الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ: ﴿فَتَعالى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إلَهَ إلّا هو رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ﴾ أيْ تَعاظَمَ وتَقَدَّسَ، وتَنَزَّهَ عَنْ كُلِّ ما لا يَلِيقُ بِكَمالِهِ وجَلالِهِ، ومِنهُ خَلْقُكم عَبَثًا سُبْحانَهُ وتَعالى، عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ مِن إنْكارِ الظَّنِّ المَذْكُورِ جاءَ مُوَضَّحًا في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ • كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما خَلَقْنا السَّماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ﴾ [ص: ٢٧] • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إلّا بِالحَقِّ﴾ [الدخان: ٣٨ - ٣٩] • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أيَحْسَبُ الإنْسانُ أنْ يُتْرَكَ سُدًى ألَمْ يَكُ نُطْفَةً مِن مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّى فَجَعَلَ مِنهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأُنْثى﴾ [القيامة: ٣٦ - ٣٩] وقَوْلُهُ: سُدًى، أيْ: مُهْمَلًا لا يُحاسَبُ ولا يُجازى، وهو مَحَلُّ إنْكارِ ظَنِّ ذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿أيَحْسَبُ الإنْسانُ أنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ وقَوْلُهُ: عَبَثًا: يَجُوزُ إعْرابُهُ حالًا، لِأنَّهُ مَصْدَرٌ مُنْكَرٌ، أيْ: إنَّما خَلَقْناكم في حالِ كَوْنِنا عابِثِينَ، ويَجُوزُ أنْ يُعْرَبَ مَفْعُولًا مِن أجْلِهِ، أيْ: إنَّما خَلَقْناكم؛ لِأجْلِ العَبَثِ لا لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْ خَلْقَنا إيّاكم، وأعْرَبَهُ بَعْضُهم مَفْعُولًا مُطْلَقًا، ولَيْسَ بِظاهِرٍ. قالَ القُرْطُبِيُّ عَبَثًا: أيْ مُهْمَلِينَ، والعَبَثُ في اللُّغَةِ: اللَّعِبُ، ويَدُلُّ عَلى تَفْسِيرِهِ في الآيَةِ بِاللَّعِبِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ﴾ [الدخان: ٣٨] وقَوْلُهُ: ﴿المَلِكُ الحَقُّ﴾ [المؤمنون: ١٦١]، قالَ بَعْضُهم: أيِ: الَّذِي يَحِقُّ لَهُ المُلْكُ؛ لِأنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنهُ وإلَيْهِ، وقالَ بَعْضُهم: المَلِكُ الحَقُّ: الثّابِتُ الَّذِي لا يَزُولُ مُلْكُهُ، كَما قَدَّمْنا إيضاحَهُ في سُورَةِ النَّحْلِ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَهُ الدِّينُ واصِبًا﴾ [النحل: ٥٢] وإنَّما وُصِفَ عَرْشُهُ بِالكَرَمِ لِعَظَمَتِهِ وكِبَرِ شَأْنِهِ والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَأنَّكم إلَيْنا لا تُرْجَعُونَ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿أنَّما خَلَقْناكم عَبَثًا﴾ خِلافًا لِمَن قالَ: إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: عَبَثًا؛ لِأنَّ الأوَّلَ أظْهَرُ مِنهُ والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب