الباحث القرآني

(p-٣٥٦)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا نُفِخَ في الصُّورِ فَلا أنْسابَ بَيْنَهم يَوْمَئِذٍ ولا يَتَساءَلُونَ﴾، في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، سُؤالانِ مَعْرُوفانِ يَحْتاجانِ إلى جَوابٍ مُبَيِّنٍ لِلْمَقْصُودِ مُزِيلٍ لِلْإشْكالِ. السُّؤالُ الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ في هَذِهِ الآيَةِ: أنَّهُ إذا نُفِخَ في الصُّورِ - والظّاهِرُ أنَّها النَّفْخَةُ الثّانِيَةُ - أنَّهم لا أنْسابَ بَيْنَهم يَوْمَئِذٍ، فَيُقالُ: ما وجْهُ نَفْيِ الأنْسابِ بَيْنَهم، مَعَ أنَّها باقِيَةٌ كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا جاءَتِ الصّاخَّةُ﴾ ﴿يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِن أخِيهِ﴾ ﴿وَأُمِّهِ وأبِيهِ﴾ ﴿وَصاحِبَتِهِ وبَنِيهِ﴾ [عبس: ٣٣ - ٣٦] فَفي هَذِهِ الآيَةِ ثُبُوتُ الأنْسابِ بَيْنَهم. السُّؤالُ الثّانِي: أنَّهُ قالَ: ﴿وَلا يَتَساءَلُونَ﴾ مَعَ أنَّهُ ذَكَرَ في آياتٍ أُخَرَ أنَّهم في الآخِرَةِ يَتَساءَلُونَ، كَقَوْلِهِ في سُورَةِ الطُّورِ ﴿وَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ﴾ [الطور: ٢٥] وقَوْلِهِ في الصّافّاتِ ﴿وَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ﴾ [الصافات: ٢٧] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ. وَقَدْ ذَكَرْنا الجَوابَ عَنْ هَذَيْنِ السُّؤالَيْنِ في كِتابِنا: ”دَفْعُ إيهامِ الِاضْطِرابِ عَنْ آياتِ الكِتابِ“ بِما حاصِلُهُ: إنَّ الجَوابَ عَنِ السُّؤالِ الأوَّلِ: هو أنَّ المُرادَ بِنَفْيِ الأنْسابِ انْقِطاعُ آثارِها، الَّتِي كانَتْ مُتَرَتِّبَةً عَلَيْها في دارِ الدُّنْيا، مِنَ التَّفاخُرِ بِالآباءِ، والنَّفْعِ والعَواطِفِ والصِّلاتِ، فَكُلُّ ذَلِكَ يَنْقَطِعُ يَوْمَ القِيامَةِ، ويَكُونُ الإنْسانُ لا يُهِمُّهُ إلّا نَفْسُهُ، ولَيْسَ المُرادُ نَفْيَ حَقِيقَةِ الأنْسابِ، مِن أصْلِها بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِن أخِيهِ﴾ ﴿وَأُمِّهِ وأبِيهِ﴾ الآيَةَ [عبس: ٣٤ - ٣٥] . وَإنَّ الجَوابَ عَنِ السُّؤالِ الثّانِي مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ: الأوَّلُ: هو قَوْلُ مَن قالَ: إنَّ نَفْيَ السُّؤالِ بَعْدَ النَّفْخَةِ الأُولى، وقَبْلَ الثّانِيَةِ، وإثْباتَهُ بَعْدَهُما مَعًا، وهَذا الجَوابُ فِيما يَظْهَرُ لا يَخْلُو مِن نَظَرٍ. الثّانِي: أنَّ نَفْيَ السُّؤالِ عِنْدَ اشْتِغالِهِمْ بِالصَّعْقِ والمُحاسَبَةِ، والجَوازِ عَلى الصِّراطِ وإثْباتَهُ فِيما عَدا ذَلِكَ وهو عَنِ السُّدِّيِّ، مِن طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. الثّالِثُ: أنَّ السُّؤالَ المَنفِيَّ سُؤالٌ خاصٌّ، وهو سُؤالُ بَعْضِهِمُ العَفْوَ مِن بَعْضٍ، فِيما (p-٣٥٧)بَيْنَهم مِنَ الحُقُوقِ، لِقُنُوطِهِمْ مِنَ الإعْطاءِ، ولَوْ كانَ المَسْؤُولُ أبًا أوِ ابْنًا أوْ أُمًّا أوْ زَوْجَةً، ذَكَرَ هَذِهِ الأوْجُهَ الثَّلاثَةَ صاحِبُ الإتْقانِ. ⁕ ⁕ ⁕ * قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب): قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا نُفِخَ في الصُّورِ فَلا أنْسابَ بَيْنَهم يَوْمَئِذٍ ولا يَتَساءَلُونَ﴾ . هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّهم لا أنْسابَ بَيْنَهم يَوْمئِذٍ، وأنَّهم لا يَتَساءَلُونَ يَوْمَ (p-٣٥١)القِيامَةِ، وقَدْ جاءَتْ آياتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلى ثُبُوتِ الأنْسابِ بَيْنَهم، كَقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِن أخِيهِ﴾ الآيَةَ [ ٨٠ ]، وآياتٌ أُخْرى تَدُلُّ عَلى أنَّهم يَتَساءَلُونَ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ﴾ [الصافات: ٢٧] . والجَوابُ عَنِ الأوَّلِ: أنَّ المُرادَ بِنَفْيِ الأنْسابِ انْقِطاعُ فَوائِدِها وآثارُها الَّتِي كانَتْ مُتَرَتِّبَةً عَلَيْها في الدُّنْيا، مِنَ العَواطِفِ والنَّفْعِ والصِّلاتِ والتَّفاخُرِ بِالآباءِ لا نَفْيُ حَقِيقَتِها. والجَوابُ عَنِ الثّانِي مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ: الأوَّلُ: أنَّ نَفْيَ السُّؤالِ بَعْدَ النَّفْخَةِ الأوْلى، وقَبْلَ الثّانِيَةِ وإثْباتُهُ بَعْدَهُما مَعًا. الثّانِي: أنَّ نَفْيَ السُّؤالِ عِنْدَ اشْتِغالِهِمْ بِالصَّعْقِ والمُحاسَبَةِ والجَوازِ عَلى الصِّراطِ، وإثْباتَهُ فِيما عَدا ذَلِكَ وهو عَنِ السُّدِّيِّ مِن طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. الثّالِثُ: أنَّ السُّؤالَ المَنفِيَّ سُؤالٌ خاصٌّ، وهو سُؤالُ بَعْضِهِمُ العَفْوَ مِن بَعْضٍ فِيما بَيْنَهم مِنَ الحُقُوقِ لِقُنُوطِهِمْ مِنَ الإعْطاءِ، ولَوْ كانَ المَسْؤُولُ أبًا أوِ ابْنًا أوْ أُمًّا أوْ زَوْجَةً، ذَكَرَ هَذِهِ الأوْجُهَ الثَّلاثَةَ أيْضًا صاحِبُ الإتْقانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب