الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلْ قالُوا أضْغاثُ أحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هو شاعِرٌ﴾ .
الظّاهِرُ أنَّ الإضْرابَ في قَوْلِهِ هُنا: ﴿بَلْ قالُوا أضْغاثُ أحْلامٍ﴾ [الأنبياء: ٥] إلَخْ، إضْرابٌ انْتِقالِيٌّ لا إبْطالِيٌّ، لِأنَّهم قالُوا ذَلِكَ كُلَّهُ، وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ:
كُلُّ هَذِهِ الأقْوالِ المُخْتَلِفَةِ الَّتِي حَكاها اللَّهُ عَنْهم صَدَرَتْ مِن طائِفَةٍ مُتَّفِقَةٍ لا يَثْبُتُونَ عَلى قَوْلٍ، بَلْ تارَةً يَقُولُونَ هو ساحِرٌ، وتارَةً شاعِرٌ، وهَكَذا؛ لِأنَّ المُبْطِلَ لا يَثْبُتُ عَلى قَوْلٍ واحِدٍ. وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: كُلُّ واحِدٍ مِن تِلْكَ الأقْوالِ قالَتْهُ طائِفَةٌ، كَما قَدَّمْنا الإشارَةَ إلى هَذا في سُورَةِ ”الحِجْرِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ﴾ [الحجر: ٩١]، وقَدْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الدَّعاوى الباطِلَةَ في آياتٍ مِن كِتابِهِ، كَرَدِّهِ دَعْواهم أنَّهُ شاعِرٌ أوْ كاهِنٌ في قَوْلِهِ تَعالى: وما هو ﴿بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ﴾ ﴿وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ﴾ ﴿تَنْزِيلٌ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأقاوِيلِ﴾ ﴿لَأخَذْنا مِنهُ بِاليَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنهُ الوَتِينَ﴾ ﴿فَما مِنكم مِن أحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤١ - ٤٧]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما يَنْبَغِي لَهُ إنْ هو إلّا ذِكْرٌ وقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ ﴿لِيُنْذِرَ مَن كانَ حَيًّا ويَحِقَّ القَوْلُ عَلى الكافِرِينَ﴾ [ ٣٦ ]،
• وقَوْلِهِ في رَدِّ دَعْواهم أنَّهُ افْتَراهُ: ﴿وَما كانَ هَذا القُرْآنُ أنْ يُفْتَرى مِن دُونِ اللَّهِ ولَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ الكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿أمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِن دُونِ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [يونس: ٣٧ - ٣٨]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِن دُونِ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [هود: ١٣]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما كانَ حَدِيثًا يُفْتَرى ولَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وهُدًى ورَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [يوسف: ١١١]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ،
• وكَقَوْلِهِ في رَدِّ دَعْواهم أنَّهُ كاهِنٌ أوْ مَجْنُونٌ: ﴿فَما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ ولا مَجْنُونٍ﴾ [الطور: ٢٩]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما صاحِبُكم بِمَجْنُونٍ﴾ [التكوير: ٢٢]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ إنَّما أعِظُكم بِواحِدَةٍ أنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكم مِن جِنَّةٍ إنْ هو إلّا نَذِيرٌ لَكم بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ﴾ (p-١٣٦)[سبإ: ٤٦]
وقَوْلِهِ: ﴿أمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهم فَهم لَهُ مُنْكِرُونَ أمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهم بِالحَقِّ وأكْثَرُهم لِلْحَقِّ كارِهُونَ﴾ [ ٢٣ ] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ المُبَيِّنَةِ إبْطالَ كُلِّ ما ادَّعَوْهُ في النَّبِيِّ ﷺ والقُرْآنِ.
وَقَوْلُهُ ﴿أضْغاثُ أحْلامٍ﴾ [الأنبياء: ٥] أيْ: أخْلاطٌ كالأحْلامِ المُخْتَلِفَةِ الَّتِي يَراها النّائِمُ ولا حَقِيقَةَ لَها، كَما قالَ الشّاعِرُ:
؎أحادِيثُ طسم أوْ سَرابٌ بِفَدْفَدِ تَرَقْرَقَ لِلسّارِي وأضْغاثُ حالِمِ
وَعَنِ اليَزِيدِيِّ: الأضْغاثُ ما لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْوِيلٌ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الأوَّلُونَ﴾ .
ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ الكُفّارَ اقْتَرَحُوا عَلى نَبِيِّنا أنْ يَأْتِيَهم بِآيَةٍ كَآياتِ الرُّسُلِ قَبْلَهُ؛ نَحْوِ ناقَةِ صالِحٍ، وعَصى مُوسى، ورِيحِ سُلَيْمانَ، وإحْياءِ عِيسى لِلْأمْواتِ، وإبْرائِهِ الأكْمَهَ والأبْرَصَ، ونَحْوِ ذَلِكَ. وإيضاحُ وجْهِ التَّشْبِيهِ في قَوْلِهِ: ﴿كَما أُرْسِلَ الأوَّلُونَ﴾ هو أنَّهُ في مَعْنى: كَما أتى الأوَّلُونَ بِالآياتِ؛ لِأنَّ إرْسالَ الرُّسُلِ مُتَضَمِّنٌ لِلْإتْيانِ بِالآياتِ. فَقَوْلُكَ أرْسَلَ مُحَمَّدًا ﷺ بِالمُعْجِزَةِ. وقَدْ بَيَّنَ تَعالى أنَّ الآياتِ الَّتِي اقْتَرَحُوها لَوْ جاءَتْهم ما آمَنُوا، وأنَّها لَوْ جاءَتْهم وتَمادَوْا عَلى كُفْرِهِمْ أهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مُسْتَأْصِلٍ، كَما أهْلَكَ قَوْمَ صالِحٍ لَمّا عَقَرُوا النّاقَةَ. كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما مَنَعَنا أنْ نُرْسِلَ بِالآياتِ إلّا أنْ كَذَّبَ بِها الأوَّلُونَ وآتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها﴾ الآيَةَ [الإسراء: ٥٩] وكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهم آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إنَّما الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وما يُشْعِرُكم أنَّها إذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩] . وأشارَ إلى ذَلِكَ هُنا في قَوْلِهِ: ﴿ما آمَنَتْ قَبْلَهم مِن قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أفَهم يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: ٦] يَعْنِي أنَّ الأُمَمَ الَّذِينَ اقْتَرَحُوا الآياتِ مِن قَبْلِهِمْ وجاءَتْهم رُسُلُهم بِما اقْتَرَحُوا لَمْ يُؤْمِنُوا، بَلْ تَمادَوْا فَأهْلَكَهُمُ اللَّهُ، وأنْتُمْ أشَدُّ مِنهم عُتُوًّا وعِنادًا. فَلَوْ جاءَكم ما اقْتَرَحْتُمْ ما آمَنتُمْ، فَهَلَكْتُمْ كَما هَلَكُوا. وقالَ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ولَوْ جاءَتْهم كُلُّ آيَةٍ﴾ [يونس: ٩٦ - ٩٧] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَبَيِّنَ أنَّهم جاءَتْهم آيَةٌ هي أعْظَمُ الآياتِ، فَيَسْتَحِقُّ مَن لَمْ يَكْتَفِ بِها التَّقْرِيعَ والتَّوْبِيخَ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِن رَبِّهِ قُلْ إنَّما الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وإنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إنَّ﴾ الآيَةَ [ ٢٩
- ٥١ ] . وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ هَذا المَعْنى يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِن رَبِّهِ أوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما في (p-١٣٧)الصُّحُفِ الأُولى﴾ [طه: ١٣٣] وقَوْلِهِ: ﴿وَما أرْسَلْنا قَبْلَكَ إلّا رِجالًا﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وَما كانُوا خالِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٨]، قَدْ قَدَّمْنا الآياتِ المُوَضِّحَةَ لِذَلِكَ، فَأغْنى ذَلِكَ عَنْ إعادَتِهِ هُنا.
{"ayah":"بَلۡ قَالُوۤا۟ أَضۡغَـٰثُ أَحۡلَـٰمِۭ بَلِ ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرࣱ فَلۡیَأۡتِنَا بِـَٔایَةࣲ كَمَاۤ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق