الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكم سَبْعَ طَرائِقَ وما كُنّا عَنِ الخَلْقِ غافِلِينَ﴾ (١٧)، في قَوْلِهِ تَعالى: ”طَرائِقَ“ وجْهانِ مِنَ التَّفْسِيرِ: أحَدُهُما: أنَّها قِيلَ لَها طَرائِقُ؛ لِأنَّ بَعْضَها فَوْقَ بَعْضٍ مِن قَوْلِهِمْ: طارَقَ النَّعْلَ إذا صَيَّرَها طاقًا فَوْقَ طاقٍ، ورَكَّبَ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ، ومِنهُ قَوْلُهُ ﷺ «كَأنَّ وُجُوهَهُمُ المَجانُّ المُطْرَقَةُ» أيِ: التِّراسُ الَّتِي جُعِلَتْ لَها طَبَقاتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ يَصِفُ نَعْلًا لَهُ مُطارَقَةٌ: ؎وَطِراقٌ مِن خَلْفِهِنَّ طِراقٌ ساقِطاتٌ تَلْوِي بِها الصَّحْراءُ يَعْنِي: نِعالَ الإبِلِ، ومِنهُ قَوْلُهم: طائِرٌ طَرّاقُ الرِّيشِ، ومَطْرَقَةٌ إذا رَكِبَ بَعْضُ رِيشِهِ بَعْضًا، ومِنهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ يَصِفُ بازِيًا: ؎أهْوى لَها أسْفَعُ الخَدَّيْنِ مُطْرِقٌ ∗∗∗ رِيشَ القَوادِمِ لَمْ تُنْصَبْ لَهُ الشَّبَكُ وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ يَصِفُ بازِيًا أيْضًا: ؎طِراقُ الخَوافِي واقِعٌ فَوْقَ رِيعِهِ ∗∗∗ نَدى لَيْلِهِ في رِيشِهِ يَتَرَقْرَقُ وَقَوْلُ الآخَرِ يَصِفُ قَطاةً: ؎سَكّاءُ مَخْطُومَةٌ في رِيشِها طَرْقٌ ∗∗∗ سُودٌ قَوادِمُها كَدَّرَ خَوافِيَها فَعَلى هَذا القَوْلِ فَقَوْلُهُ ﴿سَبْعَ طَرائِقَ﴾ يُوَضِّحُ مَعْناهُ قَوْلُهُ تَعالى (p-٣٢٧)﴿ألَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقًا﴾ الآيَةَ [نوح: ١٥] وهَذا قَوْلُ الأكْثَرِ. الوَجْهُ الثّانِي: أنَّها قِيلَ لَها طَرائِقُ؛ لِأنَّها طُرُقُ المَلائِكَةِ في النُّزُولِ والعُرُوجِ، وقِيلَ: لِأنَّها طَرائِقُ الكَواكِبِ في مَسِيرِها، وأمّا قَوْلُ مَن قالَ: قِيلَ لَها طَرائِقُ؛ لِأنَّ لِكُلِّ سَماءٍ طَرِيقَةٌ وهَيْئَةٌ غَيْرُ هَيْئَةِ الأُخْرى، وقَوْلُ مَن قالَ: طَرائِقُ ؟ أيْ مَبْسُوطاتٌ فَكِلاهُما ظاهِرُ البُعْدِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما كُنّا عَنِ الخَلْقِ غافِلِينَ﴾ [المؤمنون: ١٧] قَدْ قَدَّمْنا أنَّ مَعْناهُ كَقَوْلِهِ ﴿وَيُمْسِكُ السَّماءَ أنْ تَقَعَ عَلى الأرْضِ﴾ [الحج: ٦٥]؛ لِأنَّ مَن يُمْسِكُ السَّماءَ لَوْ كانَ يَغْفُلُ لَسَقَطَتْ فَأهْلَكَتِ الخَلْقَ كَما تَقَدَّمَ إيضاحُهُ. وقالَ بَعْضُهم ﴿وَما كُنّا عَنِ الخَلْقِ غافِلِينَ﴾ [المؤمنون: ١٧] بَلْ نَحْنُ القائِمُونَ بِإصْلاحِ جَمِيعِ شُئُونِهِمْ، وتَيْسِيرِ كُلِّ ما يَحْتاجُونَ إلَيْهِ وقَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكم سَبْعَ طَرائِقَ﴾ يَعْنِي: السَّماواتُ بُرْهانٌ عَلى قَوْلِهِ قَبْلَهُ ﴿ثُمَّ إنَّكم يَوْمَ القِيامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٦]؛ لِأنَّ مَن قَدَرَ عَلى خَلْقِ السَّماواتِ، مَعَ عِظَمِها فَلا شَكَّ أنَّهُ قادِرٌ عَلى خَلْقِ الإنْسانِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿لَخَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ أكْبَرُ مِن خَلْقِ النّاسِ﴾ [غافر: ٥٧] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أأنْتُمْ أشَدُّ خَلْقًا أمِ السَّماءُ بَناها﴾ الآيَةَ [النازعات: ٢٧] . وَقَوْلِهِ: ﴿أوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِقادِرٍ عَلى أنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ [يس: ٨١] والآياتُ بِمِثْلِ هَذا مُتَعَدِّدَةٌ. وَقَدْ قَدَّمْنا بَراهِينَ البَعْثِ الَّتِي هَذا البُرْهانُ مِن جُمْلَتِها، وأكْثَرْنا مِن أمْثِلَتِها وهي مَذْكُورَةٌ هُنا، ولَمْ نُوَضِّحْها هُنا لِأنّا أوْضَحْناها فِيما سَبَقَ في النَّحْلِ والبَقَرَةِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب