الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إلّا أنْ يَقُولُوا رَبُّنا اللَّهُ﴾، تَقَدَّمَ ما يُوَضِّحُ هَذِهِ الآيَةَ مِنَ الآياتِ في سُورَةِ ”بَراءَةٌ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿وَما نَقَمُوا إلّا أنْ أغْناهُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٤] . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنْصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾، بَيَّنَ اللَّهُ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّهُ أقْسَمَ لَيَنْصُرَنَّ مَن يَنْصُرُهُ، ومَعْلُومٌ أنَّ نَصْرَ اللَّهِ إنَّما هو بِاتِّباعِ ما شَرَّعَهُ بِامْتِثالِ أوامِرِهِ، واجْتِنابِ نَواهِيهِ ونُصْرَةِ رُسُلِهِ وأتْباعِهِمْ، ونُصْرَةِ دِينِهِ وجِهادِ أعْدائِهِ وقَهْرِهِمْ حَتّى تَكُونَ كَلِمَتُهُ - جَلَّ وعَلا - هي العُلْيا، وكَلِمَةُ أعْدائِهِ هي السُّفْلى، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ - جَلَّ وعَلا - بَيَّنَ صِفاتِ الَّذِينَ وعَدَهم بِنَصْرِهِ لِتَمْيِيزِهِمْ عَنْ غَيْرِهِمْ فَقالَ (p-٢٦٦)مُبَيِّنًا مَن أقْسَمَ أنَّهُ يَنْصُرُهُ؛ لِأنَّهُ يَنْصُرُ اللَّهَ - جَلَّ وعَلا -: ﴿الَّذِينَ إنْ مَكَّنّاهم في الأرْضِ أقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ وأمَرُوا بِالمَعْرُوفِ ونَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ﴾ الآيَةَ [الحج: ٤١] وما دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ: مِن أنَّ مَن نَصَرَ اللَّهَ نَصَرَهُ اللَّهُ جاءَ مُوَضَّحًا في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ • كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكم ويُثَبِّتْ أقْدامَكُمْ﴾ ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهم وأضَلَّ أعْمالَهُمْ﴾ [محمد: ٧ - ٨] • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنا المُرْسَلِينَ﴾ ﴿إنَّهم لَهُمُ المَنصُورُونَ﴾ ﴿وَإنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبُونَ﴾ [الصافات: ١٧١ - ١٧٣] • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأغْلِبَنَّ أنا ورُسُلِي﴾ [المجادلة: ٢١] • وقَوْلِهِ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهم في الأرْضِ﴾ الآيَةَ [النور: ٥٥]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّذِينَ إنْ مَكَّنّاهم في الأرْضِ﴾ الآيَةَ [الحج: ٤١]، دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ لا وعْدَ مِنَ اللَّهِ بِالنَّصْرِ، إلّا مَعَ إقامَةِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ والأمْرِ بِالمَعْرُوفِ، والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، فالَّذِينَ يُمَكِّنُ اللَّهُ لَهم في الأرْضِ ويَجْعَلُ الكَلِمَةَ فِيها والسُّلْطانَ لَهم، ومَعَ ذَلِكَ لا يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ولا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ، ولا يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ، ولا يَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ فَلَيْسَ لَهم وعْدٌ مِنَ اللَّهِ بِالنَّصْرِ؛ لِأنَّهم لَيْسُوا مِن حِزْبِهِ، ولا مِن أوْلِيائِهِ الَّذِينَ وعَدَهم بِالنَّصْرِ، بَلْ هم حِزْبُ الشَّيْطانِ وأوْلِياؤُهُ، فَلَوْ طَلَبُوا النَّصْرَ مِنَ اللَّهِ بِناءً عَلى أنَّهُ وعَدَهم إيّاهُ، فَمَثَلُهم كَمَثَلِ الأجِيرِ الَّذِي يَمْتَنِعُ مِن عَمَلِ ما أُجِرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَطْلُبُ الأُجْرَةَ، ومَن هَذا شَأْنُهُ فَلا عَقْلَ لَهُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: ٤٠] العَزِيزُ الغالِبُ الَّذِي لا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ، كَما قَدَّمْناهُ مِرارًا بِشَواهِدِهِ العَرَبِيَّةِ، وهَذِهِ الآياتُ تَدُلُّ عَلى صِحَّةِ خِلافَةِ الخُلَفاءِ الرّاشِدِينَ؛ لِأنَّ اللَّهَ نَصَرَهم عَلى أعْدائِهِمْ، لِأنَّهم نَصَرُوهُ فَأقامُوا الصَّلاةَ، وآتَوُا الزَّكاةَ، وأمَرُوا بِالمَعْرُوفِ، ونَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ، وقَدْ مَكَّنَ لَهم، واسْتَخْلَفَهم في الأرْضِ كَما قالَ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهم في الأرْضِ﴾ الآيَةَ [النور: ٥٥]، والحَقُّ أنَّ الآياتِ المَذْكُورَةَ تَشْمَلُ أصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وكُلَّ مَن قامَ بِنُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ عَلى الوَجْهِ الأكْمَلِ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب