الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى ﴿وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الأمْثالَ وكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيرًا﴾ . ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ كُلًّا مِنَ الماضِينَ المُهْلَكِينَ مِن قَوْمِ نُوحٍ، (p-٥٥)وَعادٍ، وثَمُودَ، وأصْحابِ الرَّسِّ، والقُرُونِ الكَثِيرَةِ بَيْنَ ذَلِكَ: أنَّهُ ضَرَبَ لِكُلٍّ مِنهُمُ الأمْثالَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الحَقَّ بِضَرْبِ المَثَلِ؛ لِأنَّهُ يَصِيرُ بِهِ المَعْقُولُ كالمَحْسُوسِ، وأنَّهُ جَلَّ وعَلا تَبَّرَ كُلًّا مِنهم تَتْبِيرًا، أيْ: أهْلَكَهم جَمِيعًا إهْلاكًا مُسْتَأْصِلًا، والتَّتْبِيرُ: الإهْلاكُ والتَّكْسِيرُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ [الإسراء: ٧] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هم فِيهِ﴾ [الأعراف: ١٣٩] أيْ: باطِلٌ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تَزِدِ الظّالِمِينَ إلّا تَبارًا﴾ [نوح: ٢٨] أيْ: هَلاكًا، وهَذانِ الأمْرانِ المَذْكُورانِ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، وهُما أنَّهُ جَلَّ وعَلا ضَرَبَ لِكُلٍّ مِنهُمُ الأمْثالَ، وأنَّهُ تَبَّرَهم كُلَّهم تَتْبِيرًا جاءا مَذْكُورَيْنِ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ.
أمّا ضَرْبُهُ الأمْثالَ لِلْكُفّارِ، فَقَدْ ذَكَرَهُ جَلَّ وعَلا في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ؛
• كَقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ ”إبْراهِيمَ“: ﴿أوَلَمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُمْ مِن قَبْلُ ما لَكم مِن زَوالٍ﴾ ﴿وَسَكَنْتُمْ في مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهم وتَبَيَّنَ لَكم كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وضَرَبْنا لَكُمُ الأمْثالَ﴾ [إبراهيم: ٤٤ - ٤٥] . وأمّا تَتْبِيرُهُ جَمِيعَ الأُمَمِ لِتَكْذِيبِها رُسُلَها، فَقَدْ جاءَ مُوَضَّحًا في آياتٍ كَثِيرَةٍ؛
• كَقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ ”الأعْرافِ“: ﴿وَما أرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِن نَبِيٍّ إلّا أخَذْنا أهْلَها بِالبَأْساءِ والضَّرّاءِ لَعَلَّهم يَضَّرَّعُونَ﴾ ﴿ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا وقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنا الضَّرّاءُ والسَّرّاءُ فَأخَذْناهم بَغْتَةً وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٤ - ٩٥]
• وقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ ”سَبَأٍ“: ﴿وَما أرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِن نَذِيرٍ إلّا قالَ مُتْرَفُوها إنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ﴾ [سبإ: ٣٤]
• وقَوْلِهِ في ”الزُّخْرُفِ“: ﴿وَكَذَلِكَ ما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ في قَرْيَةٍ مِن نَذِيرٍ إلّا قالَ مُتْرَفُوها إنّا وجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وإنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ أرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرى كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأتْبَعْنا بَعْضَهم بَعْضًا وجَعَلْناهم أحادِيثَ﴾ الآيَةَ [المؤمنون: ٤٤] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى أنَّ جَمِيعَ الأُمَمِ كَذَّبُوا رُسُلَهم، وأنَّ اللَّهَ أهْلَكَهم بِسَبَبِ ذَلِكَ، وقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وعَلا في آيَةٍ أُخْرى أنَّ هَذا العُمُومَ لَمْ يَخْرُجْ مِنهُ إلّا قَوْمُ يُونُسَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إيمانُها إلّا قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهم عَذابَ الخِزْيِ في الحَياةِ الدُّنْيا ومَتَّعْناهم إلى حِينٍ﴾ [يونس: ٩٨] .
وَيَدُلُّ عَلى ذَلِكَ أيْضًا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأرْسَلْناهُ إلى مِائَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ﴾ ﴿فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهم إلى حِينٍ﴾ [الصافات: ١٤٨] وما ذَكَرَهُ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ مِن أنَّهُ ضَرَبَ الأمْثالَ لِكُلٍّ مِنهم، لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ هُنا هَلْ ضَرَبَ الأمْثالَ أيْضًا لِهَذِهِ الأُمَّةِ الكَرِيمَةِ الَّتِي هي آخِرُ الأُمَمِ في هَذا القُرْآنِ، كَما ضَرَبَها لِغَيْرِهِمْ مِنَ الأُمَمِ، ولَكِنَّهُ تَعالى بَيَّنَ في آياتٍ كَثِيرَةٍ أنَّهُ (p-٥٦)ضَرَبَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ الأمْثالَ في هَذا القُرْآنِ العَظِيمِ، لِيَتَفَكَّرُوا بِسَبَبِها، وبَيَّنَ أنَّها لا يَعْقِلُها إلّا أهْلُ العِلْمِ، وأنَّ اللَّهَ يَهْدِي بِها قَوْمًا، ويُضِلُّ بِها آخَرِينَ.
وَهَذِهِ الآياتُ الدّالَّةُ عَلى ذَلِكَ كُلِّهِ، فَمِنها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأمّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أنَّهُ الحَقُّ مِن رَبِّهِمْ وأمّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أرادَ اللَّهُ بِهَذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ويَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وما يُضِلُّ بِهِ إلّا الفاسِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٦] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ في هَذا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ﴾ [الزمر: ٢٧] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهم يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر: ٢١] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وما يَعْقِلُها إلّا العالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ الآيَةَ [الحج: ٧٣] والآياتُ الدّالَّةُ عَلى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"وَكُلࣰّا ضَرَبۡنَا لَهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَۖ وَكُلࣰّا تَبَّرۡنَا تَتۡبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق