِمْتَ مِمّا ذَكَرْنا أنَّ جَمِيعَ مَسائِلِ الِاقْتِصادِ راجِعَةٌ إلى أصْلَيْنِ، هُما: اكْتِسابُ المالِ، وصَرْفُهُ في مَصارِفِهِ، فاعْلَمْ أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِن هَذَيْنِ الأصْلَيْنِ، لا بُدَّ لَهُ مِن أمْرَيْنِ ضَرُورِيَّيْنِ لَهُ: الأوَّلُ مِنهُما: مَعْرِفَةُ حُكْمِ اللَّهِ فِيهِ، لِأنَّ اللَّهَ جَلَّ وعَلا لَمْ يُبِحِ اكْتِسابَ المالِ بِجَمِيعِ الطُّرُقِ الَّتِي يَكْتَسِبُ بِها المالَ، بَلْ أباحَ بَعْضَ الطُّرُقِ، وحَرَّمَ بَعْضَها؛ كَما قالَ تَعالى: ﴿وَأحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبا﴾ [البقرة: ٢٧٥] ولَمْ يُبِحِ اللَّهُ جَلَّ وعَلا صَرْفَ المالِ في كُلِّ شَيْءٍ، بَلْ أباحَ بَعْضَ الصَّرْفِ وحَرَّمَ بَعْضَهُ؛ كَما قالَ تَعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم في سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ في كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ﴾ [البقرة: ٢٦١] وقالَ تَعالى في الصَّرْفِ الحَرامِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوالَهم لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ (p-٧٨)الآيَةَ [الأنفال: ٣٦] فَمَعْرِفَةُ حُكْمِ اللَّهِ في اكْتِسابِ المالِ وفي صَرْفِهِ في مَصارِفِهِ أمْرٌ ضَرُورِيٌّ لا بُدَّ مِنهُ، لِأنَّ مَن لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ قَدْ يَكْتَسِبُ المالَ مِن وجْهٍ حَرامٍ، والمالُ المُكْتَسَبُ مِن وجْهٍ حَرامٍ، لا خَيْرَ فِيهِ البَتَّةَ، وقَدْ يُصْرَفُ المالُ في وجْهٍ حَرامٍ، وصَرْفُهُ في ذَلِكَ حَسْرَةٌ عَلى صاحِبِهِ.
الأمْرُ الثّانِي: هو مَعْرِفَةُ الطَّرِيقِ الكَفِيلَةِ بِاكْتِسابِ المالِ، فَقَدْ يَعْلَمُ الإنْسانُ مثلًا أنَّ التِّجارَةَ في النَّوْعِ الفُلانِيِّ مُباحَةٌ شَرْعًا، ولَكِنَّهُ لا يَعْلَمُ أوْجُهَ التَّصَرُّفِ بِالمَصْلَحَةِ الكَفِيلَةِ بِتَحْصِيلِ المالِ مِن ذَلِكَ الوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، وكَمْ مِن مُتَصَرِّفٍ يُرِيدُ الرِّبْحَ، فَيَعُودُ عَلَيْهِ تَصَرُّفُهُ بِالخُسْرانِ، لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِالأوْجُهِ الَّتِي يُحَصِّلُ بِها الرِّبْحَ. وكَذَلِكَ قَدْ يَعْلَمُ الإنْسانُ أنَّ الصَّرْفَ في الشَّيْءِ الفُلانِيِّ مُباحٌ، وفِيهِ مَصْلَحَةٌ، ولَكِنَّهُ لا يَهْتَدِي إلى مَعْرِفَةِ الصَّرْفِ المَذْكُورِ، كَما هو مُشاهَدٌ في المَشارِيعِ الكَثِيرَةِ النَّفْعِ إنْ صَرَفَ فِيها المالَ بِالحِكْمَةِ والمَصْلَحَةِ، فَإنَّ جَوازَ الصَّرْفِ فِيها مَعْلُومٌ، وإيقاعُ الصَّرْفِ عَلى وجْهِ المَصْلَحَةِ لا يَعْلَمُهُ كُلُّ النّاسِ.
وَبِهَذا تَعْلَمُ أنَّ أُصُولَ الِاقْتِصادِ الكِبارَ أرْبَعَةٌ: الأوَّلُ: مَعْرِفَةُ حُكْمِ اللَّهِ في الوَجْهِ الَّذِي يُكْتَسَبُ بِهِ المالُ، واجْتِنابُ الِاكْتِسابِ بِهِ، إنْ كانَ مُحَرَّمًا شَرْعًا.
الثّانِي: حُسْنُ النَّظَرِ في اكْتِسابِ المالِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ ما يُبِيحُهُ خالِقُ السَّماواتِ والأرْضِ، وما لا يُبِيحُهُ.
الثّالِثُ: مَعْرِفَةُ حُكْمِ اللَّهِ في الأوْجُهِ الَّتِي يُصْرَفُ فِيها المالُ، واجْتِنابُ المُحَرَّمِ مِنها.
الرّابِعُ: حُسْنُ النَّظَرِ في أوْجُهِ الصَّرْفِ، واجْتِنابُ ما لا يُفِيدُ مِنها، فَكُلُّ مَن بَنى اقْتِصادَهُ عَلى هَذِهِ الأُسُسِ الأرْبَعَةِ كانَ اقْتِصادُهُ كَفِيلًا بِمَصْلَحَتِهِ، وكانَ مُرْضِيًّا لِلَّهِ جَلَّ وعَلا، ومَن أخَلَّ بِواحِدٍ مِن هَذِهِ الأُسُسِ الأرْبَعَةِ كانَ بِخِلافِ ذَلِكَ؛ لِأنَّ مَن جَمَعَ المالَ بِالطُّرُقِ الَّتِي لا يُبِيحُها اللَّهُ جَلَّ وعَلا فَلا خَيْرَ في مالِهِ، ولا بَرَكَةَ؛ كَما قالَ تَعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا ويُرْبِي الصَّدَقاتِ﴾ [البقرة: ٢٧٦] وقالَ تَعالى: ﴿قُلْ لا يَسْتَوِي الخَبِيثُ والطَّيِّبُ ولَوْ أعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ﴾ الآيَةَ [المائدة: ١٠٠] .
وَقَدْ تَكَلَّمْنا عَلى مَسائِلِ الرِّبا في آيَةِ الرِّبا في سُورَةِ ”البَقَرَةِ“، وتَكَلَّمْنا عَلى أنْواعِ (p-٧٩)الشَّرِكاتِ وأسْمائِها، وبَيَّنّا ما يَجُوزُ مِنها وما لا يَجُوزُ في سُورَةِ ”الكَهْفِ“، في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فابْعَثُوا أحَدَكم بِوَرِقِكم هَذِهِ إلى المَدِينَةِ﴾ الآيَةَ [الكهف: ١٩] .
وَلا شَكَّ أنَّهُ يُلْزِمُ المُسْلِمِينَ في أقْطارِ الدُّنْيا التَّعاوُنَ عَلى اقْتِصادٍ يُجِيزُهُ خالِقُ السَّماواتِ والأرْضِ، عَلى لِسانِ رَسُولِهِ ﷺ، ويَكُونُ كَفِيلًا بِمَعْرِفَةِ طُرُقِ تَحْصِيلِ المالِ بِالأوْجُهِ الشَّرْعِيَّةِ، وصَرْفِهِ في مَصارِفِهِ المُنْتِجَةِ الجائِزَةِ شَرْعًا؛ لِأنَّ الِاقْتِصادَ المَوْجُودَ الآنَ في أقْطارِ الدُّنْيا لا يُبِيحُهُ الشَّرْعُ الكَرِيمُ، لِأنَّ الَّذِينَ نَظَّمُوا طُرُقَهُ لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ، فَمُعامَلاتُ البُنُوكِ والشَّرِكاتِ لا تَجِدُ شَيْئًا مِنها يَجُوزُ شَرْعًا، لِأنَّها إمّا مُشْتَمِلَةٌ عَلى زِياداتٍ رِبَوِيَّةٍ، أوْ عَلى غَرَرٍ، لا تَجُوزُ مَعَهُ المُعامَلَةُ كَأنْواعِ التَّأْمِينِ المُتَعارَفَةِ عِنْدَ الشَّرِكاتِ اليَوْمَ في أقْطارِ الدُّنْيا، فَإنَّكَ لا تَكادُ تَجِدُ شَيْئًا مِنها سالِمًا مِنَ الغَرَرِ، وتَحْرِيمُ بَيْعِ الغَرَرِ ثابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، ومِنَ المَعْلُومِ أنَّ مَن يَدَّعِي إباحَةَ أنْواعِ التَّأْمِينِ المَعْرُوفَةِ عِنْدَ الشَّرِكاتِ، مِنَ المُعاصِرِينَ أنَّهُ مُخْطِئٌ في ذَلِكَ، ولِأنَّهُ لا دَلِيلَ مَعَهُ، بَلِ الأدِلَّةُ الصَّحِيحَةُ عَلى خِلافِ ما يَقُولُ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَنفَقُوا۟ لَمۡ یُسۡرِفُوا۟ وَلَمۡ یَقۡتُرُوا۟ وَكَانَ بَیۡنَ ذَ ٰلِكَ قَوَامࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق