الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿خُلِقَ الإنْسانُ مِن عَجَلٍ سَأُورِيكم آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ .
قَدْ قَدَّمْنا في تَرْجَمَةِ هَذا الكِتابِ المُبارَكِ أنَّ مِن أنْواعِ البَيانِ الَّتِي تَضَمَّنَها أنْ يَذْكُرَ بَعْضُ العُلَماءِ في الآيَةِ قَوْلًا ويَكُونَ في نَفْسِ الآيَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلى خِلافِ ذَلِكَ القَوْلِ. فَإذا عَلِمْتَ ذَلِكَ فاعْلَمْ أنَّ في قَوْلِهِ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: مِن عَجَلٍ فِيهِ لِلْعُلَماءِ قَوْلانِ مَعْرُوفانِ، وفي نَفْسِ الآيَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلى عَدَمِ صِحَّةِ أحَدِهِما. أمّا القَوْلُ الَّذِي دَلَّتِ القَرِينَةُ المَذْكُورَةُ عَلى عَدَمِ صِحَّتِهِ فَهو قَوْلُ مَن قالَ: العَجَلُ: الطِّينُ، وهي لُغَةٌ حِمْيَرِيَّةٌ كَما قالَ شاعِرُهم:
؎البَيْعُ في الصَّخْرَةِ الصَّمّاءِ مَنبَتُهُ والنَّخْلُ يَنْبُتُ بَيْنَ الماءِ والعَجَلِ
يَعْنِي: بَيْنَ الماءِ والطِّينِ. وعَلى هَذا القَوْلِ فَمَعْنى الآيَةِ: خُلِقَ الإنْسانَ مِن طِينٍ،
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أأسْجُدُ لِمَن خَلَقْتَ طِينًا﴾ [الإسراء: ٦١]
• وقَوْلِهِ: ﴿وَبَدَأ خَلْقَ الإنْسانِ مِن طِينٍ﴾ [السجدة: ٧] والقَرِينَةُ المَذْكُورَةُ الدّالَّةُ عَلى أنَّ المُرادَ بِالعَجَلِ في الآيَةِ لَيْسَ الطِّينَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: ﴿فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾
• وقَوْلِهِ: ﴿وَيَقُولُونَ مَتى هَذا الوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ (p-١٥٠)[الأنبياء: ٣٨] فَهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ بِالعَجَلِ هو العَجَلَةُ الَّتِي هي خِلافُ التَّأنِّي، والتَّثَبُّتِ. والعَرَبُ تَقُولُ: خُلِقَ مِن كَذا. يَعْنُونَ بِذَلِكَ المُبالِغَةَ في الإنْصافِ.
• كَقَوْلِهِمْ: خُلِقَ فَلانٌ مِن كَرَمٍ، وخُلِقَتْ فُلانَةُ مِنَ الجَمالِ. ومِن هَذا المَعْنى قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكم مِن ضَعْفٍ﴾ [الروم: ٥٤] عَلى الأظْهَرِ. ويُوَضِّحُ هَذا المَعْنى قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَدْعُ الإنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالخَيْرِ وكانَ الإنْسانُ عَجُولًا﴾ [الإسراء: ١١] أيْ: ومِن عَجَلَتِهِ دُعاؤُهُ عَلى نَفْسِهِ أوْ ولَدِهِ بِالشَّرِّ. قالَ بَعْضُ العُلَماءِ: كانُوا يَسْتَعْجِلُونَ عَذابَ اللَّهِ وآياتِهِ المُلْجِئَةَ إلى العِلْمِ والإقْرارِ، ويَقُولُونَ: مَتى هَذا الوَعْدُ. فَنَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿خُلِقَ الإنْسانُ مِن عَجَلٍ﴾ لِلزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ. كَأنَّهُ يَقُولُ لَهم: لَيْسَ بِبِدْعٍ مِنكم أنْ تَسْتَعْجِلُوا، فَإنَّكم مَجْبُولُونَ عَلى ذَلِكَ، وهو طَبْعُكم وسَجِيَّتُكم. ثُمَّ وعَدَهم بِأنَّهُ سَيُرِيهِمْ آياتِهِ، ونَهاهم أنْ يَسْتَعْجِلُوا
• بِقَوْلِهِ: ﴿سَأُرِيكم آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ [الأنبياء: ٣٧] كَما قالَ تَعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهم أنَّهُ الحَقُّ﴾ [فصلت: ٥٣]
وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: المُرادُ بِالإنْسانِ في قَوْلِهِ: ﴿خُلِقَ الإنْسانُ مِن عَجَلٍ﴾ آدَمُ. وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، والسُّدِّيِّ: لَمّا دَخَلَ الرُّوحُ في عَيْنَيْ آدَمَ نَظَرَ في ثِمارِ الجَنَّةِ، فَلَمّا دَخَلَ جَوْفَهُ اشْتَهى الطَّعامَ، فَوَثَبَ مِن قَبْلِ أنْ تَبْلُغَ الرُّوحُ رِجْلَيْهِ؛ عَجْلانَ إلى ثِمارِ الجَنَّةِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿خُلِقَ الإنْسانُ مِن عَجَلٍ﴾ . وعَنْ مُجاهِدٍ، والكَلْبِيِّ، وغَيْرِهِما: خُلِقَ آدَمُ يَوْمَ الجُمْعَةِ في آخِرِ النَّهارِ، فَلَمّا أحْيا اللَّهُ رَأْسَهُ اسْتَعْجَلَ وطَلَبَ تَتْمِيمَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.
والظّاهِرُ أنَّ هَذِهِ الأقْوالَ ونَحْوَها مِنَ الإسْرائِيلِيّاتِ. وأظْهَرُ الأقْوالِ أنَّ مَعْنى الآيَةِ أنَّ جِنْسَ الإنْسانِ مِن طَبْعِهِ العَجَلُ وعَدَمُ التَّأنِّي كَما بَيَّنّا، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
وَقالَ ابْنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: والحِكْمَةُ في ذِكْرِ عَجَلَةِ الإنْسانِ هاهُنا أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ المُسْتَهْزِئِينَ بِالرَّسُولِ ﷺ وقَعَ في النُّفُوسِ سُرْعَةُ الِانْتِقامِ مِنهم، واسْتَعْجَلَتْ ذَلِكَ فَقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿خُلِقَ الإنْسانُ مِن عَجَلٍ﴾ لِأنَّهُ تَعالى يُمْلِي لِلظّالِمِ حَتّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، يُؤَجِّلُ ثُمَّ يُعَجِّلُ، ويُنْظِرُ ثُمَّ لا يُؤَخِّرُ. ولِهَذا قالَ: ﴿سَأُرِيكم آياتِي﴾ أيْ: نَقْمِي وحُكْمِي، واقْتِدارِي عَلى مَن عَصانِي فَلا تَسْتَعْجِلُونَ. انْتَهى مِنهُ.
{"ayah":"خُلِقَ ٱلۡإِنسَـٰنُ مِنۡ عَجَلࣲۚ سَأُو۟رِیكُمۡ ءَایَـٰتِی فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق