الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ ويَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ . ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ الكُفّارَ الَّذِينَ طَلَبُوا إنْزالَ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمْ، أنَّهم يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ لا بُشْرى لَهم، أيْ لا تَسُرُّهم رُؤْيَتُهم ولا تَكُونُ لَهم في ذَلِكَ الوَقْتِ بِشارَةً بِخَيْرٍ، ورُؤْيَتُهم لِلْمَلائِكَةِ تَكُونُ عِنْدَ احْتِضارِهِمْ، وتَكُونُ يَوْمَ القِيامَةِ ولا بُشْرى لَهم في رُؤْيَتِهِمْ في كِلا الوَقْتَيْنِ.
أمّا رُؤْيَتُهُمُ المَلائِكَةَ عِنْدَ حُضُورِ المَوْتِ فَقَدْ دَلَّتْ آياتٌ مِن كِتابِ اللَّهِ أنَّهم لا بِشارَةَ لَهم فِيها لِما يُلاقُونَ مِنَ العَذابِ مِنَ المَلائِكَةِ عِنْدَ المَوْتِ،
• كَقَوْلِهِ تَعالى: (p-٣٩)﴿وَلَوْ تَرى إذْ يَتَوَفّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهم وأدْبارَهُمْ﴾ الآيَةَ [الأنفال: ٥٠]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَوْ تَرى إذِ الظّالِمُونَ في غَمَراتِ المَوْتِ والمَلائِكَةُ باسِطُو أيْدِيهِمْ أخْرِجُوا أنْفُسَكُمُ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلى اللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ وكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأنعام: ٩٣]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَكَيْفَ إذا تَوَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهم وأدْبارَهُمْ﴾ ﴿ذَلِكَ بِأنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أسْخَطَ اللَّهَ وكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأحْبَطَ أعْمالَهُمْ﴾ [محمد: ٢٧ - ٢٨] وأمّا رُؤْيَتُهُمُ المَلائِكَةَ يَوْمَ القِيامَةِ فَلا بُشْرى لَهم فِيها أيْضًا، ويَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ أنْزَلْنا مَلَكًا لَقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ﴾ [الأنعام: ٨] .
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ﴾ [الفرقان: ٢٢] يَدُلُّ بِدَلِيلِ خِطابِهِ: أيْ مَفْهُومِ مُخالَفَتِهِ، أنَّ غَيْرَ المُجْرِمِينَ يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ تَكُونُ لَهُمُ البُشْرى، وهَذا المَفْهُومُ مِن هَذِهِ الآيَةِ جاءَ مُصَرَّحًا بِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ ألّا تَخافُوا ولا تَحْزَنُوا وأبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ ﴿نَحْنُ أوْلِياؤُكم في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ ولَكم فِيها ما تَشْتَهِي أنْفُسُكم ولَكم فِيها ما تَدَّعُونَ﴾ ﴿نُزُلًا مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٠ - ٣٢] .
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ. ﴿وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ أظْهَرُ القَوْلَيْنِ فِيهِ عِنْدِي أنَّهُ مِن كَلامِ الكُفّارِ، يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ. لا مِن كَلامِ المَلائِكَةِ، وإيضاحُهُ: أنَّ الكُفّارَ الَّذِينَ اقْتَرَحُوا إنْزالَ المَلائِكَةِ إذا رَأوُا المَلائِكَةَ تَوَقَّعُوا العَذابَ مِن قِبَلِهِمْ، فَيَقُولُونَ حِينَئِذٍ لِلْمَلائِكَةِ: حِجْرًا مَحْجُورًا: أيْ حَرامًا مُحَرَّمًا عَلَيْكم أنْ تَمَسُّونا بِسُوءٍ أيْ لِأنَّنا لَمْ نَرْتَكِبْ ذَنْبًا نَسْتَوْجِبُ بِهِ العَذابَ، كَما أوْضَحَهُ تَعالى بِقَوْلِهِ عَنْهم: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسِهِمْ فَألْقَوُا السَّلَمَ ما كُنّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلى إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٢٨] فَقَوْلُهم: ﴿ما كُنّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ﴾: أيْ لَمْ نَسْتَوْجِبْ عَذابًا، فَتَعْذِيبُنا حَرامٌ مُحَرَّمٌ، وقَدْ كَذَّبَهُمُ اللَّهُ في دَعْواهم هَذِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿بَلى إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وعادَةُ العَرَبِ الَّذِينَ نَزَلَ القُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ، أنَّهم يَقُولُونَ هَذا الكَلامَ، أيْ حِجْرًا مَحْجُورًا عِنْدَ لِقاءِ عَدُوٍّ مَوْتُورٍ أوْ هُجُومِ نازِلَةٍ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَدْ ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ هَذِهِ الكَلِمَةَ أعْنِي: حِجْرًا مَحْجُورًا في بابِ المَصادِرِ غَيْرِ المُتَصَرِّفَةِ المَنصُوبَةِ بِأفْعالٍ مَتْرُوكٍ إظْهارُها نَحْوَ: مَعاذَ اللَّهِ، وعَمْرَكَ اللَّهَ، ونَحْوَ ذَلِكَ.
(p-٤٠)وَقَوْلُهُ: حِجْرًا مَحْجُورًا، أصْلُهُ مِن حَجَرَهُ بِمَعْنى مَنَعَهُ، والحِجْرُ: الحَرامُ، لِأنَّهُ مَمْنُوعٌ ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿وَقالُوا هَذِهِ أنْعامٌ وحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ أيْ حَرامٌ ﴿لا يَطْعَمُها إلّا مَن نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٣٨] ومِنهُ قَوْلُ المُتَلَمِّسِ:
؎حَنَّتْ إلى النَّخْلَةِ القُصْوى فَقُلْتُ لَها حَجْرٌ حَرامٌ ألا تِلْكَ الدَّهارِيسُ
فَقَوْلُهُ حَرامٌ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ حَجْرٌ لِأنَّ مَعْناهُ حَرامٌ وقَوْلُ الآخَرِ:
؎ألا أصْبَحَتْ أسْماءُ حِجْرًا مُحَرَّما ∗∗∗ وأصْبَحَتْ مِن أدْنى حَمْوَتِها حَما
وَقَوْلُ الآخَرِ:
؎قَــــالَتْ وفِيها حَـيْرَةٌ وذُعْـرُ ∗∗∗ عَـوْذٌ بِرَبِّي مِنكم وحِجْرُ
وَقَوْلُهُ: مَحْجُورًا تَوْكِيدٌ لِمَعْنى الحِجْرِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَقَوْلِ العَرَبِ: ذَيْلٌ ذائِلٌ. والذَّيْلُ الهَوانُ، ومَوْتٌ مائِتٌ، وأمّا عَلى القَوْلِ بِأنَّ حِجْرًا مَحْجُورًا مِن قَوْلِ المَلائِكَةِ، فَمَعْناهُ: أنَّهم يَقُولُونَ لِلْكُفّارِ حِجْرًا مَحْجُورًا. أيْ حَرامًا مُحَرَّمًا أنْ تَكُونَ لِلْكُفّارِ اليَوْمَ بُشْرى، أوْ أنْ يُغْفَرَ لَهم، أوْ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وهَذا القَوْلُ اخْتارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ كَثِيرٍ وغَيْرُ واحِدٍ.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ﴾ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ”يَوْمَ“ مَنصُوبٌ بِأحَدِ شَيْئَيْنِ، إمّا بِما دَلَّ عَلَيْهِ بِلا بُشْرى أيْ يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ يُمْنَعُونَ البُشْرى، أوْ يُعْدَمُونَها، ويَوْمَئِذٍ لِلتَّكْرِيرِ، وإمّا بِإضْمارِ اذْكُرْ: أيِ اذْكُرْ يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ، ثُمَّ قالَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ.
{"ayah":"یَوۡمَ یَرَوۡنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةَ لَا بُشۡرَىٰ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡمُجۡرِمِینَ وَیَقُولُونَ حِجۡرࣰا مَّحۡجُورࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق