الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْدًا وسَلاما عَلى إبْراهِيمَ وأرادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْناهُمُ الأخْسَرِينَ﴾ .
فِي الكَلامِ حَذْفٌ دَلَّ المَقامُ عَلَيْهِ، وتَقْدِيرُهُ: قالُوا حَرِّقُوهُ فَرَمَوْهُ في النّارِ، فَلَمّا فَعَلُوا (p-١٦٣)ذَلِكَ ﴿قُلْنا يانارُ كُونِي بَرْدًا وسَلامًا﴾ وقَدْ بَيَّنَ في ”الصّافّاتِ“ أنَّهم لَمّا أرادُوا أنْ يُلْقُوهُ في النّارِ بَنَوْا لَهُ بُنْيانًا لِيُلْقُوهُ فِيهِ.
وَفِي القِصَّةِ أنَّهم ألْقَوْهُ مِن ذَلِكَ البُنْيانِ العالِي بِالمَنجَنِيقِ بِإشارَةِ رَجُلٍ مِن أعْرابِ فارِسٍ (يَعْنُونَ الأكْرادَ) وأنَّ اللَّهَ خَسَفَ بِهِ الأرْضَ فَهو يَتَجَلْجَلُ فِيها إلى يَوْمِ القِيامَةِ، قالَ تَعالى: ﴿قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيانًا فَألْقُوهُ في الجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٩٧] والمُفَسِّرُونَ يَذْكُرُونَ مِن شِدَّةِ هَذِهِ النّارِ وارْتِفاعِ لَهَبِها، وكَثْرَةِ حَطَبِها شَيْئًا عَظِيمًا هائِلًا. وذَكَرُوا عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ إبْراهِيمَ أنَّهم لَمّا كَتَّفُوهُ مُجَرَّدًا ورَمَوْهُ إلى النّارِ، قالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَلْ لَكَ حاجَةٌ ؟ قالَ: أمّا إلَيْكَ فَلا، وأمّا اللَّهُ فَنِعِمّا، قالَ: لِمَ لا تَسْألُهُ ؟ قالَ: عِلْمُهُ بِحالِي كافٍ عَنْ سُؤالِي.
وَما ذَكَرَ اللَّهُ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ مِن أنَّهُ أمَرَ النّارَ بِأمْرِهِ الكَوْنِيِّ القَدَرِيِّ أنْ تَكُونَ بَرْدًا وسَلامًا عَلى إبْراهِيمَ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ أنْجاهُ مِن تِلْكَ النّارِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿كُونِي بَرْدًا﴾ [ ٢١ ] يَدُلُّ عَلى سَلامَتِهِ مِن حَرِّها، وقَوْلَهُ: وسَلامًا يَدُلُّ عَلى سَلامَتِهِ مِن شَرِّ بَرْدِها الَّذِي انْقَلَبَتِ الحَرارَةُ إلَيْهِ، وإنْجاؤُهُ إيّاهُ مِنها الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ أمْرُهُ الكَوْنِيُّ القَدَرِيُّ هُنا جاءَ مُصَرَّحًا بِهِ في ”العَنْكَبُوتِ“ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النّارِ﴾ [العنكبوت: ٢٤] وأشارَ إلى ذَلِكَ هُنا بِقَوْلِهِ: ﴿وَنَجَّيْناهُ ولُوطًا﴾ [الأنبياء: ٧١] .
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَأرادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْناهُمُ الأخْسَرِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٠] يُوَضِّحُهُ ما قَبْلَهُ. فالكَيْدُ الَّذِي أرادُوهُ بِهِ: إحْراقُهُ بِالنّارِ نَصْرًا مِنهم لِآلِهَتِهِمْ في زَعْمِهِمْ، وجَعْلِهِ تَعالى إيّاهُمُ الأخْسَرِينَ أيِ الَّذِينَ هم أكْثَرُ خُسْرانًا لِبُطْلانِ كَيْدِهِمْ وسَلامَتِهِ مِن نارِهِمْ.
وَقَدْ أشارَ تَعالى إلى ذَلِكَ أيْضًا في سُورَةِ ”الصّافّاتِ“ في قَوْلِهِ: ﴿فَأرادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْناهُمُ الأسْفَلِينَ﴾ [الصافات: ٩٨] وكَوْنُهُمُ الأسْفَلِينَ واضِحٌ؛ لِعُلُوِّهِ عَلَيْهِمْ وسَلامَتِهِ مِن شَرِّهِمْ. وكَوْنِهُمُ الأخْسَرِينَ لِأنَّهم خَسِرُوا الدُّنْيا والآخِرَةَ، ذَلِكَ هو الخُسْرانُ المُبِينُ. وفي القِصَّةِ أنَّ اللَّهَ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ خَلْقًا مِن أضْعَفِ خَلْقِهِ فَأهْلَكَهم وهو البَعُوضُ. وفِيها أيْضًا أنَّ كُلَّ الدَّوابِّ تُطْفِئُ عَنْ إبْراهِيمَ النّارَ، إلّا الوَزَغَ فَإنَّهُ يَنْفُخُ النّارَ عَلَيْهِ. وقَدْ قَدَّمْنا الأحادِيثَ الوارِدَةَ بِالأمْرِ بِقَتْلِ الأوْزاغِ في سُورَةِ ”الأنْعامِ“ .
وَعَنْ أبِي العالِيَةِ: لَوْ لَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وسَلامًا لَكانَ بَرْدُها أشَدَّ عَلَيْهِ مِن حَرِّها، ولَوْ لَمْ يَقُلْ: عَلى إبْراهِيمَ لَكانَ بَرْدُها باقِيًا إلى الأبَدِ. وعَنْ عَلِيٍّ، وابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ (p-١٦٤)عَنْهم - لَوْ لَمْ يَقُلْ: وسَلامًا لَماتَ إبَراهِيمُ مِن بَرْدِها. وعَنِ السُّدِّيُّ: لَمْ تَبْقَ في ذَلِكَ اليَوْمِ نارٌ إلّا طَفِئَتْ. وعَنْ كَعْبٍ وقَتادَةَ: لَمْ تُحْرِقِ النّارُ مِن إبْراهِيمَ إلّا وِثاقَهُ. وعَنِ المِنهالِ بْنِ عَمْرٍو: قالَ إبْراهِيمُ: ما كُنْتُ أيّامًا قَطُّ أنْعَمَ مِنِّي مِنَ الأيّامِ الَّتِي كُنْتُ فِيها في النّارِ. وعَنْ شُعَيْبٍ الحِمّانِيِّ أنَّهُ أُلْقِيَ في النّارِ وهو ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً. وعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أُلْقِيَ فِيها وهو ابْنُ سِتٍّ وعِشْرِينَ. وعَنِ الكَلْبِيِّ: بَرَدَتْ نِيرانُ الأرْضِ جَمِيعًا، فَما أنْضَجَتْ ذَلِكَ اليَوْمَ كُراعًا. وذَكَرُوا في القِصَّةِ أنَّ نَمْرُوذَ أشْرَفَ عَلى النّارِ مِنَ الصَّرْحِ، فَرَأى إبْراهِيمَ جالِسًا عَلى السَّرِيرِ يُؤْنِسُهُ مَلَكُ الظِّلِّ، فَقالَ: نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّكَ، لَأُقَرِّبَنَّ لَهُ أرْبَعَةَ آلافِ بَقَرَةٍ، وكَفَّ عَنْهُ. وكُلُّ هَذا مِنَ الإسْرائِيلِيّاتِ. والمُفَسِّرُونَ يَذْكُرُونَ كَثِيرًا مِنها في هَذِهِ القِصَّةِ وغَيْرِها مِن قَصَصِ الأنْبِياءِ.
وَقالَ البُخارِيُّ في صَحِيحِهِ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، أُراهُ قالَ: حَدَّثَنا أبُو بَكْرٍ عَنْ أبِي حُصَيْنٍ عَنْ أبِي الضُّحى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ”حَسْبُنا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ“ قالَها إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ أُلْقِي في النّارِ، وقالَها مُحَمَّدٌ ﷺ حِينَ قالُوا: ﴿الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكم فاخْشَوْهم فَزادَهم إيمانًا وقالُوا حَسْبُنا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] حَدَّثَنا مالِكُ بْنُ إسْماعِيلَ، حَدَّثَنا إسْرائِيلُ عَنْ أبِي حُصَيْنٍ عَنْ أبِي الضُّحى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَ آخِرُ قَوْلِ إبْراهِيمَ حِينَ أُلْقِي في النّارِ: ”حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ“ انْتَهى.
{"ayah":"قُلۡنَا یَـٰنَارُ كُونِی بَرۡدࣰا وَسَلَـٰمًا عَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق