الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ يا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولا بِرَأْسِي إنِّي خَشِيتُ أنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسْرائِيلَ ولَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ .
ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ هارُونَ قالَهُ لِأخِيهِ مُوسى ﴿ياابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولا بِرَأْسِي﴾ وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لِشِدَّةِ غَضَبِهِ أرادَ أنْ يُمْسِكَ بِرَأْسِهِ ولِحْيَتِهِ. وقَدْ بَيَّنَ تَعالى في ”الأعْرافِ“ أنَّهُ أخَذَ بِرَأْسِهِ يَجُرُّهُ إلَيْهِ. وذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿وَألْقى الألْواحَ وأخَذَ بِرَأْسِ أخِيهِ يَجُرُّهُ إلَيْهِ قالَ ابْنَ﴾ [الأعراف: ١٥٠]، . وقَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: ٩٤]، مِن بَقِيَّةِ كَلامِ هارُونَ. أيْ: خَشِيتُ أنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسْرائِيلَ، وأنْ تَقُولَ لِي لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي أيْ: لَمْ تَعْمَلْ بِوَصِيَّتِي وتَمْتَثِلْ أمْرِي.
* * *
(p-٩٢)تَنْبيهٌ
هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ بِضَمِيمَةِ آيَةِ ”الأنْعامِ“ إلَيْها تَدُلُّ عَلى لُزُومِ إعْفاءِ اللِّحْيَةِ، فَهي دَلِيلٌ قُرْآنِيٌّ عَلى إعْفاءِ اللِّحْيَةِ وعَدَمِ حَلْقِها. وآيَةُ الأنْعامِ المَذْكُورَةُ هي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وسُلَيْمانَ وأيُّوبَ ويُوسُفَ ومُوسى وهارُونَ﴾ الآيَةَ [الأنعام: ٨٤] . ثُمَّ إنَّهُ تَعالى قالَ بَعْدَ أنْ عَدَّ الأنْبِياءَ الكِرامَ المَذْكُورِينَ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [ ٦ ]، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ هارُونَ مِنَ الأنْبِياءِ الَّذِينَ أمَرَ نَبِيُّنا ﷺ بِالِاقْتِداءِ بِهِمْ، وأمْرُهُ ﷺ بِذَلِكَ أمْرٌ لَنا. لِأنَّ أمْرَ القُدْوَةِ أمْرٌ لِأتْباعِهِ كَما بَيَّنّا إيضاحَهُ بِالأدِلَّةِ القُرْآنِيَّةِ في هَذا الكِتابِ المُبارَكِ في سُورَةِ ”المائِدَةِ“ وقَدْ قَدَّمْنا هُناكَ: أنَّهُ ثَبَتَ في صَحِيحِ البُخارِيِّ: «أنَّ مُجاهِدًا سَألَ ابْنَ عَبّاسٍ: مِن أيْنَ أُخِذَتِ السَّجْدَةُ في ”ص“ قالَ: أوْ ما تَقْرَأُ ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ﴾ [الأنعام: ٨٤]، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [ ٦ ]، فَسَجَدَها داوُدُ فَسَجَدَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» فَإذا عَلِمْتَ بِذَلِكَ أنَّ هارُونَ مِنَ الأنْبِياءِ الَّذِينَ أُمِرَ نَبِيُّنا ﷺ بِالِاقْتِداءِ بِهِمْ في سُورَةِ ”الأنْعامِ“، وعَلِمْتَ أنَّ أمْرَهُ أمْرٌ لَنا. لِأنَّ لَنا فِيهِ الأُسْوَةَ الحَسَنَةَ، وعَلِمْتَ أنَّ هارُونَ كانَ مُوَفِّرًا شَعْرَ لِحْيَتِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِأخِيهِ: ﴿لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي﴾ لِأنَّهُ لَوْ كانَ حالِقًا لَما أرادَ أخُوهُ الأخْذَ بِلِحْيَتِهِ تَبَيَّنَ لَكَ مِن ذَلِكَ بِإيضاحٍ: أنَّ إعْفاءَ اللِّحْيَةِ مِنَ السَّمْتِ الَّذِي أُمِرْنا بِهِ في القُرْآنِ العَظِيمِ، وأنَّهُ كانَ سَمْتُ الرُّسُلِ الكِرامِ صَلَواتُ اللَّهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِمْ. والعَجَبُ مِنَ الَّذِينَ مَضَخَتْ ضَمائِرُهم، واضْمَحَلَّ ذَوْقُهم، حَتّى صارُوا يَفِرُّونَ مِن صِفاتِ الذُّكُورِيَّةِ، وشَرَفِ الرُّجُولَةِ، إلى خُنُوثَةِ الأُنُوثَةِ، ويُمَثِّلُونَ بِوُجُوهِهِمْ بِحَلْقِ أذْقانِهِمْ، ويَتَشَبَّهُونَ بِالنِّساءِ حَيْثُ يُحاوِلُونَ القَضاءَ عَلى أعْظَمِ الفَوارِقِ الحِسِّيَّةِ بَيْنَ الذَّكَرِ، والأُنْثى وهو اللِّحْيَةُ. وقَدْ كانَ ﷺ كَثَّ اللِّحْيَةِ، وهو أجْمَلُ الخَلْقِ وأحْسَنُهم صُورَةً. والرِّجالُ الَّذِينَ أخَذُوا كُنُوزَ كِسْرى وقَيْصَرَ، ودانَتْ لَهم مَشارِقُ الأرْضِ ومَغارِبُها: لَيْسَ فِيهِمْ حالِقٌ. نَرْجُو اللَّهَ أنْ يُرِيَنا وإخْوانَنا المُؤْمِنِينَ الحَقَّ حَقًّا، ويَرْزُقَنا اتِّباعَهُ، والباطِلَ باطِلًا ويَرْزُقَنا اجْتِنابَهُ.
أمّا الأحادِيثُ النَّبَوِيَّةُ الدّالَّةُ عَلى إعْفاءِ اللِّحْيَةِ، فَلَسْنا بِحاجَةٍ إلى ذِكْرِها لِشُهْرَتِها بَيْنَ النّاسِ، وكَثْرَةِ الرَّسائِلِ المُؤَلَّفَةِ في ذَلِكَ. وقَصَدْنا هُنا أنْ نُبَيِّنَ دَلِيلَ ذَلِكَ مِنَ القُرْآنِ. وإنَّما قالَ هارُونُ لِأخِيهِ ﴿قالَ ياابْنَ أُمَّ﴾ لِأنَّ قَرابَةَ الأُمِّ أشَدُّ عَطْفًا وحَنانًا مِن قَرابَةِ الأبِ.
وَأصْلُهُ يا ابْنَ أُمِّي بِالإضافَةِ إلى ياءِ المُتَكَلِّمِ، ويَطَّرِدُ حَذْفُ الياءِ وإبْدالُها ألِفًا وحَذْفُ الألِفِ المُبْدَلَةِ مِنها كَما هُنا، وإلى ذَلِكَ أشارَ في الخُلاصَةِ بِقَوْلِهِ:
؎وَفَتْحٌ أوْ كَسْرٌ وحَذْفُ اليا اسْتَمَرْ في يا بْنَ أُمَّ يا بْنَ عَمَّ لا مَفَرْ
(p-٩٣)وَأمّا ثُبُوتُ ياءِ المُتَكَلِّمِ فَيَقُولُ حَرْمَلَةُ بْنُ المُنْذِرِ:
؎يا ابْنَ أُمِّي ويا شَقِيقِيَ ∗∗∗ نَفْسِي أنْتَ خَلَّيْتَنِي لِدَهْرٍ شَدِيدِ
فَلُغَةٌ قَلِيلَةٌ. وقالَ بَعْضُهم: هو لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ. وقَوْلُهُ ”يا ابْنَ أُمَّ“ قَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ وشُعْبَةُ عَنْ عاصِمٍ وحَمْزَةَ، والكِسائِيُّ بِكَسْرِ المِيمِ. وقَرَأهُ الباقُونَ بِفَتْحِها. وكَذَلِكَ قَوْلُهُ في ”الأعْرافِ“: ﴿قالَ ابْنَ أُمَّ إنَّ القَوْمَ﴾ [الأعراف: ١٥٠] .
{"ayah":"قَالَ یَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡیَتِی وَلَا بِرَأۡسِیۤۖ إِنِّی خَشِیتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَیۡنَ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِی"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق