الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ ولَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وعْدَهُ﴾، ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ الكُفّارَ يَطْلُبُونَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ تَعْجِيلَ العَذابِ الَّذِي يَعِدُهم بِهِ طُغْيانًا وعِنادًا.
والآياتُ الدّالَّةُ عَلى هَذا المَعْنى كَثِيرَةٌ في القُرْآنِ؛
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الحِسابِ﴾ [ص: ١٦]
• وقَوْلِهِ: ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ وإنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٥٤]
• وقَوْلِهِ: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ ولَوْلا أجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ العَذابُ﴾ الآيَةَ [العنكبوت: ٥٣] .
وَقَدْ أوْضَحْنا الآياتِ الدّالَّةَ عَلى هَذا المَعْنى في مَواضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، مِن هَذا الكِتابِ المُبارَكِ في سُورَةِ ”الأنْعامِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ [الأنعام: ٥٧] وفي يُونُسَ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿أثُمَّ إذا ما وقَعَ آمَنتُمْ بِهِ﴾ [يونس: ١٥] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المَواضِعِ.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وعْدَهُ﴾ الظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِالوَعْدِ هُنا: هو ما أوْعَدَهم بِهِ مِنَ العَذابِ الَّذِي يَسْتَعْجِلُونَ نُزُولَهُ.
(p-٢٧٦)والمَعْنى: هو مُنْجِزٌ ما وعَدَهم بِهِ مِنَ العَذابِ، وإذا جاءَ الوَقْتُ المُحَدَّدُ لِذَلِكَ كَما قالَ تَعالى: ﴿وَلَوْلا أجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ العَذابُ ولَيَأْتِيَنَّهم بَغْتَةً وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٣] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهم وحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [هود: ٨] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أثُمَّ إذا ما وقَعَ آمَنتُمْ بِهِ آلْآنَ وقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [يونس: ٥١] وبِهِ تَعْلَمُ أنَّ الوَعْدَ يُطْلَقُ في القُرْآنِ عَلى الوَعْدِ بِالشَّرِّ.
وَمِنَ الآياتِ المُوَضِّحَةِ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ أفَأُنَبِّئُكم بِشَرٍّ مِن ذَلِكُمُ النّارُ وعَدَها اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وبِئْسَ المَصِيرُ﴾ [الحج: ٧٢] فَإنَّهُ قالَ في هَذِهِ الآيَةِ في النّارِ: وعَدَها اللَّهُ بِصِيغَةِ الثُّلاثِيِّ الَّذِي مَصْدَرُهُ الوَعْدُ، ولَمْ يَقُلْ أوْعَدَها وما ذُكِرَ في هَذِهِ الآيَةِ، مِن أنَّ ما وعَدَ بِهِ الكُفّارَ مِنَ العَذابِ واقِعٌ لا مَحالَةَ، وأنَّهُ لا يُخْلِفُ وعْدَهُ بِذَلِكَ، جاءَ مُبَيَّنًا في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ؛
• كَقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ ”ق“ ﴿قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وقَدْ قَدَّمْتُ إلَيْكم بِالوَعِيدِ ما يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ﴾ الآيَةَ [ق: ٢٨] والصَّحِيحُ أنَّ المُرادَ
• بِقَوْلِهِ: ﴿ما يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ﴾ أنَّ ما أوْعَدَ الكُفّارَ بِهِ مِنَ العَذابِ، لا يُبَدَّلُ لَدَيْهِ، بَلْ هو واقِعٌ لا مَحالَةَ،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وعِيدِ﴾ [ق: ١٤] أيْ: وجَبَ وثَبُتَ فَلا يُمْكِنُ عَدَمُ وُقُوعِهِ بِحالٍ
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ كُلٌّ إلّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ﴾ [ص: ١٤] كَما أوْضَحْناهُ في كِتابِنا: ”دَفْعُ إيهامِ الِاضْطِرابِ، عَنْ آياتِ الكِتابِ“ في سُورَةِ ”الأنْعامِ“، في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ النّارُ مَثْواكم خالِدِينَ فِيها إلّا ما شاءَ اللَّهُ﴾ الآيَةَ [الأنعام: ١٢٨]، وأوْضَحْنا أنَّ ما أُوعِدُ بِهِ الكُفّارُ لا يُخْلَفُ بِحالٍ، كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ الآياتُ المَذْكُورَةُ، أمّا ما أُوعِدَ بِهِ عُصاةُ المُسْلِمِينَ، فَهو الَّذِي يَجُوزُ ألّا يُنَفِّذَهُ وأنْ يَعْفُوَ كَما قالَ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ الآيَةَ [النساء: ٤٨] .
وَبِالتَّحْقِيقِ الَّذِي ذَكَرْنا: تَعْلَمُ أنَّ الوَعْدَ يُطْلَقُ في الخَيْرِ والشَّرِّ كَما بَيَّنّا، وإنَّما شاعَ عَلى ألْسِنَةِ كَثِيرٍ مِن أهْلِ التَّفْسِيرِ، مِن أنَّ الوَعْدَ لا يُسْتَعْمَلُ إلّا في الوَعْدِ بِخَيْرٍ وأنَّهُ هو الَّذِي لا يُخْلِفُهُ اللَّهُ، وأمّا إنْ كانَ المُتَوَعَّدُ بِهِ شَرًّا، فَإنَّهُ وعِيدٌ وإيعادٌ، قالُوا: إنَّ العَرَبَ تَعُدُّ الرُّجُوعَ عَنِ الوَعْدِ لُؤْمًا، وعَنِ الإيعادِ كَرَمًا، وذَكَرُوا عَنِ الأصْمَعِيِّ أنَّهُ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ أبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ، فَجاءَهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ فَقالَ: يا أبا عَمْرٍو، هَلْ يُخْلِفُ اللَّهُ المِيعادَ ؟ فَقالَ: لا، فَذَكَرَ آيَةَ وعِيدٍ، فَقالَ لَهُ: أمِنَ العَجَمِ أنْتَ ؟ إنَّ العَرَبَ تَعُدُّ الرُّجُوعَ عَنِ الوَعْدِ لُؤْمًا وعَنِ الإيعادِ كَرَمًا، أما سَمِعْتَ قَوْلَ الشّاعِرِ: (p-٢٧٧)
؎وَلا يَرْهَبُ ابْنُ العَمِّ والجارُ سَطْوَتِي ولا انْثَنى عَنْ سَطْوَةِ المُتَهَدِّدِ
؎فَإنِّي وإنْ أوْعَدْتُهُ أوْ وعَدْتُهُ ∗∗∗ لَمُخْلِفٌ إيعادِي ومُنْجِزٌ مَوْعِدِي
فِيهِ نَظَرٌ مِن وجْهَيْنِ.
الأوَّلُ: هو ما بَيَّنّاهُ آنِفًا مِن إطْلاقِ الوَعْدِ في القُرْآنِ عَلى التَّوَعُّدِ بِالنّارِ، والعَذابِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿النّارُ وعَدَها اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الحج: ٧٢] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ ولَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وعْدَهُ﴾ [الحج: ٤٧]؛ لِأنَّ ظاهِرَ الآيَةِ الَّذِي لا يَجُوزُ العُدُولُ عَنْهُ، ولَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وعْدَهُ في حُلُولِ العَذابِ الَّذِي يَسْتَعْجِلُونَكَ بِهِ لَهم، لِأنَّهُ مُقْتَرِنٌ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ﴾ [الحج: ٤٧] فَتَعَلُّقُهُ بِهِ هو الظّاهِرُ.
الثّانِي: هو ما بَيَّنّا أنَّ ما أوْعَدَ اللَّهُ بِهِ الكُفّارَ لا يَصِحُّ أنْ يُخْلِفَهُ بِحالٍ؛ لِأنَّ ادِّعاءَ جَوازِ إخْلافِهِ، لِأنَّهُ إيعادٌ وأنَّ العَرَبَ تَعُدُّ الرُّجُوعَ عَنِ الإيعادِ كَرَمًا يُبْطِلُهُ أمْرانِ:
الأوَّلُ: أنَّهُ يَلْزَمُهُ جَوازُ ألّا يَدْخُلَ النّارَ كافِرٌ أصْلًا، لِأنَّ إيعادَهم بِإدْخالِهِمُ النّارَ مِمّا زَعَمُوا أنَّ الرُّجُوعَ عَنْهُ كَرَمٌ، وهَذا لا شَكَّ في بُطْلانِهِ.
الثّانِي: ما ذَكَرْنا مِنَ الآياتِ الدّالَّةِ: عَلى أنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ ما أوْعَدَ بِهِ الكُفّارَ مِنَ العَذابِ،
• كَقَوْلِهِ: ﴿قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وقَدْ قَدَّمْتُ إلَيْكم بِالوَعِيدِ ما يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ﴾ الآيَةَ [ق: ٢٨ - ٢٩]
• وقَوْلِهِ تَعالى فِيهِمْ: ﴿فَحَقَّ وعِيدِ﴾ [ق: ١٤]
• وقَوْلِهِ فِيهِمْ: ﴿فَحَقَّ عِقابِ﴾ [ص: ١٤]
ومَعْنى حَقَّ: وجَبَ وثَبَتَ، فَلا وجْهَ لِانْتِفائِهِ بِحالٍ، كَما أوْضَحْناهُ هُنا وفي غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَألْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ﴾، بَيَّنَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ اليَوْمَ عِنْدَهُ - جَلَّ وعَلا - كَألْفِ سَنَةٍ مِمّا يَعُدُّهُ خَلْقُهُ، وما ذَكَرَهُ هُنا مِن كَوْنِ اليَوْمِ عِنْدَهُ كَألْفِ سَنَةٍ، أشارَ إلَيْهِ في سُورَةِ السَّجْدَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّماءِ إلى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥] وذَكَرَ في سُورَةِ المَعارِجِ أنَّ مِقْدارَ اليَوْمِ خَمْسُونَ ألْفَ سَنَةٍ وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ إلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ﴾ الآيَةَ [المعارج: ٤]، فَآيَةُ الحَجِّ، وآيَةُ السَّجْدَةِ مُتَوافِقَتانِ تُصَدِّقُ كُلَّ واحِدَةٍ مِنهُما الأُخْرى، وتُماثِلُها في المَعْنى، وآيَةُ المَعارِجِ تُخالِفُ ظاهِرَهُما لِزِيادَتِها عَلَيْهِما بِخَمْسِينَ ضِعْفًا، وقَدْ ذَكَرْنا وجْهَ الجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الآياتِ في كِتابِنا: ”دَفْعُ إيهامِ الِاضْطِرابِ عَنْ آياتِ الكِتابِ“، وسَنَذْكُرُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ (p-٢٧٨)هُنا مُلَخَّصًا مُخْتَصَرًا، ونَزِيدُ عَلَيْهِ بَعْضَ ما تَدْعُو الحاجَةُ إلَيْهِ.
فَقَدْ ذَكَرْنا ما مُلَخَّصُهُ: أنَّ أبا عُبَيْدَةَ رَوى عَنْ إسْماعِيلَ بْنِ إبْراهِيمَ، عَنْ أيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أبِي مُلَيْكَةَ أنَّهُ حَضَرَ كُلًّا مِنَ ابْنِ عَبّاسٍ، وسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآياتِ: فَلَمْ يَدْرِ ما يَقُولُهُ فِيها، ويَقُولُ: لا أدْرِي، ثُمَّ ذَكَرْنا أنَّ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُما وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: هو ما أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن طَرِيقِ سِماكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مِن أنَّ يَوْمَ الألْفِ في سُورَةِ الحَجِّ: هو أحَدُ الأيّامِ السِّتَّةِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيها السَّماواتِ والأرْضَ ويَوْمُ الألْفِ في سُورَةِ السَّجْدَةِ، هو مِقْدارُ سَيْرِ الأمْرِ وعُرُوجِهِ إلَيْهِ تَعالى ويَوْمُ الخَمْسِينَ ألْفًا، هو يَوْمُ القِيامَةِ.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ بِجَمِيعِها يَوْمُ القِيامَةِ، وأنَّ اخْتِلافَ زَمَنِ اليَوْمِ إنَّما هو بِاعْتِبارِ حالِ المُؤْمِنِ، وحالِ الكافِرِ؛ لِأنَّ يَوْمَ القِيامَةِ أخَفُّ عَلى المُؤْمِنِ مِنهُ عَلى الكافِرِ كَما قالَ تَعالى: ﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلى الكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ [المدثر: ٩ - ١٠] اهـ، ذَكَرَ هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ صاحِبُ الإتْقانِ.
وَذَكَرْنا أيْضًا في كِتابِنا: ”دَفْعُ إيهامِ الِاضْطِرابِ، عَنْ آياتِ الكِتابِ“ في سُورَةِ ”الفُرْقانِ“، في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أصْحابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وأحْسَنُ مَقِيلًا﴾ [الفرقان: ٢٤] ما مُلَخَّصُهُ: أنَّ آيَةَ الفُرْقانِ هَذِهِ تَدُلُّ عَلى انْقِضاءِ الحِسابِ في نِصْفِ نَهارٍ؛ لِأنَّ المَقِيلَ القَيْلُولَةُ أوْ مَكانُها وهي الِاسْتِراحَةُ نِصْفُ النَّهارِ في الحَرِّ، ومِمَّنْ قالَ بِانْقِضاءِ الحِسابِ في نِصْفِ نَهارٍ: ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وعِكْرِمَةُ وابْنُ جُبَيْرٍ لِدَلالَةِ هَذِهِ الآيَةِ، عَلى ذَلِكَ، كَما نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ وغَيْرُهُ.
وَفِي تَفْسِيرِ الجَلالَيْنِ ما نَصُّهُ: وأُخِذَ مِن ذَلِكَ انْقِضاءُ الحِسابِ في نِصْفِ نَهارٍ، كَما ورَدَ في حَدِيثٍ انْتَهى مِنهُ، مَعَ أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ أنَّ مِقْدارَ يَوْمِ القِيامَةِ خَمْسُونَ ألْفَ سَنَةٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: ٤] وهو يَوْمُ القِيامَةِ بِلا خِلافٍ في ذَلِكَ.
والظّاهِرُ في الجَوابِ: أنَّ يَوْمَ القِيامَةِ يَطُولُ عَلى الكُفّارِ ويَقْصُرُ عَلى المُؤْمِنِينَ، ويُشِيرُ لِهَذا قَوْلُهُ تَعالى بَعْدَ هَذا بِقَلِيلٍ ﴿المُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وكانَ يَوْمًا عَلى الكافِرِينَ عَسِيرًا﴾ [الفرقان: ٢٦] فَتَخْصِيصُهُ عُسْرَ ذَلِكَ اليَوْمَ بِالكافِرِينَ: يَدُلُّ عَلى أنَّ المُؤْمِنِينَ (p-٢٧٩)لَيْسُوا كَذَلِكَ وقَوْلُهُ تَعالى:
﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلى الكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ [المدثر: ٩ - ١٠] يَدُلُّ بِمَفْهُومِ مُخالَفَتِهِ عَلى أنَّهُ يَسِيرٌ عَلى المُؤْمِنِينَ غَيْرُ عَسِيرٍ كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مُهْطِعِينَ إلى الدّاعِي يَقُولُ الكافِرُونَ هَذا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ .
وَقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، أنْبَأنا ابْنُ وهْبٍ، أنْبَأنا عَمْرُو بْنُ الحارِثِ: أنَّ سَعِيدًا الصَّوّافَ حَدَّثَهُ أنَّهُ بَلَغَهُ: أنَّ يَوْمَ القِيامَةِ يَقْصُرُ عَلى المُؤْمِنِينَ، حَتّى يَكُونَ كَما بَيْنَ العَصْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وأنَّهم يَتَقَلَّبُونَ في رِياضِ الجَنَّةِ، حَتّى يُفْرَغَ مِنَ النّاسِ وذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أصْحابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وأحْسَنُ مَقِيلًا﴾ [الفرقان: ٢٤] ونَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِهِ، وأمّا عَلى قَوْلِ مَن فَسَّرَ المَقِيلَ في الآيَةِ بِأنَّهُ المَأْوى والمَنزِلُ كَقَتادَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَلا دَلالَةَ في الآيَةِ لِشَيْءٍ مِمّا ذَكَرْنا، ومَعْلُومٌ أنَّ مَن كانَ في سُرُورٍ ونِعْمَةٍ، أنَّهُ يَقْصُرُ عَلَيْهِ الزَّمَنُ الطَّوِيلُ قَصْرًا شَدِيدًا، بِخِلافِ مَن كانَ في العَذابِ المُهِينِ والبَلايا والكُرُوبِ، فَإنَّ الزَّمَنَ القَصِيرَ يَطُولُ عَلَيْهِ جِدًّا، وهَذا أمْرٌ مَعْرُوفٌ، وهو كَثِيرٌ في كَلامِ العَرَبِ، وقَدْ ذَكَرْنا في كِتابِنا المَذْكُورِ بَعْضَ الشَّواهِدِ الدّالَّةِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِ أبِي سُفْيانَ بْنِ الحارِثِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرْثِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ:
؎أرِقْتُ فَباتَ لَيْلِي لا يَزُولُ ولَيْلُ أخِي المُصِيبَةِ فِيهِ طُولُ
وَقَوْلِ الآخَرِ:
؎فَقِصارُهُنَّ مَعَ الهُمُومِ طَوِيلَةٌ ∗∗∗ وطِوالُهُنَّ مَعَ السُّرُورِ قِصارُ
وَقَوْلِ الآخَرِ:
؎لَيْلى ولَيْلِي نَفى نَوْمِي اخْتِلافَهُما ∗∗∗ في الطُّولِ والطُّولُ طُوبى لِي لَوِ اعْتَدَلا
؎يَجُودُ بِالطُّولِ لَيْلِي كُلَّما بَخِلَتْ ∗∗∗ بِالطُّولِ لَيْلى وإنْ جادَتْ بِهِ بَخِلا
وَنَحْوُ هَذا كَثِيرٌ جِدًّا في كَلامِ العَرَبِ، ومِن أظْرَفِ ما قِيلَ فِيهِ ما رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُعاوِيَةَ أنَّهُ قالَ:
؎لا أسْألُ اللَّهَ تَغْيِيرًا لِما فَعَلَتْ ∗∗∗ نامَتْ وقَدْ أسَهَرَتْ عَيْنَيَّ عَيْناها
؎فاللَّيْلُ أطْوَلُ شَيْءٍ حِينَ أفْقِدُها ∗∗∗ واللَّيْلُ أقْصَرُ شَيْءٍ حِينَ ألْقاها
وَقَدْ ورَدَ بَعْضُ الأحادِيثِ بِما يَدُلُّ عَلى ظاهِرِ آيَةِ ”الحَجِّ“، وآيَةِ ”السَّجْدَةِ“ .
وَسَنَذْكُرُ هُنا طَرَفًا مِنهُ بِواسِطَةِ نَقْلِ ابْنِ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ مِن سُورَةِ ”الحَجِّ“، قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: قالَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ: حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي عَبَدَةُ بْنُ سُلَيْمانَ، عَنْ (p-٢٨٠)مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «يَدْخُلُ فُقَراءُ المُسْلِمِينَ الجَنَّةَ قَبْلَ الأغْنِياءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ خَمْسِمِائَةِ عامٍ» ورَواهُ التِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ مِن حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِهِ، وقالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ رَواهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا فَقالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ ثَنا ابْنُ عُلَيَّةَ، ثَنا سَعِيدٌ الجُرَيْرِيُّ عَنْ أبِي نَضْرَةَ، عَنْ سُمَيْرِ بْنِ نَهارٍ قالَ: قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: يَدْخُلُ فُقَراءُ المُسْلِمِينَ الجَنَّةَ قَبْلَ الأغْنِياءِ، بِمِقْدارِ نِصْفِ يَوْمٍ، قُلْتُ: وما مِقْدارُ نِصْفِ يَوْمٍ ؟ قالَ: أوَ ما تَقْرَأُ القُرْآنَ ؟ قُلْتُ: بَلى قالَ: ﴿وَإنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَألْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧] وقالَ أبُو داوُدَ في آخِرِ كِتابِ المَلاحِمِ مِن سُنَنِهِ: حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عُثْمانَ، حَدَّثَنا أبُو المُغِيرَةِ، حَدَّثَنِي صَفْوانُ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «إنِّي لَأرْجُو ألّا تَعْجِزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّها أنْ يُؤَخِّرَهم نِصْفَ يَوْمٍ» قِيلَ لِسَعْدٍ: وكَمْ نِصْفُ يَوْمٍ ؟ قالَ: خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ.
وَقالَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ سِنانٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ إسْرائِيلَ، عَنْ سِماكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿وَإنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَألْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧] قالَ: مِنَ الأيّامِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيها السَّماواتِ والأرْضَ، ورَواهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ بَشّارٍ، عَنِ ابْنِ المَهْدِيِّ وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ، وعِكْرِمَةُ، ونَصَّ عَلَيْهِ أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ في كِتابِ الرَّدِّ عَلى الجَهْمِيَّةِ، وقالَ مُجاهِدٌ: هَذِهِ الآيَةُ كَقَوْلِهِ: ﴿يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّماءِ إلى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥] اهـ. مَحَلُّ الغَرَضِ مِنَ ابْنِ كَثِيرٍ، وظَواهِرُ الأحادِيثِ الَّتِي ساقَ يُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَها وبَيْنَ ما ذَكَرْنا مِن أنَّ أصْلَ اليَوْمِ كَألْفِ سَنَةٍ، ولَكِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلى المُؤْمِنِينَ يَقْصُرُ ويَخِفُّ، حَتّى يَكُونَ كَنِصْفِ نَهارٍ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ، وقَرَأ هَذا الحَرْفَ ابْنُ كَثِيرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: (كَألْفِ سَنَةٍ مِمّا يَعُدُّونَ) بِياءِ الغَيْبَةِ، وقَرَأهُ الباقُونَ تَعُدُّونَ بِتاءِ الخِطابِ ومَعْنى القِراءَتَيْنِ واضِحٌ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"وَیَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَن یُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۚ وَإِنَّ یَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةࣲ مِّمَّا تَعُدُّونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











