الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَتَّخِذُونَكَ إلّا هُزُوًا أهَذا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكم وهم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هم كافِرُونَ﴾ .
ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ الكُفّارَ إذا رَأوُا النَّبِيَّ ﷺ ما يَتَّخِذُونَهُ إلّا هُزُوًا، أيْ مُسْتَهْزَأً بِهِ مُسْتَخَفًّا بِهِ. والهُزُؤُ: السُّخْرِيَةُ، فَهو مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ. ويَقُولُونَ: أهَذا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكم أيْ: يَعِيبُها ويَنْفِي أنَّها تَشْفَعُ لَكم وتُقَرِّبُكم إلى اللَّهِ زُلْفى، (p-١٤٨)وَيَقُولُ: إنَّها لا تَنْفَعُ مَن عَبَدَها، ولا تَضُرُّ مَن لَمْ يَعْبُدْها، وهم مَعَ هَذا كُلِّهِ كافِرُونَ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ، فالخِطابُ في قَوْلِهِ: ﴿وَإذا رَآكَ﴾ لِلنَّبِيِّ ﷺ و ”إنْ“ في قَوْلِهِ: ﴿إنْ يَتَّخِذُونَكَ﴾ نافِيَةٌ. والِاسْتِفْهامُ في قَوْلِهِ ﴿أهَذا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ قالَ فِيهِ أبُو حَيّانَ في البَحْرِ: إنَّهُ لِلْإنْكارِ والتَّعْجِيبِ. والَّذِي يَظْهَرُ لِي أنَّهم يُرِيدُونَ بِالِاسْتِفْهامِ المَذْكُورِ التَّحْقِيرَ بِالنَّبِيِّ ﷺ كَما تَدُلُّ عَلَيْهِ قَرِينَةُ قَوْلِهِ: ﴿إنْ يَتَّخِذُونَكَ إلّا هُزُوًا﴾ . وقَدْ تَقَرَّرَ في فَنِّ المَعانِي أنَّ مِنَ الأغْراضِ الَّتِي تُؤَدّى بِالِاسْتِفْهامِ التَّحْقِيرَ. وقالَ القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: إنَّ جَوابَ ”إذا“ هو القَوْلُ المَحْذُوفُ، وتَقْدِيرُهُ: وإذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا يَقُولُونَ أهَذا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكم. وقالَ: إنَّ جُمْلَةَ ﴿إنْ يَتَّخِذُونَكَ إلّا هُزُوًا﴾ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ إذا وجَوابِها. واخْتارَ أبُو حَيّانَ في البَحْرِ أنَّ جَوابَ ”إذا“ هو جُمْلَةُ ﴿إنْ يَتَّخِذُونَكَ﴾ وقالَ: إنَّ جَوابَ إذا بِجُمْلَةٍ مُصَدَّرَةٍ بِـ ”إنْ“ أوْ ”ما“ النّافِيَتَيْنِ لا يَحْتاجُ إلى الِاقْتِرانِ بِالفاءِ. وقَوْلِهِ: ﴿يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ أيْ: يَعِيبُها. ومِن إطْلاقِ الذِّكْرِ بِمَعْنى العَيْبِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهم يُقالُ لَهُ إبْراهِيمُ﴾ [الأنبياء: ٦٠] أيْ: يَعِيبُهم، وقَوْلُ عَنْتَرَةَ:
؎لا تَذْكُرِي مُهْرِي وما أطْعَمْتُهُ فَيَكُونُ جِلْدُكِ مِثْلَ جِلْدِ الأجْرَبِ
أيْ لا تَعِيبِي مُهْرِي، قالَهُ القُرْطُبِيُّ.
وَقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: الذِّكْرُ يَكُونُ بِخَيْرٍ وبِخِلافِهِ، فَإذا دَلَّتِ الحالُ عَلى أحَدِهِما أُطْلِقُ ولَمْ يُقَيَّدْ، كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ: سَمِعْتُ فُلانًا يَذْكُرُكَ، فَإذا كانَ الذّاكِرُ صَدِيقًا فَهو ثَناءٌ، وإنْ كانَ عَدُوًّا فَذَمٌّ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ﴾ [الأنبياء: ٦٠] وقَوْلِهِ: ﴿أهَذا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٣٦] انْتَهى مَحَلُّ الغَرَضِ مِنهُ. والجُمْلَةُ في قَوْلِهِ: ﴿وَهم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هم كافِرُونَ﴾ حالِيَّةٌ. وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: مَعْنى كُفْرِهِمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هو المُوَضَّحُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قالُوا وما الرَّحْمَنُ أنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وزادَهم نُفُورًا﴾ [الفرقان: ٦٠] وقَوْلُهم: ما نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إلّا رَحِمْنَ اليَمامَةَ، يَعْنُونَ مُسَيْلِمَةَ الكَذّابَ. وقَدْ بَيَّنَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وغَيْرُهُ أنَّ إنْكارَهم لِمَعْرِفَتِهِمُ الرَّحْمَنَ تَجاهُلٌ مِنهم ومُعانَدَةٌ مَعَ أنَّهم يَعْرِفُونَ أنَّ الرَّحْمَنَ مِن أسْماءِ اللَّهِ تَعالى. قالَ: وقالَ بَعْضُ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ الجُهَلاءُ:
؎ألا ضَرَبَتْ تِلْكَ الفَتاةُ هَجِينَها ∗∗∗ ألا قَطَعَ الرَّحْمَنُ رَبِّي يَمِينَها
وَقالَ سَلامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ الطُّهَوِيُّ:(p-١٤٩)
؎عَجِلْتُمْ عَلَيْنا عَجَلَتَيْنا عَلَيْكُمُ ∗∗∗ وما يَشَأِ الرَّحْمَنُ يَعْقِدُ ويُطْلِقُ
وَفِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ دَلالَةٌ واضِحَةٌ عَلى سَخافَةِ عُقُولِ الكُفّارِ؛ لِأنَّهم عاكِفُونَ عَلى ذِكْرِ أصْنامٍ لا تَنْفَعُ ولا تَضُرُّ، ويَسُوءُهم أنْ تُذَكَرَ بِسُوءٍ، أوْ يُقالَ: إنَّها لا تَشْفَعُ، ولا تُقَرِّبُ إلى اللَّهِ. وأمّا ذِكْرُ اللَّهِ وما يَجِبُ أنْ يُذْكَرَ بِهِ مِنَ الوَحْدانِيَّةِ فَهم بِهِ كافِرُونَ لا يُصَدِّقُونَ بِهِ، فَهم أحَقُّ بِأنْ يُتَّخَذُوا هُزُؤًا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي اتَّخَذُوهُ هُزُؤًا، فَإنَّهُ مُحِقٌ وهم مُبْطِلُونَ. فَإذا عَرَفْتَ مَعْنى هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ فاعْلَمْ أنَّ هَذا المَعْنى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ جاءَ أيْضًا مُبَيَّنًا في سُورَةِ ”الفُرْقانِ“ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإذا رَأوْكَ إنْ يَتَّخِذُونَكَ إلّا هُزُوًا أهَذا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾ ﴿إنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أنْ صَبَرْنا عَلَيْها وسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العَذابَ مَن أضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٤١ - ٤٢] فَتَحْقِيرُهم - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - لَهُ ﷺ المَذْكُورُ في قَوْلِهِ في ”الأنْبِياءِ“ في قَوْلِهِ: ﴿أهَذا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٣٦] هو المَذْكُورُ في قَوْلِهِ في ”الفُرْقانِ“: ﴿أهَذا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾ [الفرقان: ٤١] وذِكْرُهُ لِآلِهَتِهِمْ بِالسُّوءِ المَذْكُورِ في ”الأنْبِياءِ“ في قَوْلِهِ: ﴿يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ هو المَذْكُورُ في ”الفُرْقانِ“ في قَوْلِهِ: ﴿إنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أنْ صَبَرْنا عَلَيْها﴾ [طه: ٤٢] أيْ: لِما يُبَيِّنُ مِن مَعائِبِها، وعَدَمِ فائِدَتِها، وعِظَمِ ضَرَرِ عِبادَتِها.
{"ayah":"وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِن یَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَـٰذَا ٱلَّذِی یَذۡكُرُ ءَالِهَتَكُمۡ وَهُم بِذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ هُمۡ كَـٰفِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











