الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، بَيَّنَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّهُ يَدْفَعُ السُّوءَ عَنْ عِبادِهِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ إيمانًا حَقًّا، ويَكْفِيهِمْ شَرَّ أهْلِ السُّوءِ، وقَدْ أشارَ إلى هَذا المَعْنى في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ فَهو حَسْبُهُ﴾ الآيَةَ [الطلاق: ٣]،
• وقَوْلِهِ: ﴿ألَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: ٣٦]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قاتِلُوهم يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأيْدِيكم ويُخْزِهِمْ ويَنْصُرْكم عَلَيْهِمْ ويَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١٤ - ١٥]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآيَةَ [غافر: ٥١]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: ٤٧]
• وقَوْلِهِ: ﴿وَإنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبُونَ﴾ [الصافات: ١٧٣]
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ، وقَرَأ هَذا الحَرْفَ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو: ﴿إنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بِفَتْحِ الياءِ والفاءِ بَيْنَهُما دالٌ ساكِنَةٌ مُضارِعُ دَفَعَ المُجَرَّدِ، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ، فالمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أيْ يَدْفَعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا الشَّرَّ والسُّوءَ،؛ لِأنَّ الإيمانَ بِاللَّهِ هو أعْظَمُ أسْبابِ دَفْعِ المَكارِهِ، وقَرَأ الباقُونَ: يُدافِعُ بِضَمِّ الياءِ، وفَتْحِ الدّالِ بَعْدَها ألِفٌ، وكَسْرِ الفاءِ مُضارِعُ دافَعَ المَزِيدِ فِيهِ ألِفٌ بَيْنَ الفاءِ والعَيْنِ عَلى وزْنِ فاعِلٍ، وفي قِراءَةِ الجُمْهُورِ هَذِهِ إشْكالٌ مَعْرُوفٌ، وهو أنَّ المُفاعَلَةَ تَقْتَضِي بِحَسَبِ الوَضْعِ العَرَبِيِّ اشْتِراكَ فاعِلَيْنِ في المَصْدَرِ، واللَّهُ - جَلَّ وعَلا - يَدْفَعُ كُلَّ ما شاءَ مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ لَهُ مُدافِعٌ يَدْفَعُ شَيْئًا.
والجَوابُ: هو ما عُرِفَ مِن أنَّ المُفاعَلَةَ قَدْ تَرِدُ بِمَعْنى المُجَرَّدِ، نَحْوَ: جاوَزْتُ المَكانَ بِمَعْنى جُزْتُهُ، وعاقَبْتُ اللِّصَّ، وسافَرْتُ، وعافاكَ اللَّهُ، ونَحْوَ ذَلِكَ، فَإنَّ فاعَلَ في جَمِيعِ ذَلِكَ بِمَعْنى المُجَرَّدِ، وعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: يُدافِعُ بِمَعْنى: يَدْفَعُ، كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ قِراءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ وأبِي عَمْرٍو، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومَن قَرَأ يُدافِعُ فَمَعْناهُ: يُبالِغُ في الدَّفْعِ عَنْهم كَما يُبالِغُ مَن يُغالِبُ فِيهِ؛ لِأنَّ فِعْلَ المُغالِبِ يَجِيءُ أقْوى وأبْلَغَ اهـ مِنهُ، ولا يَبْعُدُ عِنْدِي أنْ يَكُونَ (p-٢٦٢)وَجْهُ المُفاعَلَةِ أنَّ الكُفّارَ يَسْتَعْمِلُونَ كُلَّ ما في إمْكانِهِمْ لِإضْرارِهِمْ بِالمُؤْمِنِينَ، وإيذائِهِمْ، واللَّهُ - جَلَّ وعَلا - يَدْفَعُ كَيْدَهم عَنِ المُؤْمِنِينَ، فَكانَ دَفْعُهُ - جَلَّ وعَلا - لِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ أهْلُها في طُغْيانٍ شَدِيدٍ، يُحاوِلُونَ إلْحاقَ الضَّرَرِ بِالمُؤْمِنِينَ وبِهَذا الِاعْتِبارِ كانَ التَّعْبِيرُ بِالمُفاعَلَةِ، في قَوْلِهِ: يُدافِعُ، وإنْ كانَ - جَلَّ وعَلا - قادِرًا عَلى إهْلاكِهِمْ، ودَفْعِ شَرِّهِمْ عَنْ عِبادِهِ المُؤْمِنِينَ، ومِمّا يُوَضِّحُ هَذا المَعْنى الَّذِي أشَرْنا إلَيْهِ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
؎زَعَمَتْ سَخِينَةُ أنْ سَتَغْلِبُ رَبَّها ∗∗∗ وَلَيَغْلِبَنَّ مُغالِبُ الغُلّابِ
والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى: ومَفْعُولُ يُدافِعُ: مَحْذُوفٌ فَعَلى القَوْلِ بِأنَّهُ بِمَعْنى: يَدْفَعُ فَقَدْ ذَكَرْنا تَقْدِيرَهُ، وعَلى ما أشَرْنا إلَيْهِ أخِيرًا فَتَقْدِيرُ المَفْعُولِ: يُدافِعُ عَنْهم أعْداءَهم، وخُصُومَهم فَيَرُدُّ كَيْدَهم في نُحُورِهِمْ.
* * *
وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ﴾، صَرَّحَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: بِأنَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ، والخَوّانُ والكَفُورُ كِلاهُما صِيغَةُ مُبالَغَةٍ؛ لِأنَّ الفَعّالَ بِالتَّضْعِيفِ والفَعُولَ بِفَتْحِ الفاءِ مِن صِيَغِ المُبالَغَةِ، والمُقَرَّرُ في عِلْمِ العَرَبِيَّةِ أنَّ نَفْيَ المُبالَغَةِ في الفِعْلِ لا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ أصْلِ الفِعْلِ، فَلَوْ قُلْتَ: زَيْدٌ لَيْسَ بِقَتّالٍ لِلرِّجالِ فَقَدْ نَفَيْتَ مُبالَغَتَهُ، في قَتْلِهِمْ، ولَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ أنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنهُ قَتْلٌ لِبَعْضِهِمْ ولَكِنَّهُ لَمْ يُبالِغْ في القَتْلِ، وعَلى هَذِهِ القاعِدَةِ العَرَبِيَّةِ المَعْرُوفَةِ، فَإنَّ الآيَةَ قَدْ صَرَّحَتْ بِأنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُبالِغِينَ في الكُفْرِ والمُبالِغِينَ في الخِيانَةِ، ولَمْ تَتَعَرَّضْ لِمَن يَتَّصِفُ بِمُطْلَقِ الخِيانَةِ ومُطْلَقِ الكُفْرِ مِن غَيْرِ مُبالَغَةً فِيهِما، ولا شَكَّ أنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الخائِنَ مُطْلَقًا، والكافِرَ مُطْلَقًا، وقَدْ أوْضَحَ - جَلَّ وعَلا - ذَلِكَ في بَعْضِ المَواضِعِ، فَقالَ في الخائِنِ: ﴿وَإمّا تَخافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيانَةً فانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الخائِنِينَ﴾ [الأنفال: ٥٨] وقالَ في الكافِرِ: ﴿قُلْ أطِيعُوا اللَّهَ والرَّسُولَ فَإنْ تَوَلَّوْا فَإنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الكافِرِينَ﴾ [آل عمران: ٣٢] .
{"ayah":"۞ إِنَّ ٱللَّهَ یُدَ ٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ كُلَّ خَوَّانࣲ كَفُورٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











