الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ ومَن يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإنَّها مِن تَقْوى القُلُوبِ﴾، قَدْ ذَكَرْنا قَرِيبًا أنّا ذَكَرْنا في تَرْجَمَةِ هَذا الكِتابِ المُبارَكِ: أنَّ مِن أنْواعِ البَيانِ الَّتِي تَضَمَّنَها أنْ يُذْكَرَ لَفْظٌ عامٌّ، ثُمَّ يُصَرَّحُ في بَعْضِ المَواضِعِ بِدُخُولِ بَعْضِ أفْرادِ ذَلِكَ العامِّ فِيهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الفَرْدُ قَطْعِيَّ الدُّخُولِ لا يُمْكِنُ إخْراجُهُ بِمُخَصَّصٍ، وواعَدْنا بِذِكْرِ بَعْضِ أمْثِلَتِهِ في هَذِهِ الآياتِ، ومُرادُنا بِذَلِكَ هَذِهِ الآيَةَ الكَرِيمَةَ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ ومَن يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٢] عامٌّ في جَمِيعِ شَعائِرِ اللَّهِ، وقَدْ نَصَّ تَعالى عَلى أنَّ البُدْنَ فَرْدٌ مِن (p-٢٥٨)أفْرادِ هَذا العُمُومِ، داخِلٌ فِيهِ قَطْعًا وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿والبُدْنَ جَعَلْناها لَكم مِن شَعائِرِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٦] فَيَدْخُلُ في الآيَةِ تَعْظِيمُ البُدْنِ واسْتِسْمانُها واسْتِحْسانُها كَما قَدَّمْنا عَنِ البُخارِيِّ: أنَّهم كانُوا يُسَمِّنُونَ الأضاحِي، وكانُوا يَرَوْنَ أنَّ ذَلِكَ مِن تَعْظِيمِ شَعائِرِ اللَّهِ، وقَدْ قَدَّمْنا أنَّ اللَّهَ صَرَّحَ بِأنَّ الصَّفا والمَرْوَةَ داخِلانِ في هَذا العُمُومِ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الصَّفا والمَرْوَةَ مِن شَعائِرِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ [البقرة: ١٥٨] وأنَّ تَعْظِيمَها المَنصُوصَ في هَذِهِ الآيَةِ: يَدُلُّ عَلى عَدَمِ التَّهاوُنِ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ كَما تَقَدَّمَ إيضاحُهُ في مَبْحَثِ السَّعْيِ، وقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ ذَلِكَ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ مِنَ الإعْرابِ. الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ في مَحَلِّ رَفْعٍ بِالِابْتِداءِ والخَبَرُ مَحْذُوفٌ: أيْ ذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ وأمْرُهُ. الثّانِي: أنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أيِ اللّازِمُ ذَلِكَ أوِ الواجِبُ ذَلِكَ. الثّالِثُ: أنْ يَكُونَ في مَحَلِّ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أيِ اتَّبِعُوا ذَلِكَ أوِ امْتَثِلُوا ذَلِكَ، ومِمّا يُشْبِهُ هَذِهِ الإشارَةَ في كَلامِ العَرَبِ قالَ زُهَيْرٌ: ؎هَذا ولَيْسَ كَمَن يَعِي بِخُطَّتِهِ وسَطَ النَّدى إذا ما قائِلٌ نَطَقا قالَهُ القُرْطُبِيُّ وأبُو حَيّانَ والضَّمِيرُ المُؤَنَّثُ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنَّها مِن تَقْوى القُلُوبِ﴾ قالَ القُرْطُبِيُّ: هو عائِدٌ إلى الفِعْلَةِ الَّتِي يَتَضَمَّنُها الكَلامُ، ثُمَّ قالَ: وقِيلَ إنَّهُ راجِعٌ إلى الشَّعائِرِ بِحَذْفِ مُضافٍ أيْ: فَإنَّ تَعْظِيمَها أيِ الشَّعائِرَ فَحَذَفَ المُضافَ لِدَلالَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ فَرَجَعَ الضَّمِيرُ إلى الشَّعائِرِ، اهـ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في الكَشّافِ: فَإنَّها مِن تَقْوى القُلُوبِ أيْ: فَإنَّ تَعْظِيمَها مِن أفْعالِ ذَوِي تَقْوى القُلُوبِ، فَحُذِفَتْ هَذِهِ المُضافاتُ ولا يَسْتَقِيمُ المَعْنى إلّا بِتَقْدِيرِها، لِأنَّهُ لا بُدَّ مِن راجِعٍ مِنَ الجَزاءِ إلى " مِن لِيَرْتَبِطَ بِهِ، اهـ مِنهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب