الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ ويُولِجُ النَّهارَ في اللَّيْلِ وأنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ وأنَّ ما يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هو الباطِلُ وأنَّ اللَّهَ هو العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾ .
(p-٢٩٣)ذَكَرَ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ: أنَّ الإشارَةَ في قَوْلِهِ: ذَلِكَ راجِعَةٌ إلى نُصْرَةِ مَن ظُلِمَ مِن عِبادِهِ المُؤْمِنِينَ المَذْكُورِ قَبْلَهُ في قَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ ومَن عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ﴾ الآيَةَ [الحج: ٦٠]، أيْ: ذَلِكَ النَّصْرُ المَذْكُورُ كائِنٌ بِسَبَبِ أنَّهُ قادِرٌ لا يَعْجِزُ عَنْ نُصْرَةِ مَن شاءَ نُصْرَتَهُ، ومِن عَلاماتِ قُدْرَتِهِ الباهِرَةِ: أنَّهُ يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ، ويُولِجُ النَّهارَ في اللَّيْلِ أوْ بِسَبَبِ أنَّهُ خالِقُ اللَّيْلِ والنَّهارِ، ومُصَرِّفُهَما، فَلا يَخْفى عَلَيْهِ ما يَجْرِي فِيهِما عَلى أيْدِي عِبادِهِ مِنَ الخَيْرِ والشَّرِّ والبَغْيِ والِانْتِصارِ، وأنَّهُ سَمِيعٌ لِما يَقُولُونَ، بَصِيرٌ بِما يَفْعَلُونَ أيْ: وذَلِكَ الوَصْفُ بِخَلْقِ النَّهارِ واللَّيْلِ والإحاطَةِ بِما يَجْرِي فِيهِما، والإحاطَةِ بِكُلِّ قَوْلٍ وفِعْلٍ بِسَبَبِ أنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ أيِ: الثّابِتُ الإلَهِيَّةِ والِاسْتِحْقاقِ لِلْعِبادَةِ وحْدَهُ، وأنَّ كُلَّ ما يُدَّعى إلَهًا غَيْرَهُ باطِلٌ وكُفْرٌ، ووَبالٌ عَلى صاحِبِهِ، وأنَّهُ - جَلَّ وعَلا - هو العَلِيُّ الكَبِيرُ، الَّذِي هو أعَلا مِن كُلِّ شَيْءٍ وأعْظَمُ وأكْبَرُ سُبْحانَهُ وتَعالى عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَقَدْ أشارَ تَعالى لِأوَّلِ ما ذَكَرْنا، بِقَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ﴾ الآيَةَ [الحج: ٦١]، ولِآخِرِهِ بِقَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ﴾ الآيَةَ [الحج: ٦٢] .
والأظْهَرُ عِنْدِي: أنَّ الإشارَةَ في قَوْلِهِ ذَلِكَ: راجِعَةٌ إلى ما هو أعَمُّ مِن نُصْرَةِ المَظْلُومِ، وأنَّها تَرْجِعُ لِقَوْلِهِ ﴿المُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ [الحج: ٥٦]، إلى ما ذَكَرَهُ مِن نُصْرَةِ المَظْلُومِ أيْ: ذَلِكَ المَذْكُورُ مِن كَوْنِ المُلْكِ لَهُ وحْدَهُ، يَوْمَ القِيامَةِ، وأنَّهُ الحاكِمُ وحْدَهُ بَيْنَ خَلْقِهِ، وأنَّهُ المُدْخِلُ الصّالِحِينَ جَنّاتِ النَّعِيمِ والمُعَذِّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا العَذابَ المُهِينَ، والنّاصِرُ مَن بُغِيَ عَلَيْهِ مِن عِبادِهِ المُؤْمِنِينَ، بِسَبَبِ أنَّهُ القادِرُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ، ومِن أدِلَّةِ ذَلِكَ: أنَّهُ يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ إلى آخِرِ ما ذَكَرْنا. وهَذا الَّذِي وصَفَ بِهِ نَفْسَهُ هُنا مِن صِفاتِ الكَمالِ والجَلالِ ذَكَرَهُ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ كَقَوْلِهِ في سُورَةِ لُقْمانَ، مُبَيِّنًا أنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفاتِ قادِرٌ عَلى إحْياءِ المَوْتى، وخَلْقِ النّاسِ ﴿ما خَلْقُكم ولا بَعْثُكم إلّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [لقمان: ٢٨] .
ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلى قُدْرَتِهِ عَلى الخَلْقِ والبَعْثِ، فَقالَ: ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ ويُولِجُ النَّهارَ في اللَّيْلِ وسَخَّرَ الشَّمْسَ والقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إلى أجَلٍ مُسَمًّى وأنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ وأنَّ ما يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الباطِلُ وأنَّ اللَّهَ هو العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾ [لقمان: ٢٩ - ٣٠] فَهَذِهِ الصِّفاتُ الدّالَّةُ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ، اسْتُدِلَّ بِها عَلى قُدْرَتِهِ في ”الحَجِّ“، وفي ”لُقْمانَ“، وإيلاجُ كُلٍّ مِنَ اللَّيْلِ والنَّهارِ في الآخَرِ فِيهِ مَعْنَيانِ:
(p-٢٩٤)الأوَّلُ: وهو قَوْلُ الأكْثَرِ هو: أنَّ إيلاجَ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما في الآخَرِ، إنَّما هو بِإدْخالِ جُزْءٍ مِنهُ فِيهِ، وبِذَلِكَ يَطُولُ النَّهارُ في الصَّيْفِ؛ لِأنَّهُ أُولِجَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ اللَّيْلِ ويَطُولُ اللَّيْلُ في الشِّتاءِ؛ لِأنَّهُ أُولِجَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ النَّهارِ، وهَذا مِن أدِلَّةِ قُدْرَتِهِ الكامِلَةِ.
المَعْنى الثّانِي: هو أنَّ إيلاجَ أحَدِهِما في الآخَرِ، هو تَحْصِيلُ ظُلْمَةِ هَذا في مَكانِ ضِياءِ ذَلِكَ، بِغَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ، وضِياءِ ذَلِكَ في مَكانِ ظُلْمَةِ هَذا كَما يُضِيءُ البَيْتُ المُغْلَقُ بِالسِّراجِ، ويُظْلِمُ بِفَقْدِهِ. ذَكَرَ هَذا الوَجْهَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وكَأنَّهُ يَمِيلُ إلَيْهِ والأوَّلُ أظْهَرُ، وأكْثَرُ قائِلًا، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ ﴿وَأنَّ ما يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هو الباطِلُ﴾ [الحج: ٦٢] قَرَأهُ حَفْصٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ: يَدْعُونَ بِالياءِ التَّحْتِيَّةِ، وقَرَأهُ الباقُونَ: بِتاءِ الخِطابِ الفَوْقِيَّةِ.
{"ayah":"ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ یُولِجُ ٱلَّیۡلَ فِی ٱلنَّهَارِ وَیُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِی ٱلَّیۡلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِیعُۢ بَصِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











