الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ لِمَنِ الأرْضُ ومَن فِيها إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ ﴿قُلْ مَن رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ﴾ ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أفَلا تَتَّقُونَ﴾ ﴿قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وهو يُجِيرُ ولا يُجارُ عَلَيْهِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأنّى تُسْحَرُونَ﴾، قَدَّمْنا ما دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآياتُ الكَرِيمَةُ، مِن كَمالِهِ وجَلالِهِ وأوْصافِ رُبُوبِيَّتِهِ المُسْتَلْزِمَةِ لِإخْلاصِ العِبادَةِ لَهُ وحْدَهُ، في سُورَةِ يُونُسَ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَفْتَرُونَ﴾ ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكم مِنَ السَّماءِ والأرْضِ أمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ والأبْصارَ ومَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ويُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ ومَن يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أفَلا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٣١] وفي سُورَةِ بَنِي إسْرائِيلَ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿إنَّ هَذا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقْوَمُ﴾ [الإسراء: ٩] وأوْضَحْنا دَلالَةَ تَوْحِيدِهِ في رُبُوبِيَّتِهِ، عَلى تَوْحِيدِهِ في عِبادَتِهِ وقَدْ ذَكَرْنا كَثِيرًا مِنَ الآياتِ القُرْآنِيَّةِ الدّالَّةِ عَلى ذَلِكَ، مَعَ الإيضاحِ، فَأغْنى ذَلِكَ عَنْ إعادَتِهِ هُنا. وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ المَلَكُوتُ: فَعَلُوتُ مِنَ المُلْكِ أيْ: مَن بِيَدِهِ مُلْكُ كُلِّ شَيْءٍ، بِمَعْنى: مَن هو مالِكُ كُلِّ شَيْءٍ كائِنًا ما كانَ. وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: زِيادَةُ الواوِ والتّاءِ في نَحْوِ: المَلَكُوتِ، والرَّحَمُوتِ، والرَّهَبُوتِ بِمَعْنى المُلْكِ والرَّحْمَةِ، والرَّهْبَةِ: تُفِيدُ المُبالَغَةَ في ذَلِكَ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ. وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَهُوَ يُجِيرُ ولا يُجارُ عَلَيْهِ﴾، أيْ: هو يَمْنَعُ مَن (p-٣٥٠)شاءَ مِمَّنْ شاءَ، ولا يَمْنَعُ أحَدٌ مِنهُ أحَدًا شاءَ أنْ يُهْلِكَهُ أوْ يُعَذِّبَهُ؛ لِأنَّهُ هو القادِرُ وحْدَهُ، عَلى كُلِّ شَيْءٍ، ﴿وَهُوَ القاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وهو الحَكِيمُ الخَبِيرُ﴾، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎أراكَ طَفِقْتَ تَظْلِمُ مَن أجَرْنا وظُلْمُ الجارِ إذْلالُ المُجِيرِ وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأنّى تُسْحَرُونَ﴾ أيْ: كَيْفَ تُخْدَعُونَ، وتُصْرَفُونَ عَنْ تَوْحِيدِ رَبِّكم، وطاعَتِهِ مَعَ ظُهُورِ بَراهِينِهِ القاطِعَةِ وأدِلَّتِهِ السّاطِعَةِ، وقِيلَ: فَأنّى تُسْحَرُونَ، أيْ: كَيْفَ يُخَيَّلُ إلَيْكم: أنْ تُشْرِكُوا بِهِ ما لا يَضُرُّ، ولا يَنْفَعُ، ولا يُغْنِي عَنْكم شَيْئًا بِناءً عَلى أنَّ السِّحْرَ هو التَّخْيِيلُ. وَقَدْ قَدَّمْنا الكَلامَ عَلى السِّحْرِ مُسْتَوْفًى في سُورَةِ طه في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أتى﴾ [طه: ٦٩] والظّاهِرُ أنَّ مَعْنى تُسْحَرُونَ هُنا: تُخْدَعُونَ بِالشُّبَهِ الباطِلَةِ فَيَذْهَبُ بِعُقُولِكم، عَنِ الحَقِّ كَما يُفْعَلُ بِالمَسْحُورِ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: أفَلا تَذَكَّرُونَ قَرَأهُ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ بِتَخْفِيفِ الذّالِ بِحَذْفِ إحْدى التّاءَيْنِ، والباقُونَ بِالتَّشْدِيدِ لِإدْغامِ إحْدى التّاءَيْنِ في الذّالِ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ جاءَ في هَذِهِ الآياتِ ثَلاثَ مَرّاتٍ، الأوَّلُ: سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أفَلا تَذَكَّرُونَ، وهَذِهِ اتَّفَقَ جَمِيعُ السَّبْعَةِ عَلى قِراءَتِها بِلامِ الجَرِّ الدّاخِلَةِ عَلى لَفْظِ الجَلالَةِ؛ لِأنَّها جَوابُ المَجْرُورِ بِلامِ الجَرِّ، وهو قَوْلُهُ: ﴿قُلْ لِمَنِ الأرْضُ ومَن فِيها﴾ فَجَوابُ لِمَنِ الأرْضُ، هو أنْ تَقُولَ: لِلَّهِ، وأمّا الثّانِي الَّذِي هو: ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أفَلا تَتَّقُونَ﴾ . والثّالِثُ: الَّذِي هو قَوْلُهُ: ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأنّى تُسْحَرُونَ﴾ فَقَدْ قَرَأهُما أبُو عَمْرٍو بِحَذْفِ لامِ الجَرِّ ورَفْعِ الهاءِ مِن لَفْظِ الجَلالَةِ. والمَعْنى عَلى قِراءَةِ أبِي عَمْرٍو المَذْكُورَةِ واضِحٌ لا إشْكالَ فِيهِ؛ لِأنَّ الظّاهِرَ في جَوابِ مَن رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ، ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، أنْ تَقُولَ: اللَّهُ بِالرَّفْعِ، أيْ: رَبُّ ما ذُكِرَ هو اللَّهُ، وكَذَلِكَ جَوابُ قَوْلِهِ: ﴿مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ الآيَةَ. فالظّاهِرُ في جَوابِهِ أيْضًا أنْ يُقالَ: اللَّهُ بِالرَّفْعِ، أيْ: الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، فَقِراءَةُ أبِي عَمْرٍو جارِيَةٌ عَلى الظّاهِرِ، الَّذِي لا إشْكالَ فِيهِ، وقَرَأ الحَرْفَيْنِ المَذْكُورَيْنِ غَيْرُهُ مِنَ السَّبْعَةِ، بِحَرْفِ الجَرِّ وخَفْضِ الهاءِ مِن لَفْظِ الجَلالَةِ كالأوَّلِ. وَفِي هَذِهِ القِراءَةِ الَّتِي هي قِراءَةُ الجُمْهُورِ سُؤالٌ مَعْرُوفٌ، وهو أنْ يُقالَ: ما وجْهُ الإتْيانِ بِلامِ الجَرِّ، مَعَ أنَّ السُّؤالَ لا يَسْتَوْجِبُ الجَوابَ بِها؛ لِأنَّ قَوْلَ (p-٣٥١)مَن رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ الظّاهِرُ أنْ يُقالَ في جَوابِهِ: رَبُّهُما اللَّهُ، وإذًا يُشْكِلُ وجْهُ الإتْيانِ بِلامِ الجَرِّ. والجَوابُ عَنْ هَذا السُّؤالِ مَعْرُوفٌ واضِحٌ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿مَن رَبُّ السَّماواتِ﴾ الآيَةَ، وقَوْلَهُ: ﴿مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ فِيهِ مَعْنًى: مَن هو مالِكُ السَّماواتِ والأرْضِ، والعَرْشِ، وكُلِّ شَيْءٍ فَيُحْسِنُ الجَوابَ بِأنْ يُقالَ: لِلَّهِ، أيْ: كُلُّ ذَلِكَ مِلْكٌ لِلَّهِ، ونَظِيرُهُ مِن كَلامِ العَرَبِ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎إذا قِيلَ مَن رَبُّ المَزالِفِ والقُرى ∗∗∗ ورَبُّ الجِيادِ الجُرْدِ قُلْتُ لِخالِدِ لِأنَّ قَوْلَهُ: مَن رَبُّ المَزالِفِ فِيهِ مَعْنى مَن هو مالِكُها، فَحَسُنَ الجَوابُ بِاللّامِ: أيْ هي لِخالِدٍ، والمَزالِفُ: مَزْلَفَةٌ كَمَرْحَلَةٍ، قالَ في القامُوسِ: هي كُلُّ قَرْيَةٍ تَكُونُ بَيْنَ البَرِّ والرِّيفِ، وجَمْعُها مَزالِفُ. حب
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب